كيف صار لهذا القسيس فالنتاين، الذي أعدم من أجل وردة، أن يصنع للحب تاريخاً من الورد، واختلافاً بين العقائد والمذاهب، على رغم مرور مئات السنين، ومن أي بستان قطف تلك الوردة الحمراء التي أهداها لابنة السجان تعبيراً عن آلام الحب ومرارة الظلم، وهوت به إلى حتمية المصير؟! وكيف تبني أمم فضائلها على خرافات وأساطير قصص إغريقية أو رومانية وتُثَبّت مرجعيتها، على رغم اليقين بصفاء وطهارة المعتقد والسلوك. وماذا سيفعل الناس لو أن القسيس فالنتاين أحرق الوردة من أجل الحب والحبيبة، هل كان العالم سيشهد حتى يومنا هذا حروباً طاحنة من أجل مكافحة إرهاب حرق الورد! الورد ليس للحبيبة وحدها نهديه، وليس للمريض وحدة نبعثه، أو لمناسبات الأعياد ننشره، إنه رمز الثقة بخير الأرض، قدّره الله سبحانه وتعالى سراً من أسرارها ليستمر عمار الروح بجمال ما تنبت الأرض... الورد قاوم أسلحة الدمار والخراب، واستمرت أراضي فلسطين وجنوب لبنان وهيروشيما وأفغانستان والعراق وحتى الصومال تنبت الورد، على رغم سقياها بدماء الأبرياء. ليس فالنتاين هو الذي سيُعلمنا أو نتعلم منه حب الورد ورمزية الورد ولمن نهديه وفي أي مناسبة نبعثه، أكثر من أربعة ملايين من سكان مدينة الرياض، على رغم صعوبة الطقس وقسوة طبيعة المكان يعيشون قصة وردية منذ عشر سنوات، قصة لم نستلهمها من القسيس «فالنتاين»، بل من إرادة ابن الرياض البار المدير العام للحدائق وعمارة البيئة سابقاً بأمانة مدينة الرياض ووكيل الأمانة للخدمات حالياً الدكتور إبراهيم الدجين، هذا الرجل الذي أهدى الرياض وسكان الرياض 100 مليون وردة في عشر سنوات، وفارق كبير وحاسم بين من أهدى وردة في ظروف غامضة، وبين من أهدى ولا يزال 100 مليون وردة في ظروف طبيعية متسقة الأهداف والغايات، ألغى بعشقه لمدينته وحبه لأهلها جفاء الورد وحرمان النظر لألوانه البهية، لم نعد نراه موسمياً، وأصبحنا نسعد به في الصيف والشتاء، والربيع والخريف، الدكتور الدجين رمز لحب كبير تحظى به الرياض من أميرها وأمينها ومنسوبي أمانتها. بعد هدوء عاصفة إحياء قصة يوم حب القسيس الذي سجن فيه قلوب العشاق «364 يوماً» وأيقظهم بمنبه ال24 ساعة في اليوم ال 14 من (شباط) أقول: ما لكم أيها العشاق تخصصون للحب يوماً وقد سما الحب بالإنسان وأسكنه فسيح جنات الحياة، ما لكم أيها العشاق تطاردون قصص الأساطير وعولمة الحكايات، والأصل ثابت وفرعه في السماء، محبة الله ومحبة الرسل، ومحبة أخيار الناس، والتفاف دائرة الحب حول الوالدين والأسرة والأقربين، وتتسع مساحة الحب للوطن بالقيم والعطاء بالأمانة والإخلاص، وما دام القلب ينبض بالحياة يتدفق منه الحب كل ساعة ودقائق وثوانٍ. قال محمد الماغوط: «الأحلام كالزهور متى ذبلت يستحيل إحياؤها من جديد»، فليس هناك حب مؤجل وعشق محدد يوقظه تاريخ حادثة أسطورية، ويخمد بزوال ذلك التاريخ. ما لكم أيها العشاق: بعضكم يسعى في الأرض فساداً ويفيق في يوم يتذكر فيه من يحب، ويعود لغيبوبة نسيان من يحب. ما لكم أيها العشاق ترهنون أيام الحب والورد، والأم والأب، الفرح والحزن، لأيام معدودات، أصبح القلب جراها مكلوماً وطعم الحياة مراً، مشرذماً بين قصص وحكايات من الشرق والغرب. ما لكم أيها العشاق تُضيقون مساحة إهداء الورد والحب وتأسرونها، لترتع في فراغها وترقص شياطين الكراهية، وتُقَسّى حبالها شرايين النسيان. وما لنا نحن العرب والمسلمين شوارعنا ومقاهينا وأسطح منازلنا على وشك انهيار مناعتها أمام زحف روايات وأساطير «إلياذة وأوديسة» الإغريق و«خرافات قساوسة» الرومان. [email protected]