ما معنى ان تعلن عاصمة عربية عاصمة ثقافية لهذا العام او ذاك؟ قد يكون لمثل هذا الاعلان معنى بالنسبة الى منظمة اليونيسكو التي دأبت، منذ سنوات قليلة، على اختيار مدينة عربية في كل سنة، وإعلانها عاصمة ثقافية. ولكن، كيف علينا - نحن العرب - ان نتلقى هذا الامر، وأن نوجد له معنى؟ هل يكفي - مثلاً - ان نحشد الجهود ونوظف الاموال لتنفيذ برامج نشاطات ثقافية، نحقق من خلالها مزيداً من الاحتفالات او الاستعراضات؟ هل يكفي مثلاً ان نعمل على اظهار مدينة من مدننا بما يميّزها من طابع او تراث ثقافي؟ وهذا امر مهم، لو كان له ان يحصل بمقدار كاف من الاداء الناجح. لا أظن انه من المجدي ان نكتفي بالمظاهر الاحتفالية. فنحن نحيا في عالمنا العربي حالة من ضياع المعنى "الثقافي"، فكيف لمدينة من مدننا ان تكون عاصمة ثقافية؟ اذا كانت ثقافتنا بعامة تعاني من الجمود او التردد او التبعية. الا يجدر بكل مدينة من مدننا ان تكون عاصمة للبحث عن مقوّمات حقة لثقافة عربية معاصرة؟ والبحث عن مثل هذه المقوّمات ليس امراً تتخذ بشأنه القرارات، او انه ينطلق من ساعة صفر تحددها هذه الجهة او تلك. وإنما هو امر ينبغي التعبير عنه في رؤى ومشاريع وتطلعات. وهنا تبرز مسؤولية المثقفين اولاً، وبعد ذلك تأتي مسؤولية المؤسسات او وزارات الثقافة، إذ لا بأس في دعم تقدّمه هذه الاخيرة لمبادرات المثقفين، إذا ما تسنى لهم ان يعبّروا من خلالها عن خياراتهم باستقلالية وحرية. هل يستفيد المثقفون من فرص اعلان العواصم العربية عواصم ثقافية؟ هل يجدون في مبادرات المنظمة العالمية اليونيسكو ما يفتح امامهم نوافذ للبحث في طبيعة الثقافة التي يعيشونها، وفي طبيعة الثقافة التي يتطلعون إليها؟ وإذا ما تلمّسوا مثل هذه النوافذ، ذاهبين الى ابعد مما تقدمه الاحتفالات او تثيره، الا يعطون عندئذ معنى عميقاً للعاصمة الثقافية، او للعام الثقافي؟ بيروت اليوم هي العاصمة الثقافية للعام 1999. وللاسف لا يبدو ان اللبنانيين - رسميين وغير رسميين - قد استعدّوا جيداً للمناسبة. وها هو العام قد طوى جزءاً منه ليس بالقصير، وهم يتصرفون وكأنهم فوجئوا بالأمر! لا ينتظر من وزارة الثقافة ان تقوم بشيء استثنائي او مميز. فما تهيئ له من برامج ونشاطات لن يكون سوى استعادات او مراكمات، وسوف تدخل في تنفيذه اعتبارات هي ابعد ما يكون عن الشأن الثقافي بمعناه الواسع. ولهذا، يرجح ان يحفل العام هذا بنشاطات لا تحمل جديداً، بل تكون شبيهة بتلك التي حفلت بها بيروت في السنوات القليلة الماضية التي اعقبت سنوات الحرب الطويلة. ولقد كان التوسع الافقي والتكاثر الكمي سمتين اساسيتين لهذه النشاطات، فلم تحمل - حتى الآن - ما يبشر بانطلاقة ثقافية جديدة تعد بتغيرات جذرية. وفي المقابل، لم يبد المثقفون اللبنانيون اهتماماً جدياً بمناسبة اعلان بيروت عاصمة ثقافية. لم يبادروا حتى الى احراج وزارة الثقافة وغيرها من الجهات الرسمية بمشاريع او مقترحات معينة. وهناك اتحاد للكتّاب اللبنانيين لا يظهر انه في صدد المبادرة او التحرك. لعله غافل او عاجز! ان مسؤولية المثقفين - افراداً وتجمعات - حيال مناسبة كهذه ليست اقل من مسؤولية الجهات الرسمية، بل انها اكبر. هنالك في بيروت - وفي لبنان عموماً - الكثير الكثير من النوادي والمجالس الثقافية التي تملك حرية النشاط والحركة، فماذا اعدّت لهذا العام الثقافي من رؤى جديدة يمكن لها ان تميّزه عن غيره من الاعوام؟ نعيش - في عالمنا العربي كله - حالة من ضياع "المعنى الثقافي" او فقدانه. وما الاعلان عن "عواصم ثقافية" عندنا سنة بعد سنة الا وقوفاً بنا امام هذه الحالة. ولكن، لماذا لا نتخذ من هذا الاعلان المتكرر مناسبات متكررة لتنشيط البحث عن معان جديدة لثقافة عربية معاصرة؟ عندها فقط، يمكن ان نعطي للعاصمة الثقافية معناها. * كاتبلبناني.