لم ينم سعيد ليلة الرابع عشر من شباط فبراير السنة الماضية. ليس لأنه كان يريد الاستيقاظ قبل الثالثة صباحاً، وإنما لأن التفكير في رد الفعل على ما سيقوم به وأصدقاؤه، غلب النعاس. "توجهنا الى الجامعة الثالثة صباحاً، وبدأنا العمل الذي اعاقه مرور سيارات على طريق كنا نرسم عليها، اضافة الى مرور دورية للدرك جعلتنا نختبئ مدة غير قصيرة قبل معاودة العمل" يقول منذر. "بلا ولا شي بحبك"، "يللي شمها ابن عمها" من الجمل التي احاطت بوردة حمراء رسمت امام مبنى كلية الفنون - الفرع الاول في الجامعة اللبنانية. تقول احدى الفتيات المعنيات بهذه الهدية المميزة "صحيح ان آثار الوردة تزول يوماً بعد يوم عن الطريق، لكنها صارت محفورة في قلوبنا". "يوم الحب" او "يوم العشاق" مناسبة ينتظرها كثيرون وهي غير مقتصرة على الشباب فقط وإن بدوا الاكثر حماسة للاحتفال بها، تبدأ مظاهرها مع بداية شباط، فيحتل اللون الاحمر واجهات معظم المحال، وينشغل بائعو الورد بابتكار تصاميم خاصة لوردة الحب. "ماذا سأحضر لهذه المناسبة؟"، "قد لا تعجبها الهدية"، "كيف سأدبر طريقة لمقابلته؟" هذه الاسئلة وغيرها تدور في اذهان المحتفلين بهذا اليوم الذين ابدوا سرورهم لدى سؤالهم عن الموضوع "لأن لذة الحديث عن الحب تعادل لذة لقاء الحبيب" كما تقول مريم 23 سنة، لكن "لا تكتبي اسمي كاملاً، ربما قرأه أبي"، تضيف عبير 22 سنة ضاحكة. اما خليل 22 سنة فلا يريد ذكر اسمه كاملاً كي لا تعرفه الفتاة التي "يخرج معها". تجمع الفتيات على ان يوم الحب مناسبة جميلة "يكون فيها الحديث مختلفاً وحميماً" بحسب جنان 22 سنة. وتقول رلى 21 سنة "لأنه يجلب الفرح ويشكل فرصة لتأكيد استمرار الحب". أما هلا 23 سنة التي تعتبر اليوم مناسبة للقاء الحبيب الذي لا يمكن رؤيته دائماً، فتقول: "اذا رأيته يكون يوماً مهماً وإن لا، فهو يوم كما باقي الايام". وتوافقها بسمة 23 سنة: "أحب خطيبي منذ سبع سنوات ولم اشعر يوماً اني مضطرة الى الاحتفال بيوم العشاق لأوكد ذلك. انا اعتبر ان كل يوم سعيد يجمعنا هو يوم لنا، اضافة الى اننا نحتفل بيوم حبنا، وهو اليوم الذي تعاهدنا فيه على اكمال الحياة معاً". اما الشبان فاهتمامهم بالمناسبة تدل اليه مغامرتهم الليلية، لتقديم الهدية الاجمل، ما جعل طلاب الجامعة ينتظرون هدية هذه السنة ويتوقعونها، الا ان اصابع اليد تختلف، فجاءت اجوبة شبان آخرين مناقضة تماماً. يقول خليل ان الاحتفال بهذا اليوم صار واجباً، كما شراء الوردة الحمراء، وكل شاب يخرج مع فتاة عليه ان يقدم اليها هدية في هذا اليوم. ويضيف "كلما كانت قيمة الهدية اكبر، حازت اهتماماً اكبر من الفتاة". هشام 23 سنة الذي يحتفل باليوم منذ تسع سنوات تعرف خلالها الى خمس فتيات، قال ان "الاحتفال باليوم صار امراً روتينياً، كما باقي التواريخ التي يتم الاحتفال بها، وأنه لا يحضر لشيء مميز، بل سيفعل ما يفعله كل الناس، الا شراء الوردة الحمراء التي لا تعبر عن شيء وليست الا سخافة". عبير ايضاً لن تشتري وردة حمراء، ولكن لسبب مختلف تماماً، هو عدم رغبتها في لفت الانظار اليها ذلك اليوم. أما هلا فتؤكد ضرورة وجود الورد "وردة واحدة تكفي، اضافة الى المفاجأة، في يوم مماثل يكون من الجميل القيام بشيء نعرف ان الآخر يحبه فعلاً. قد يكون اختيار مكان اللقاء". اضافة الى الوردة، الهدية المعنوية، تبقى الهدية الاساسية. وكان الاجماع على ان تكون شيئاً يحتاج اليه الحبيب. فرلى، اضافة الى عصافير الحب، تريد شراء بنطلون، وعبير التي تنتظر معطفاً ستشتري حذاء. أما هلا التي لا تملك المال هذه السنة فتفكر في محفظة جلدية. وحدها جنان لن تشتري لشادي ما يحتاج اليه "هو يحب الاشياء الرمزية، افكر في أكواريوم سمك". نسيم 26 سنة يحضر لهدية عملية: "خاتم مميز، لأننا لم نخطب بعد وأنا اريدها ان ترتدي المحبس، اذا لبست الخاتم فوقه لن يلفت الانتباه كثيراً". أما حسن 25 سنة فيتصل بصديقات حبيبته ليتأكد هل تحتاج الى كنزة ام الى حقيبة. الغزل ضروري ايضاً لإكمال الاحتفال. وعبير تنتظر هذه المناسبة لتسمع الغزل من حبيبها "في بداية علاقتنا، قبل ثلاث سنوات، كان يغازلني كثيراً. الآن صرت اسمع كلامه الجميل في المناسبات فقط". ثم تضيف بدلع: "أو عندما يريدني ان انفذ له شيئاً فيقول لي مثلاً. يا حبيبتي. يا تقبريني، لا تلبسي هذا البنطلون مرة ثانية، انه ضيق" تضحك. "احب ان اسمع كلمة بحبك، وهي تعني لي الكثير، على رغم اني متأكدة من حبه" تقول هلا، اما نجوى فتريده ان يقول لها: "يا عيوني". الشبان ايضاً باتوا ينتظرون الغزل. فيقول حسن: "احب ان اسمعها تقول لي يا حياتي، يا حبي". اما نسيم فمكتف بدواوين نزار قباني التي يضعها تحت مخدته: "اقدم اليها وردة حمراء، وتقدم اليّ ديواناً لنزار، تريد ان احفظ قصائده لأغازلها بها". حيال هذه الاجوبة المعبرة عن عواطف الشباب، كان لا بد من السؤال عن مقولة اننا نعيش في عصر مادي، لم يعد للحب وجود فيه. تقول جنان: "الحب موجود، ولكن يجب فهم هذه العلاقة، انها ليست مجرد نزهات مشتركة او تبادل هدايا. الحب علاقة عميقة جداً اساسها الانسجام والتفاهم". وتؤكد عبير وجود الحب، "والدليل حبيبي الذي يقف معي في مشكلاتي قبل افراحي". وإجابة رلى كانت واضحة: "اكبر دليل الى وجود الحب بقوة في حياتنا هو ما قام به الشبان من مغامرة ليلية لتقديم هدية مميزة". نسيم يعتبر انه لم يكن يعيش قبل ان يتعرف الى حبيبته: "على رغم المسؤولية التي ألقيت على كاهلي بعد قرارنا اكمال الحياة معاً، اشعر ان كل همومي تزول عندما اراها. صحيح اننا نختلف احياناً لكن الخلاف معها لذيذ، احبها اكثر عندما نتشاجر". وتصف هلا التغييرات التي يدخلها الحب الى الحياة: "قبل ان احب كانت حياتي فارغة على رغم كل المشاريع التي كنت اقوم بها. الآن مجرد التفكير بحبيبي يملأ لي وقتي والتفكير لا يكون بالضرورة حالماً. فالحب مسؤولية ايضاً تبدأ من اليوم الاول". رنا 21 سنة التي لا يعجبها يوم العشاق لارتباطه بالمظاهر تعتبر ان الحب الحقيقي نادر، وتفسر مقولة العصر المادي بقولها: "صارت الفتاة تظهر نفسها في طريقة لا تسمح للشاب الا بالنظر اليها مادياً، لم يعد يحب فيها روحها وانما شكلها". هذا الكلام قاله هشام بطريقة مختلفة: "الحب لم يعد موجوداً لأن الفتاة صارت سهلة المنال". محمد قبيسي 22 سنة يفسر بدوره معنى العصر المادي فيقول: "الحب يبقى طاهراً وعفيفاً حتى الوصول الى المرحلة الجدية، اي التحضير للزواج، عندها تتدخل المادة ويبدأ الحب بالاحتضار". يوم العشاق ليس مقتصراً فقط على العاشقين، فهناك من يراقبهم من بعيد منتظراً ان يأتي دوره ليحتفل. ويقول محمد: "مع كل خوفي من الحب اعيش على امل لقائه". ويبرر سبب خوفه: "يحكي لي اصدقائي قصصاً كثيرة تعذبهم، احسد نفسي احياناً لأني لا احب، صرت اعتقد ان الحب موجود ولكن من دون نهاية سعيدة". ويوافقه زميله محمد نجار 22 سنة رأيه: "منطقياً، صار لازم حب، ما اتمناه ان يكون الحب الذي سألتقيه هو الحب الحقيقي". نجوى تتمنى ان تحب، ليس لتحتفل، فالحب شعور دائم غير مرتبط بالايام، وتعتبر ان يوم الحب هو كل يوم تسمع فيه تعبيراً عن الحب سواء بالهمس، باللمس، او بوردة حمراء. وتحكي ليلى ما حصل معها عندما كانت تنتظر دورها: "في تلك السنة، كتب الطلاب على الطريق "بحبك قد الليمونة" عدت الى البيت مختنقة، هناك من يكتب على الزفت كلمة بحبك وأنا لا اجد من يحبني حتى قد الفاصوليا؟ هذه السنة انا مرتاحة كثيراً وفرحتي لا توصف". ولا تنسى ان تختم: "حبيبي يحبني قد البحر". فالنتاين يحكى ان الامبراطور الروماني كلوديوس الثاني منع في القرن الثالث الشبان من الزواج، فزوج الكاهن فالنتاين الشبان سراً، ويقال انه اعدم في 14 شباط 269 م. وصار العيد يعرف باسمه. وبحسب دائرة معارف الكتاب العالمي يصادف عيد القديس فالنتاين يوم عيد شهيدين مسيحيين مختلفين يحملان اسم فالنتاين. لكن العادات المقترنة بهذا العيد متوارثة من عيد روماني قديم هو عيد الخصب، كان يحصل في 15 شباط، ويكرم "جونو" رمز النساء والزواج لدى الرومان وكذلك رمز الطبيعة.