في قديم الزمان كان العمل اليومي في الصحيفة ينتهي مع دوران عجلات المطبعة. استمر الوضع هكذا حتى السنة الأخيرة من القرن العشرين عندما وجدت الصحافة نفسها للمرة الاولى في سرير واحد مع عدوها التلفزيون. هذا ما سيذكره المؤرخون في القرن المقبل عن صفقات تتم حالياً بين عمالقة الصحافة والتلفزيون العالمية. فيوم العمل في صحيفة "واشنطن بوست" لم يعد ينتهي مع غلق الصفحة الاولى. وبدلاً من سؤال الساعة عن الوقت يطيل الصحافي النظر في المرآة يصفف شعره ويلون بشرته الشاحبة استعداداً للظهور في تلفزيون "إن بي سي". كيف حدث ذلك؟ عندما سُئل رئيس التحرير ليونارد داوني عن سر تحالف "واشنطن بوست"، التي تعدّ من أبرز الصحف العالمية مع عدوها التلفزيون قال: "الانترنت". ولأن سرير الانترنت عريض "قد الدنيا"، حسب التعبير العربي الدارج، فالصفقة تشمل أيضاً "نيوزويك"، التي تملكها "واشنطن بوست" وتُعتبر من أشهر المجلات الاسبوعية العالمية، كما تربط محطات تلفزيون سلكية كيبل خاصة بالمشتركين، إضافة الى مواقع انترنت تعود الى الصحيفة والمجلة وقنوات التلفزيون. ويثير التحالف الاعلامي العملاق أسئلة كثيرة على الصعيد العالمي. فالمعروف أن عدداً كبيراً من الصحف وقنوات التلفزيون البريطانية والعربية تطور مواقع خاصة بها وتفضل الحفاظ على تقاليد المنافسة الاعلامية القديمة في عصر الانترنت. في حين تشارك "واشنطن بوست" الآخرين بمواردها الصحافية بدلاً من التركيز على تطوير موقعها، مع أن عدد قرائه أكبر من أي موقع آخر في صحافة الانترنت. لماذا؟ جواب رئيس تحرير الصحيفة الأميركية صريح ومباشر: "عدم توفر مستلزمات الفيديو لدى الصحيفة. ومواقع الانترنت ستبث في المستقبل صور فيديو مباشرة للأحداث الكبيرة". وأنكر ليونارد داوني أن يكون الاقتصاد بالنفقات وراء هذه الخطوة، التي يعتقد بأنها تضاعف مئات المرات عدد الأشخاص الذين يرون ويسمعون ويقرأون "واشنطن بوست". وفي مواجهة خطر الاتهام بانشاء احتكار اعلامي شدّد على أن الصفقة لا تعني عملية شراء أحد أحداً، بل تهدف الى "عقد تحالف وجهد تعاوني... وكل ما في الأمر اننا نعمل سوياً كمؤسسات إخبارية مستقلة". وظهر في أعقاب الاعلان عن الصفقة أنها كانت محور منافسات شاركت فيها صحيفة "نيويورك تايمز" التي كشفت أنها بصدد انشاء تحالف يضم قناة تلفزيون الكيبل "أي بي سي"، الذي تملكه "ديزني"، وموقع الأخبار المالية TheStreet.com. وسرت حمّى التحالفات عبر الحدود الاعلامية الى لندن المحافظة، حيث اشترت "بيرسن"، الشركة الام لصحيفة "فاينانشال تايمز" حصصاً في موقع انترنت خاص بالأعمال تملكه المجموعة الاعلامية "سي بي إس". وتخوض الصحافة والتلفزيون الآن في التفاصيل الفنية والتقنية للتنسيق بين طرق عمل وموارد الجانبين. لكن حتى في هذه المرحلة الأولية تظهر فضائل العيش في سرير مشترك. فالتحالف الجديد قد يحسّن صورة التلفزيون الذي يقول عنه الممثل وودي ألن "في التلفزيون لا يرمون الزبالة بل يصنعون منها برامج". وتقدم التحليلات وخلفية الأحداث التي توفرها الصحافة العمق الذي يحتاج اليه التلفزيون "بسبب افتقاره الى صفحة ثانية"، حسب تعبير المعلق الصحافي الساخر آرت بوكوالد. وسينقذ التحالف الاعلامي صحافة الانترنت من "لعب العيال". فمعظم المواقع الاخبارية المشهورة في الانترنت تعرض، حسب تقويم خبراء الاعلام الأميركيين "مادة خاماً عسيرة الهضم". وتلوح الآن بداية التغيرات مع قرار "نيويورك تايمز" استخدام موقع الانترنت لتغطية تطورات الأسواق المالية فورياً "وبعمق وبمادة أفضل بكثير مما هو موجود حالياً في مواقع الأخبار في الانترنت". وأعلنت الصحيفة أنها ستخص الانترنت بتقارير تملك الجودة والنفوذ المميزين لموادها، وذلك في الأوقات التي تعقب طباعة الصحيفة.