قبل سنوات قليلة من سقوط حكم الرئيس الصومالي محمد سياد بري في العام 1991، كانت الخدمات المصرفية تشهد تدهوراً سريعاً تحت إشراف الدولة في إطار النظام الاشتراكي الذي كان سارياً في الصومال. وفقد المواطنون ثقتهم في المصارف واتبعوا حيلاً ملتوية لتلبية حاجاتهم المصرفية باقل قدر من الخسائر. ومن تلك الحيل إنشاء شركات لتحويل العملات، وهي عبارة عن شبكة من التجار المحليين لديهم ممثلون في الخارج، خصوصاً في الخليج وايطاليا حيث يعمل عشرات الآلاف من الصوماليين. ويدفع هؤلاء العمال الى مندوبي التجار في الخارج المبالغ المطلوب إرسالها الى ذويهم الذين يتسلمون ما يعادلها بالعملة المحلية في الصومال، في حين تظل المبالغ الاصلية في حسابات مصرفية للتجار في الخارج. وبعد سقوط نظام سياد بري، هاجرت كل الاموال النقدية الاجنبية والذهب والمعدات الالكترونية وغيرها من ممتلكات الامة الى الخارج مع المواطنين الذين فروا من نيران الحروب التي اشتعلت في البلاد. وانتشر مئات الآلاف من الشعب الصومالي في انحاء عدة من العالم، وتعطلت الحركة التجارية والصادرات والواردات وتبادل العملات لفترة من الزمن قبل ان تنشط شركات التحويل مجدداً، ولكن هذه المرة علناً مع جميع الدول التي هاجر اليها الصوماليون. وكان ضمن هؤلاء المهاجرين خبراء في الاعمال المصرفية، فأنشأوا مراكز مصرفية في الدول التي يقيمون فيها وفروعاً لهم في دول اخرى وفي الصومال. وهكذا عادت حركة التجارة الحرة من دون قيود او حدود او ضرائب، وادى ذلك الى توافر البضائع المستوردة من الخارج بطريقة اسهل واسرع مما كانت عليه ابان الحكومات المتعاقبة، ولم تعد تشهد البلاد ازمات فقدان مواد اساسية مثل الوقود والسكر وغير ذلك. سوق تبادل العملات ونشأت من حركة التجارة الحرة اكبر سوق لتبادل العملات في مقديشو هو سوق البكارة حيث توجد فيه معظم العملات المعتمدة في الدول المجاورة للصومال، إضافة الى العملات العربية والعالمية الرئيسية. لكن الدولار الأميركي هو الذي يحدد قيمة صرف العملات. وتجد في هذا السوق أكواماً من العملات المتنوعة وسط زحمة من السماسرة والدلالين والمراجعين والصرافين. وتتحدد الأسعار حسب العرض والطلب فإذا وصلت كمية كبيرة من الدولارات لطلب العملة الصومالية ترتفع قيمة الشلن الصومالي، اذا وصلت كمية من العملة الصومالية يزداد الطلب على الدولار فترتفع قيمته. ويتولى الأمن ميليشيا خاصة بالتجار تحمي مداخل السوق والمراكز المهمة فيه. كما يوجد حرس خاص لكل سوق من الأسواق المتخصصة، مثل اسواق الاقمشة ومواد البناء وسوق الادوات الكهربائية والالكترونية. وهكذا يتعاون التجار في كل من هذه الأسواق لضمان حراسة بضائعهم بتوظيف مسلحين لهذا الغرض. وسألت "الحياة" مدير المصرف المركزي سابقاً السيد عبدالله حاج يوسف عن عمل شركات التحويل فقال: "ان ما تقوم به شركات التحويل من الأعمال المصرفية هو لسد حاجات المجتمع الملحة، لأن الخدمات المصرفية من دون ضمانات من الدول مغامرة خطيرة. وشركات التحويل الحالية ليست لديها اية ضمانات أو أنظمة مالية، وانما تقوم بأعمال تستند الى مبدأ الثقة بين المتعاملين. وفي عهد حكومة الجنرال الراحل محمد فارح عيديد القصيرة الأجل جرت محاولات عدة لانشاء مصارف، فاتفقت الحكومة، غير المعترف بها دولياً، مع شركة ماليزية لإنشاء بنك تجاري ينفذ مشاريع تجارية مختلفة، ووضع له نظام وبدأ العمل فعلاً، لكنه لم ينجح لأسباب عدة. كما أسس بعض التجار الصوماليين البنك الاسلامي ولكن لم يبدأ العمل بسبب غياب ضمان الدولة". سألت السيد عباس عيد علي مدير "بنك البركات"، وهو البنك الوحيد الذي يحمل اسم البنك في الصومال حالياً، عن تاريخ مصرفه والخدمات التي يقوم بها في ظل غياب ضمانات الدولة فقال: "بدأنا عملية خدمات التحويل منذ العام 1985 كشركة تحويل مالية، ثم توسعت اعمالنا تدريجاً. وفي العام 1992 تحولت الشركة الى مصرف عادي يقوم بالخدمات المصرفية طبقاً لمتطلبات حاجات البلد، ففتحنا فروعاً في الداخل والخارج وصار عددها 33 فرعاً، كما يوجد في مقديشو نحو 100 مركز لتسهيل عمليات التحويل والصرف وذلك لتخفيف الضغط والتزاحم على المركز الرئيسي للمصرف. ويقدم المصرف ايضاً بعض الخدمات الأخرى منها اصدار شيكات مصرفية معتمدة من قبل بعض المصارف وبواسطة فروعنا في الخارج. وأدى ذلك الى تسهيل عمل التجار الصوماليين الذين كانوا يحملون العملات الصعبة في جيوبهم لشراء البضائع من الخارج، والآن نصدر لهم شيكات معتمدة او تحويلاً عادياً في اي بلد يريدون شراء البضائع منه. ويقوم المصرف ايضاً بحفظ الودائع ويوجد لدينا اكثر من الف شخص لديهم ودائع في المصرف. ولدينا حسابات جارية للهيئات والأفراد. ويمول المصرف ايضاً مشاريع تجارية، وأنشأ شركة البركات للاتصالات العالمية التي تقدم الخدمات البريدية والاتصالات الهاتفية والفاكسات وغيرها، وهي شركة مساهمة على شراكة وضمان المصرف. ويؤسس المصرف حالياً شركة مساهمة لانتاج مشروبات غازية". ويوجد حالياً في الصومال عدد كبير من شركات التحويل وأشهرها "شركة دهب شيل" و"التوفيق" و"سندس"، وتجمع شركات جديدة اتحدت تحت اسم "المستقبل". وثمة تنافس حاد بين شركات التحويل لاستقطاب الزبائن، يتمحور حول سرعة الانجاز والأمانة وخفض نسبة خدمة التحويل وغير ذلك.