عقد يوم أمس في لندن مؤتمر بمناسبة يوم حرية الصحافة العالمي الذي يصادف الثالث من أيار. وجاء المؤتمر بعنوان "إعلام الإنترنت قتل الصحافة". رعى هذا المؤتمر الدولي فرع المجلس القومي البريطاني لليونسكو وبشراكة مع شبكة حريات الصحافة البريطانية بإدارة نادي فرونتلاين للإعلام. ترأس المؤتمر ويليام هورسلي رئيس اتحاد الصحافة الأوروبية الذي قال في كلمته إننا نناقش هنا مدى العمق الموجود في المادة الصحفية المتوفرة على الإنترنت، ومدى جودتها ومصداقيتها وتأثيرها على الصحافة التقليدية. كان من ضمن المتحدثين في المؤتمر أندرو كين الصحفي الأمريكي مؤلف كتاب "طقوس الهواة: كيف قتل الإنترنت ثقافتنا". أصر كيت على أن الصحافة شيء وطرح الرأي شيء آخر. لذلك يجب دعم الصحافة التقليدية وتحجيم التدوين، لأن التدوين قلل من حاجة الصحف للصحفيين وهذا بالتالي أثر على أرزاقهم. وقال إن صحافة الإنترنت ما هي إلا ثورة على التقاليد الصحفية، وليس بإمكان جميع الصحف دعم موقع إنترنت مالياً والخروج بنتائج مرضية، لا أرى مثلا صحيفة النيويورك تايمز بإمكانها أن تصبح جريدة موقع انترنت. إن الوضع الحالي يحول الصحفيين الجيدين إلى مدونين يكتبون مجاناً كما في صحيفة (الهافتنتون بوست). علينا أن نتذكر أن صحافة الإنترنت لا تتمتع بمصداقية الصحافة الورقية التقليدية. اعترض جيريمي دير السكرتير العام لاتحاد نقابة الصحفيين البريطانيين على الطرح الذي قال ان الانترنت والمواقع الإخبارية قتلت الصحافة وقال "بل الإنترنت هو الذي أبقى الصحافة على قيد الحياة. إن ما قتل الصحافة هو عدم اهتمام مالكي الصحف بالصحافة وعدم تدريب كوادرهم، لا يوجد سوى 7% من الصحفيين البريطانيين ممن تلقوا تدريباً من مؤسساتهم". ثم ذكر جيريمي دير لائحة طويلة بكمية الأرباح الفلكية التي جنتها الصحف البريطانية العام الماضي، وقال هذه الأرباح لم تنعكس على تحسين وتطوير الصحافة والصحفيين، بل على العكس. لم يدربوا الصحفيين بل طالبوهم بعمل المزيد، والإشراف على مهام إضافية أخرى فوق طاقتهم، مما أدى إلى انحدار مستوى التغطية الصحفية، لم يعد بإمكان الصحفي العمل بشكل مرضٍ تحت ضغط ضرورة تسليم تقرير ما في وقت ضيق أو أن يقوم هذا الصحفي بما يليق من بحث ميداني، وإضافة معلومات ضرورية. لذلك أنا ضد التصويت على أن الإنترنت قتل الصحافة. لأن من قتلها هم أصحاب المؤسسات الذين تخلصوا من عدد من الصحفيين لتقليل ما يدفعونه من رواتب، وقاموا بالالتفاف على الخريجين الجدد للعمل تحت مسميات مثل تحت التدريب لتقليل الإنفاق على الصحافة الجيدة. تحدث كيم فلتشر رئيس مجلس تدريب الصحفيين القومي، ومؤلف كتاب دليل الصحفي. مؤكداً انه مع التصويت لتحجيم المدونين، لكنه أوضح ان الصحافة هي عرض لوجهات النظر أيضاً كما هو التدوين. كيم كان محررا لصحيفة (التلغراف) وصحيفة (الإندبندنت أون صنداي) ضمن عدد من المواقع الإعلامية الأخرى. المتحدث الثالث الذي اكتسح ساحة النقاش والمساند للتدوين هو روبن لستيغ المذيع المعروف في إذاعة (بي بي سي)، والذي يعتبر من أشهر المدونين، ويكتب على شبكة الإنترنت بغزارة إضافة إلى كتابته في الصحافة. والذي أكد أن موقع (بي بي سي) يتلقى رسائل تغذية راجعة من المستمعين، والمشاهدين بلغت 5ملايين رسالة يومياً، وهذا التواصل يفوق أي تواصل عن طريق أي وسيلة إعلامية أخرى من وسائل (بي بي سي). وقال:" عندما دخل المذياع حيز الإعلام اهتز عالم الصحافة خوفاً، وقيل ان الراديو سيبتلع الساحة ولن نعود بحاجة إلى الصحف. لكن استمر نجاح الصحف والمذياع جنباً إلى جنب. وعندما اخترع التلفزيون هلع العاملون في الإذاعة وقالوا ان التلفزيون سيقتل الإذاعة والصحافة وهذا لم يكن صحيحاً أيضاً. لا زال لدينا صحف، ومحطات إذاعية، وتلفزيونية. علينا أن نتقبل فكرة أن عالم التقنيات يتطور، ومعه تتطور خيارات تلقي المعلومة. وعدم إلقاء اللوم على الإنترنت إن تراجع العمل الصحفي، بل على العكس تماماً إن الإعلام استفاد كثيراً من التدوين. عندما تجري الانتخابات الأمريكية لا نهرع لمصادر الأخبار المعهودة فقط ولكننا ننبش في أخبار المدونين والإنترنت لنعرف حقيقة مشاعر الناس تجاه ما يجري. لذلك أصوت ضد تحجيم الإنترنت". كما تحدثت نظيم أنصاري رئيسة اتحاد الصحافة الأجنبية. صاحبة أقدم صحيفة إيرانية على الإنترنت في بريطانيا. أكدت أنصاري أن الصحافة ليست مجرد مصدر رزق، وأن العاملين في مؤسستها قبلوا بأقل من القليل لأن صحيفتها كانت المتنفس الوحيد للصحفيين بعد أن تم سجن وتقييد الحريات في إيران. وأن الحكومة الإيرانية كانت تسائل حتى الذين يضعون إعلاناتهم على صفحات صحيفتها (كاياهان) لذلك لم يكن الوضع المادي مرضياً. لكن استمرت الصحيفة بالصدور، وأصبحت ضمير عدد من الصحفيين الإيرانيين، وأصبحت تتلقى أفضل الدعايات مما ساندها على الصمود. لذلك اعتبرت أن التدوين من داخل إيران دعم الصحافة وأنها مدينة للإنترنت بنجاح رسالة الصحافة. وقالت ان العمل الصحفي لا يجب أن يرتبط بالضرورة بالكسب المادي. عندها قاطعها الصحفي الأمريكي أندرو كين وهو الصحفي الأمريكي الوحيد في لجنة المتحدثين قائلاً "من الذي دفع ثمن فستانك"؟ وكانت هذه الملاحظة خارجة عن الذوق العام وانتبه لها الحضور. لكن نظيم استكملت الدفاع عن موقفها، وفي نهاية المؤتمر أثناء لقاء (الرياض) مع نظيم التحق بالنقاش كين ليرقع ما أفسده، لكن نظيم أخبرته أن الصحافة لم تستطع أن تشتري ذوقاً لمن لا ذوق له. شارك في النقاش نيكولاس جونز الصحفي والكاتب ومراسل (بي بي سي) سابقاً في المجال الاقتصادي، وآشلي نوريس مؤسس شركة شايني ميديا على الانترنت والتي تجني أرباحاً طائلة من عدد من مواقعها الالكترونية. ويوميت أوزتورك من إعلام منظمة العفو الدولية، وتشارلي بيكيت مدير صحيفة (بوليس) في قسم الإعلام والاتصال في كلية الاقتصاد في لندن. والذي يتمتع بخبرة 20عاماً كصحفي في عدد من المؤسسات الإعلامية البريطانية من ضمنها (بي بي سي) و(إل دبليو تي) و(آي تي في) وهو مؤلف كتاب الإعلام المتميز. في بداية المؤتمر هنأ رئيس المؤتمر الإعلاميين بسلامة الزميل سامي الحاج الذي عمل في الجزيرة وكان رهن الاعتقال في سجن غوانتانامو. وتم تقديم جائزة أفضل مقال وبرنامج للإذاعة على مستوى الطلبة الجامعيين ممن قدموا بحثاً حول موضوع التصويت الذي بحث عن إجابة إن كان الإنترنت قد قتل الصحافة. وكان الفائز هو الطالب ستيوارت روس. صوت الحضور الذين يمثلون المؤسسات الإعلامية المختلفة على موضوع اعتبار أن الإنترنت قتل الصحافة، وذلك من أجل تقديم نتائج التصويت لليونسكو والحكومة البريطانية من أجل بناء السياسات الصحفية القادمة بناء عليه. وجاءت النتائج أن 13فقط أيدوا فكرة تقييد الإنترنت، بينما 43صوتوا ضد المقترح واعتبروا أن الإنترنت خدم الصحافة وليس العكس، بينما امتنع 5عن التصويت.