هاني السعدي هو صاحب التجربة الأكثر خصوصية في الدراما السورية المعاصرة. ومعظم أعماله يترك وراءه عاصفة من الجدل في الوسطين الفني والإعلامي. وهو أول - وأكثر - من كتب الأعمال التي اطلق عليها اسم "الفانتازيا التاريخية" بدءاً ب"غضب الصحراء" وانتهاء ب"الفوانيس" مروراً ب"البركان" و"الجوارح" و"الكواسر" و"صراع الأشاوس" و"المسلوب" و"السيف والخفافيش" و"الموت القادم إلى الشرق". كما أنه قدم سلسلة أعمال درامية معاصرة أرادت لنفسها المشاكسة والخوض في قضايا ساخنة وغرائبية أحياناً ك"دائرة النار" و"العنيد" و"أبو البنات" و"حارة نسيها الزمن". ودائماً مع هاني السعدي ثمة محاور مهمة للحديث، تتجاوز أعماله إلى هموم الفن العربي ورقاباته المتعددة... كثيرون يتهمونك بأنك غير قادر على كتابة دراما معاصرة مهمة، لذلك تلجأ إلى التاريخ؟ - ربما كان في هذا الحديث - أو الاتهام - جانب من الصحة، لكنه جانب صغير، لأنني عبر مسيرتي الفنية كتبت العديد من الأعمال المعاصرة ولاقت النجاح مثل "دائرة النار" و"حارة نسيها الزمن" و"البارعون"... وغيرها. لكني استمتع بكتابة الأعمال التاريخية - أو ما يسمونه "الفانتازيا" - لأنني على علاقة طيبة وحميمة مع العربية الفصحى واستمتع بها وأجد نفسي قادراً على التعبير من خلالها أكثر بكثير من اللهجة العامية؟ كيف ولدت "الفانتازيا التاريخية" من خلال "غضب الصحراء"، كأول عمل من هذا النوع؟ - وقتها طُلب مني أن أكتب عملاً بدوياً، وليقيني بأنه لا توجد أية علاقة بيني وبين البداوة، لجأت إلى كتابة عمل بدوي باللغة الفصحى، وهو "غضب الصحراء" الذي أخرجه هيثم حقي وفق منطق الصحراء وقدم شكلاً جميلاً، تلاه "البركان" الذي أخرجه محمد عزيزية وكان على نفس الطريقة عملاً بدوياً صحراوياً. "البركان" أيضاً بُني كعمل بدوي؟ - لا... فكيف ولدت الفكرة؟ - من خلال العالم العربي المتفكك، أحببت ان أمازج بين المعاصر والتاريخ والخلاصة: مواجهة العرب للعدو الأميركي - الإسرائيلي. كثيرون أعادوا شخصية "ورد" في مسلسل "البركان" إلى بعض القادة العرب! - هناك طموح ان يكون هناك قائد عربي يستطيع ان يلم الشمل، وعبر مسيرة العرب المعاصرة، أرى أن الرئيس حافظ الأسد هو المرشح الأول ليقود هذه الأمة. إذا كنت نقصد بأن كثيرين اعتبروا ورد يحمل ملامح الرئيس الأسد... كيف كرّت مسبحة الفانتازيا؟ - بعد النجاح الذي لاقاه "غضب الصحراء"، ومن ثم "البركان" شعرت ان هناك رغبة في انتاج هذه النوعية، ولم يكن يطلق عليها في ذلك الوقت مصطلح "فانتازيا"، ظهرت هذه التسمية بعد أن قام نجدة انزور باخراج "الجوارح"، ذلك أنه قدم صيغة مختلفة بعيدة عن القالب العربي المعروف، إذ نصب الخيام في منطقة خضراء جداً واعتمد على شكل ملابس مختلف - بما فيه التعري - وهذا لم يكن وارداً في قبائل العرب لا سيما قبل الإسلام مباشرة. ثم كان هناك جزء ثان ل"الجوارح"، كُتب قبل نهاية عرض "الجوارح"، وهو "الكاسر" ثم "الموت القادم إلى الشرق". في "الجوارح" ثمة اشارات صريحة إلى الرومان، بمعنى تحديد زمن. ومن خلال الصورة ثمة ايحاء بمكان... - مقاطعاً، لم يطرح أحد من النقاد تساؤلاً في "البركان" عن وجود الرومان، لأنه قُدم في شكل صحراوي عربي، بمعنى الاعتماد على مرجعية تاريخية معروفة، الخلاف نتج من "الجوارح" لأنه لم يقدم في شكل عربي، أنا كتبته كما كتبت "غضب الصحراء" و"البركان"، رؤية المخرج نجدة أنزور هي التي خلقت هذه الاشكالية. المسألة مسألة شكل العمل الذي قُدم... وهذه رؤية مخرج. ككاتب ما هي وجهة نظرك؟ - كنت أفضل أن يُقدم "الجوارح" بالشكل الذي قدم فيه "البركان" و"غضب الصحراء"، ليكون أقرب إلى الواقع والمنطق، على رغم ان الشكل الذي قدمه نجدة أنزور في الجوارح هو الذي ساعد في نجاح وانتشار العمل. صحيح هناك معارضون لهذا النوع، لكن الغالبية العظمى أحبوا العمل. اسقاطات وصدّام في "الجوارح" أيضاً كانت هناك إشكالية بالنسبة لتأويل العمل، لا سيما شخصية أسامة حيث أعاده كثيرون إلى "صدام حسين"... بصراحة عندما كنت تكتب هل كان في ذهنك هذه الايحاءات والاسقاطات؟ - بالتأكيد... كتبت العمل بعد اجتياح العراق للكويت، وبالطبع لم أكن سعيداً بذلك، لأن العراقوالكويت بلدان عربيان. لكنني عندما بدأت في كتابة العمل نزعت من رأسي فكرة صدام حسين أو العراق أو الكويت، وأبقيت الإنسان الذي يمتلك القوة ويحاول ان يعتدي على الآخرين من دون وجه حق، أي قائد متعطش لسفك الدماء. أي قائد يحاول السيطرة على أرضٍ غير أرضه وأن يحكم شعباً غير شعبه. وكنت ضده في العمل. ولكن في الجزء الثاني من "الجوارح"، والمعنون ب"الكواسر" ثمة حالة أسف دائم على موت أسامة، وكأن هناك ندماً؟ - لا... هنا تعاملت مع ابن الوهاج كأب، على رغم أنه ندم على قتله. لكن في الكثير من المواقف يقول "كان يجب أن اقتله لأقتل الشر الذي في داخله...". وهذا لا يتعارض مع حزن الأب لا سيما وأن أسامة كان أحب أبنائه إليه وأقواهم، أسامة كان بالنسبة لابن الوهاج الفارس الذي ضاع... لماذا غابت المقولة "الكبيرة" عن "الكواسر" قياساً لباقي أعمالك، لا سيما "البركان" و"الموت القادم إلى الشرق"؟ - لاحظ ان "الكواسر" كثيراً ما كان يعتمد على "الاكشن"... الشخصيات القوية "الجبارة"، هذا الجو العنيف لا يجعلك تركز على تفصيلات ما يريده الكاتب. "الموت القادم إلى الشرق"، كان الأكثر قوة، على صعيد الفكر، ضمن سلسلة الفانتازيا، لماذا لم يلاق النجاح الذي لقيه "الكواسر"، على رغم أنه أهم كتابة واخراجاً وأداء؟ - المحطات الفضائية الناجحة تلعب دوراً كبيراً في ترويج المسلسل وإلقاء الضوء عليه من دون غيره. في رمضان الفائت عُرض "الكواسر" في كل من دبيوالكويت وسورية، وقدمت له دعاية كبيرة. أما "الموت القادم إلى الشرق" فلم يعرض إلا في محطة واحدة، ويبدو ان هذه الأخيرة لا تلقى "زبائن" ومتفرجين كما المحطات المذكورة، ولكن في العرض الثاني قوبل "الموت القادم إلى الشرق" باحترام خاص. ومن أسباب نجاح "الكواسر" بهذا الشكل، هو أنه يعتبر جزءاً ثانياً من "الجوارح". لنعد إلى مفهوم الفانتازيا، كيف اخترعت هذه التسمية، مع أن معظم النقاد يتفقون على أنها لا تتناسب مع الأعمال التاريخية التي كتبتها؟ - هم اطلقوا التسمية ولست أنا. بالنسبة إليّ هي أعمال أقرب إلى الواقع منها إلى أي شيء آخر. لأن العمل يجب أن يُصدق، وإذا صدقته، يجب ان تحذفه من قائمة الفانتازيا. فالفانتازيا ليس من الضروري تصديقها، الشكل الذي قُدم فيه اصطلح على تسميته "فانتازيا" لكن طبيعة العمل واقعية. ودائماً لأحداثي لها مرجعية واقعية. إذاً فأنت لا تتبنى الفانتازيا؟ - لا اتبناها في أعمالي، ربما في مشهد ما - للتغريب - لكني لا أحكم العمل كله بالفانتازيا. في أعمالك المعاصرة انفتحت على عدد من المخرجين الشباب، لماذا لم يحدث ذلك في الأعمال التاريخية؟ - هذه مسؤولية الجهات الانتاجية، هي التي تختار المخرج. هاني السعدي، كاتب "موسوس"، يحاول التدخل في النص حتى آخر لحظة، ونجدة أنزور يقول بأن مهمة الكاتب تنتهي عندما يسلم النص. كيف تتفقان إذن؟ - لم نتفق في "الجوارح" وكانت النتيجة هي تلك الحرب العاصفة بيننا في الصحف. الآن تجاوزنا ذلك في "الكواسر" و"الموت القادم إلى الشرق"، لا تزال هناك هنّات بسيطة، لكنها ليست بذات قيمة، لأن العمل في النهاية يرضيني، لا سيما "الموت القادم إلى الشرق". ضد سوزان في "الكواسر" علقت أكثر من مرة على أداء سوزان نجم الدين وقلت إنها عكست الدور؟ - سوزان ممثلة جيدة، وعندما تم اختيارها كنت متحمساً لها، وخلافنا هو حول فهم الشخصية. الشخصية بالنص تنمو ببطء، في البداية تكون شبه مجهولة مثل أي فتاة إلى ان تبرز تدريجياً فيراها شفيق ويهتم بها ويتزوجها. هي ارادت ان تبدأ من البداية واضحة ونافرة بين فتيات القبيلة، أصرت على أن ترتدي ملابس فاقعة مختلفة، علماً أنها - درامياً - مثل الاخريات، المكياج كان فاقعاً وعموماً جميعهن استخدمن مكياجاً فاقعاً - اعترضت على لباسها وأدائها في بداية العمل، لم يكن أداء فتاة بريئة، بدت لي أنها تحاول الاغراء والاغواء وهنا اختلفنا. أما في القسم الثاني من العمل فقد كانت ممتازة. وكأن هناك ما يشبه القطيعة بينك وبين هيثم حقي؟ - لا توجد قطيعة نهائياً. تعاملنا مع بعضنا في أربعة أعمال: "دائرة النار" و"غضب الصحراء" و"الحالة وسط" و"المنتسب"، هو توجه إلى الأعمال المعاصرة وأنا توجهت إلى "الفانتازيا"، وهو صرح - زمان - بأنه اخرج "غضب الصحراء" وتوقف، بمعنى أنه لا يريد تقديم أعمال أخرى على النوعية نفسها، لذلك لم اعرض عليه أعمالي. إلى أي درجة تشعر بأن الرقابة العربية عائق؟ - في الأعمال التاريخية لا أشعر بها كثيراً، لكن في الأعمال المعاصرة نكاد نكون مخنوقين من الرقابة، هناك الكثير من الأفكار الحياتية اليومية ممنوع التحدث عنها، حتى عندما تتحدث عن حياة شرطي مرور، لأنك ستتحدث عن الأسباب التي تدفعه إلى قبول الرشوة، وبالتالي ستتحدث عن نظام اجتماعي اقتصادي وسياسي وهذا ممنوع. كذلك أي شيء عن الدين - طبعاً بعيداً عن الالحاد - الخيانة الزوجية على رغم أنها أحد عوامل تفسخ المجتمع الشرقي... الخ. في سورية الرقابة أخف ألف مرة من باقي المحطات، لدينا حرية في الكتابة حتى في السياسة وانظر لأعمال دريد لحام وياسر العظمة، هذه الأعمال تعرضها المحطات لاعتقادها بأنها لا تعنيها، أما ان تتحدث عن وضع بلد عربي آخر أو عن عموم الوطن العربي، فهذا ممنوع. ابنتك، روعة السعدي، الممثلة الصغيرة التي تخوض تجارب تمثيلية مهمة، كيف تراها؟ - ضاحكاً، آخر تصريح لروعة قالت فيه "سأمسح كل الممثلات وعلى رأسهم سمر سامي"، سألتها لماذا، أجابت لأنها الأفضل... أرى فيها نموذج الذكاء والثقة والاعتداد بالنفس، صورت دون ان أكون برفقتها مع نجدة أنزور ومحمد عزيزية وحاتم علي. خوفي الحقيقي على روعة أنها تكبر قبل أوانها، لأنها تخالط الفنانين وتحتك بمشاكلهم بحكم وجودها معهم، فيكبر وعيها، وهذا يخيفني، لأني أريدها ان تحيا طفولتها بشكل طبيعي. هي تقول بأنها لن تمثل إلا في أعمالي، وبصعوبة ورجاء وافقت ان تعمل مع حاتم علي، لأن النص ليس لي، وهي تقول إنها ستترك التمثيل عندما تكبر. عموماً هي مجتهدة ومشاكسة في النقاش ولم تعد تهتم ب"تعصيب" المخرج... وأول ما التقت بالمخرج محمد عزيزية قالت له: "لا تعصّب عليّ نهائياً".