السيد أحمد يماني تقاعد من عمله في جامعة الملك عبدالعزيز وانتقل للعيش في مزرعة فواكه ورثها من الوالد تقع في منطقة الشفا ضواحي الطائف. تنتج المزرعة فواكه الرمان والتين والتمور. الهواء النقي والهدوء التام يوفران البيئة الصحية التي حلم بها يماني منذ أيام الدراسة في لندن. والمزرعة مجهزة بخدمات الانترنت، التي تتيح له قراءة الصحف اليومية العربية والانكليزية والتراسل مع أبنائه وأصدقائه داخل وخارج المملكة، ولعب الشطرنج من بعيد مع أصدقاء الجامعة الموزعين حول العالم. واكتشف أخيراً أن شبكة الانترنت تتيح له عرض منتجات مزرعته للبيع في جميع البلدان. رمّان الطائف عندما تصفح الاستاذ المتقاعد أحمد يماني الصحف العربية والانكليزية التي تعرضها الانترنت على كومبيوتره الشخصي انتبه الى خبر يذكر أن جميع السلع السعودية تلقى إقبالاً منقطع النظير في أندونيسيا أكبر بلد مسلم في العالم. وخطر في ذهنه أن أندونيسيا ربما تكون خير سوق لفواكه الطائف التي قد تواجه منافسة كبيرة في الأسواق المحلية إذا دخلت السعودية منظمة التجارة العالمية. احتسى فنجاناً آخر من القهوة العربية وحلّى فمه بثمرة بلح مجففة أحلى من الشوكولاته، فيما كان يرسل عبر جهاز الكومبيوتر الشخصي عرضاً عبر شبكة الانترنت الاسلامية للراغبين في استيراد فواكه الطائف في جاكارتا. عندما فتح يماني جهاز الكومبيوتر صباح اليوم التالي فوجئ بمئات الرسائل في بريده الألكتروني من مختلف مدن العالم يعرض مرسلوها استيراد فواكه الطائف المباركة. وسارع بتحويل الرسائل عبر البريد الألكتروني الى ابنته في الرياض، التي كانت قد تركت عملها بعد الولادة وتفرغت لتربية ابنها البكر. وأرفق مع الرسائل ملاحظة الى ابنته يسألها فيما اذا كانت ترغب في تولى التسويق من منزلها عبر الانترنت مقابل: "نصف الأرباح لحفيدنا أحمد". هذه الواقعة ربما حدثت أمس أو بعد عام أو عامين أو ثلاثة، لكن أدواتها التقنية والتنظيمية متوافرة في السعودية، وفي معظم البلدان العربية. فشبكة الانترنت تتحول بسرعة مدهشة في العالم العربي أيضاً الى أداة للاستخدام اليومي الشخصي والعام. ويذكر السيد سعود صبّان المدير في المصرف الأهلي التجاري في جدة أن "90 في المئة تقريباً من صديقات زوجته يستخدمن الانترنت ويحصلن بواسطتها على أفكار متنوعة لا حد لها وثروة من المعلومات". وفي السعودية، كما في بلدان عربية عدة تحدث النقلة الحاسمة من التقنية "النظيرة" analogue الى الرقمية digital التي تحول المعطيات، سواء كانت سمعية أو مرئية الى أرقام زوجية. ومعها يتم التحول من بدالات الاتصالات عبر الدارات التقليدية circuit switching الى تحويل الرزم packets switching . تتيح هذه التقنية التي أوجدت الانترنت ضغط المعطيات وارسالها في رزم يمكن أن تتوزع عبر أي قنوات متوافرة بلمح البصر لتعود تتجمع في جهاز الكومبيوتر أو الهاتف الذي يتسلم المعطيات على شكل كلام مسموع أو نصوص مقروءة. وقد أدخلت جميع البلدان العربية خدمات الانترنت للجمهور، ويجري العمل بسرعة في بناء الهياكل الارتكازية التكنولوجية والتشريعية للتجارة الألكترونية. ويُعتبر انشاء "الشركة السعودية للاتصالات" العام الماضي خطوة حاسمة في فتح هذا القطاع الحكومي الى الاستثمار الخاص المحلي والخارجي. ويسود الاعتقاد الآن، حسب السيد خالد الملحم المدير المالي ل"الشركة السعودية للاتصالات" أن "أعمال الاتصالات تعمل بشكل أفضل بالمهارات الخاصة التجارية والتقنية والاستثمارية" ما هي التجارة الألكترونية؟ التجارة الألكترونية باختصار هي التجارة التي تجرى كلياً أو جزئياً عبر الانترنت. والانترنت هي الشبكة الألكترونية التي تربط أجهزة الكومبيوتر والهاتف وحتى الراديو والتلفزيون حول العالم. ما ستفعله هذه الشبكة هو موضوع تقرير "الانترنت للتنمية" الذي أصدره حديثاً "الاتحاد الدولي للاتصالات" في جنيف. ويذكر التقرير أن "شبكة الانترنت تستطيع أن تقدم الى البلدان النامية فرصاً فريدة لبيع سلع وخدمات في السوق العالمية". ويطلق على التجارة الألكترونية الاسم المختصر بالانكليزية e-commerce وتسمى أحياناً "التجارة عبر الانترنت"، أو "التجارة عبر خطوط المعلومات الفورية". في البداية كانت التجارة الألكترونية تقتصر على شراء المنتجات التي يمكن تسلّمها عبر الشبكة، كالصحف والمعلومات والموسيقى وبرامج الكومبيوتر، لكن ملايين الناس يشترون اليوم عبر الانترنت عشرات، بل آلاف الأنواع من السلع العينية والخدمات، من الكتب والهدايا الى الملابس وأجهزة وقطع غيار الكومبيوتر والسيارات والزوارق وحتى تأجير وبيع المنازل والفيلات. الجزء الأساسي من الصفقة يتم عبر الانترنت الذي يتيح للشخص حتى التجول من بعيد داخل الفيلا التي ينوي شرائها. وتتسابق الآن مراكز التجارة الألكترونية الدولية في اجتذاب المنتجين والتجار الصغار من جميع البلدان لعرض سلعهم في أسواقها. "أمزون" موقع عالمي للتجارة الأكترونية بالكتب وأشرطة الفيديو والتسجيلات الموسيقية والهدايا افتتح أخيراً مركزاً تجارياً دولياً. يبلغ سعر الايجار الشهري للمتجر في سوق أمزون الألكترونية zShops 9 دولارات و99 سنتاً فقط، ويمكن الدخول الى السوق من موقع "أمزون" Amazon التي تتيح للمستأجرين استخدام أدوات التسويق الخاصة بها، بما في ذلك ما يسمى ب"التسويق العلائقي". ويعني هذا على سبيل المثال أن شخصاً يبحث عن كتاب حول وصفات الطعام السعودية يعثر في الموقع التجاري نفسه على ذكر لمزرعة أحمد يماني في الطائف التي تنتج منتجات زراعية سعودية للتصدير. وخفقة إصبع على موقع مزرعة يماني في الانترنت تفتح للباحث موقع المزرعة، حيث يمكنه الاطلاع على المنتجات المتوافرة وأسعارها واجراءات الدفع، ويتبادل الرسائل الفورية مع مسؤولي المزرعة ويقوم حتى بتحويل المبالغ ألكترونياً. بل تتوافر التقنيات التي تتيح التجول داخل المزرعة عبر كامرات فيديو من دون أن يغادر المشتري مكتبه في جاكارتا مثلاً. اللاعب الأساسي في التجارة الألكترونية لن تكون الشركات بل الأفراد. يذكر ذلك البروفيسور توماس مالون استاذ أنظمة المعلومات في كلية الادارة في "معهد مساشوستس للتكنولوجيا" في بوسطن. "تمشية الامور في التجارة الألكترونية لن تكون حصراً على سلسلة إدارية ثابتة تتحكم بها كما هو الآن، بل يقوم بها مقاولون مستقلون ذاتيا". ويطلق توماس مالون على المقاول الألكتروني اسم "الرمّاح الألكتروني" e-lancer ويتوقع أن يلعب "الرمّاحون الألكترونيون" دوراً حاسماً في القرن 21، مماثلاً للدور الذي لعبه الصناعيون في القرن العشرين. و"إذا حدث ذلك فان الأعمال والمجتمعات ستتغير الى الأبد". وفي فرنسا تقود شركة الاتصالات الفرنسية "فرانس تيليكوم" بنفسها هذا الاتجاه وتقوم بتجهيز الشركات الصغيرة بمستلزمات الانترنت. يطلق على هذه المستلزمات اسم Wanadoo Pro، وتقدم للشركات الصغيرة الراغبة في التجارة الألكترونية رزمة خدمات تتضمن موقعاً في الشبكة واقتناء أسماء للمواقع والتسجيل في آلة البحث الفرنسية في الانترنت المعروفة باسم Viola com. وعلى صعيد القارة الأوروبية أقرّت الهيئة الأوروبية بضرورة إحداث تعديلات في قوة العمل وتغييرات في التعليم على جميع المستويات وإعادة النظر في مفهوم التنافس الأقليمي. وعرضت الهيئة في تقريرها حول استراتيجيات التجارة الألكترونية في الشبكات الدولية تفاصيل التغيرات الثقافية المطلوب إحداثها وراجعت على ضوئها توصيف دور الدولة وحددت المقاربة العالمية للسياسات التشريعية والادارية. هل تهدد شبكة الانترنت الهوية الثقافية الوطنية؟ هذا هو السؤال الذي يشغل بال الأوروبيين الذي يخشون هيمنة الثقافة الأنكلوسكسونية على الانترنت، والجواب عن السؤال "لا" في تقدير مارتن بانغرمان المفوض السابق للوحدة الأوروبية المسؤول عن وضع اتجاهات السياسات الأوروبية في التجارة الألكترونية. فالناس، في رأيه لا يفقدون هويتهم الثقافية عند المشاركة في نظام عالمي "بل عليهم معرفة أن الثقافة تموت إذا كانت حانوتاً مغلقاً" ويلعب القانون المفارق حول "امتياز التأخر" دوراً في فرص دخول البلدان النامية عصر المعلومات. فخلافاً للتصورات السائدة يتيح الانترنت للبلدان النامية فرصة القفز الى المجتمع ما بعد الصناعي بكلفة زهيدة تماما. هذا هو رأي السيد حمدون توريه، مدير دائرة التنمية في "الاتحاد الدولي للاتصالات"، الذي يعتقد بأن من الأسهل على البلدان النامية، التي تفتقر الى تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات التقليدية البدء من الصفر من دون المرور بمرحلة انتقالية من التكنولوجيا القديمة الى الجديدة. ويشير توريه، وهو من دولة مالي الى قصص النجاح والقفزات المثيرة التي حققتها بلدان أفريقية كجنوب أفريقيا والسنغال وغانا. وتكمن المفارقة أن البلدان الوحيدة التي تملك حالياً شبكات اتصالات رقمية بالكامل هي بلدان نامية، كالبحرين وبوتسوانا، اللتين تتوافر فيهما الشبكات الرقمية الضرورية للتجارة الألكترونية بمعدلات أعلى مما في بريطانيا. ويؤكد بن بترازيني المحلل السياسي في "الاتحاد الدولي للاتصالات" أن خدمات الاتصالات لا يمكن أن تكون كبيرة الكلفة، أو عسيرة المنال. ويقول بترازيني: "إذا لم تكن عندك اتصالات معقولة وأسعار مقبولة فإنك خارج اللعبة". و"اللعبة اليوم هي التجارة الألكترونية. فهي تعني فرصاً جديدة للبلدان النامية، لأنها لا تستدعي قدراً كبيراً من االنفاق الرأسمالي... ويمكن لك أن تقيم صناعة لتطوير برامج الكومبيوتر سوفت وير ومعالجة المعطيات ومراكز مناداة وفرص خدماتية. ينبغي طبعاً الى جانب ذلك توفير الأشياء الاخرى كالتعليم وتدريب المهارات". هذا هو قانون اللعبة بالنسبة للبلدان النامية التي تحتاج قبل كل شيء إلى تقنيين قادرين على مد الخدمات وتحديث هياكلها الارتكازية، وتحتاج الى قطاع من رجال الأعمال المتعلمين وقاعدة استهلاكية متعلمة. فالتعليم يعني أكثر من مجرد كيفية استخدام الكومبيوتر، بل يعني كيف يمكن استخدام تكنولوجيا المعلومات كرافعة للأعمال. ولمساعدة البلدان النامية في تحقيق ذلك أقام "الاتحاد الدولي للاتصالات" 4 مراكز لإعداد موظفي الدولة وتدريبهم على المسائل المتعلقة بإدارة وتنظيم شبكات الاتصالات الجديدة. اقيم اثنان من هذه المراكز التي يمولها الاتحاد في أفريقيا وواحد في كل من أميركا الجنوبية ومنطقة المحيط الهادي الآسيوية. موقع "الاتحاد الدولي للاتصالات" في الشبكة العالمية: www..itu.int موقع أمزون في الشبكة العالمية: www. amazon.com