في قرار مفاجئ اعتبر "صفعة" للرئيس بوريس يلتسن، رفض مجلس الفيديرالية الشيوخ المصادقة على طلبه قبول استقالة رئيس النيابة العامة يوري سكوراتوف. وكان الأخير قال إن مسؤولين كباراً دفعوه إلى الاستقالة بعدما بدأ التحقيق في فضائح مالية كبرى، وأشار إلى ان الرئيس "سحب دعمه" له. وأعلن الشهر الماضي ان سكوراتوف قدم استقالته إلى يلتسن "لأسباب صحية"، ووافق عليها رئيس الدولة فوراً وطلب مصادقة الهيئة العليا للبرلمان حسبما يقتضيه الدستور. ولكن سكوراتوف أبلغ مجلس الفيديرالية أمس الأربعاء أنه قدم استقالته لكي "يلف نظر الرئيس" إلى الضغوط القوية التي تتعرض لها النيابة العامة. وذكر ان اثنين من نواب رئيس الحكومة السابقين ووزراء سابقين وحاليين وأعضاء في البرلمان وعدداً من كبار رجال الأعمال ومسؤولين في البنك المركزي، بدأوا يعدون لإبعاده وتمكنوا من "دق اسفين" بينه وبين الرئيس. وأشار سكوراتوف إلى أن الحملة ضده بدأت بعدما شرعت النيابة العامة في تحقيقات شملت فضائح كبرى اثناء عملية الخصخصة وانتهاكات قانونية في شركات "افتوفاز" للسيارات و"اروفلوت" للطيران و"آتول" للمتابعات الأمنية وجميعها ملك البليونير اليهودي بوريس بيريزوفسكي الذي شنت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها حملة ضد سكوراتوف. وألمح المدير العام لقناة "او. آر. تي" ايغور شابدرسولوف في حينه إلى وجود شريط فيديو "فضائحي" وطلب قبول استقالة سكوراتوف "فوراً ومن دون مناقشة"، في تهديد مبطن إلى احتمال بث الشريط. ومن المعروف ان وزير العدل السابق فالنتين كوفاليوف كان فقد منصبه بعد بث فيلم يظهر فيه مع "فراشات ليل" في حمام. وذكر ان هناك تسجيلات مماثلة لرئيس النيابة العامة. إلا أن سكوراتوف تحدى خصومه، وقال إنه "لم يرتكب أي انتهاك قانوني"، وإن ذكر أنهم حصلوا على "معلومات قذرة ... بطرق اجرامية". وأجمع عدد من نواب البرلمان الذين شاهدوا الشريط على أنه "لا تشم منه روائح فضيحة" بل انه استخدم أداة للابتزاز. ولم يعد أحد في روسيا يستغرب أن ترصد تحركات كبار المسؤولين وتسجل كاميرات خفية لقاءاتهم لتستخدم لاحقاً في الصراعات السياسية. ولكن الغريب ان يطال ذلك رئيس النيابة العامة وهي هيئة بالغة الأهمية في روسيا، ولها بموجب الدستور، حق الاشراف على تنفيذ القوانين والطعن حتى بالمراسيم الرئاسية ومساءلة كل المسؤولين في الدولة. ومن ناحية الشكلية، فإن النيابة العامة مستقلة تماماً، إلا أنها أصبحت أخيراً تمتثل لأوامر رئيس الدولة. واعتبر قرار مجلس الفيديرالية "ضربة مزدوجة" ليلتسن، فهي من جهة، تحد لإرادته، ومن جهة أخرى "سابقة تعني خروج النيابة العامة من سلطة الرئيس"، كما ذكر زعيم كتلة "روسيا بيتنا" فلاديمير ريجكوف. وحظي القرار بتأييد 143 عضواً في مجلس الشيوخ وعارضه ستة فقط، ما أظهر تراجع نفوذ يلتسن لدى هذا المجلس الذي يضم رؤساء الهيئات التنفيذية والاشتراعية في الجمهوريات والمقاطعات. وبذا يكون الشيوخ انضموا إلى مجلس الدوما المعارض ليلتسن والذي استقبلت غالبية اعضائه قرار زملائهم بالتصفيق. ولكن نائب رئيس كتلة "يابلوكو" الاصلاحية المعتدلة حذر من أن "هذا القرار الموجه ضد يلتسن نذير أزمة سياسية خطيرة". وغدا رئيس الدولة أمام خيارين، فإما الرضوخ للأمر الواقع وابقاء سكوراتوف في موقعه، أو اقالته بقرار رئاسي لن يحظى بتأييد مجلس الفيديرالية وبالتالي يثير أزمة دستورية. والأرجح أن يلتسن اختار الحل الثاني، إذ عقد أمس اجتماعاً طارئاً مع رئيس الحكومة يفغيني بريماكوف وأصدرا بياناً مشتركاً أكدا فيه ان منصب رئيس النيابة العامة لا يمكن ان يسند إلى شخص "ملوث معنوياً وغير نزيه". ... وصفعة أخرى لليهود وعلى صعيد آخر، رفض مجلس الدوما مرة أخرى أمس النظر في مشروع قرار يقضي بإدانة النائب البرت ماكاشوف لاتهامه ب "العداء للسامية". وكان النائب، وهو جنرال سابق استخدم كلمة "جيد" التي تعد كناية تحقيرية، غالباً ما تطلق على اليهود، في حديثه على الأطراف المسؤولة عن مصائب روسيا. ورغم استنكار الحزب الشيوعي الذي ينتمي إليه ماكاشوف لمظاهر "العداء للسامية"، فإن نواب اليسار يتبعون في مجلس الدوما تكتيك المماطلة بتأجيل النظر في مشروع القرار من جلسة إلى أخرى.