خلال السنوات الأولى من القرن المقبل ستحل "جادة المرور السريع" الألكترونية الممتدة عبر الأسلاك النحاسية فائقة السرعة والألياف الضوئية محل طرق التجارة الدولية الحالية البرية والبحرية والسكك الحديد. وسيُولى الاعتبار الأول في عصر التجارة الجديد على خطوط المعلومات الفورية للمسائل المتعلقة بأمن وموثوقية الشبكات المستخدمة في عقد الصفقات التجارية. وسيحتاج رجال الأعمال الى الثقة بقدرة هذه الأنظمة التي ستعتمد عليها بشكل مطلق عملياتهم الأساسية والمالية. فيما سيحتاج الزبائن خلال تجوالهم في مواقع شبكة "الويب"، التي تخدم كحوانيت افتراضية الى الشعور بالراحة نفسها التي يشعرون بها وهم يتفرجون على واجهات الحوانيت التي تميّزت بها الأسواق خلال معظم سنوات هذا القرن. وأخيراً فإن ثقة المستخدم بأمنية المدفوعات الرقمية والحفاظ على سرية المعلومات الشخصية والتجارية ينبغي أن تكون في مستوى عالٍ من الثقة مماثل لمستوى الأنظمة القديمة التي نتعامل بواسطتها الآن. ويتطلب التطور الناجح للتجارة الألكترونية حل مسائل عدة، بما في ذلك السرية والأمنية والتوقيع الألكتروني والتثبت من الوثائق أو حقوق المستهلكين. ومن أهم القضايا التي يوليها "الاتحاد الدولي للاتصالات" الاهتمام موضوع التثبت، الذي يشمل التواقيع الألكترونية والتصاريح والاعتراف المتبادل عبر حدود التصديقات الرقمية. وقد استُثمر قدر هائل من العمل في تطوير المباينات interfaces التقنية، التي ستلعب دوراً أساسياً في تقبل الجمهور للتجارة الألكترونية. وتضع توجيهات "الاتحاد الدولي للاتصالات" في هذا الصدد أسس جميع التصديقات الرقمية وأنظمة التصاريح، وتضمن موثوقية التواقيع الألكترونية، التي تحمي السرية الشخصية للمعلومات المارة عبر الشبكات العامة. ويلعب عدد كبير من مقاييس الاتحاد دوراً أساسياً في التعمية encoding والتشفير الرقمي والتصديقات السمعية البصرية والمراسلات المغلّفة المؤمّنة. لكن حتى مع وجود هذه القياسات التقنية تظل هناك مشاكل إدارة وضبط مهمة تهدد بتعطيل الصعود السريع للتجارة الألكترونية على الصعيد الدولي. ففي نطاق التصاريح الرقمية على سبيل المثال تتوفر أنظمة على الصعيد الوطني. مع ذلك فهناك نقص حالياً في التعليمات الواضحة للصفقات التي تتم عبر الحدود الدولية. وتم في بعض التعاملات تقليص هذه المشكلة عن طريق اتفاقات محددة بين المشترين والبائعين. يبيع الباعة مثلاً على الخطوط الفورية سلعهم عبر معاملات مغلقة الجانبين، حيث يحدد البائعون النقاط والشروط التي قد يشتري المشتري بموجبها البضائع. ويدفع المشتري مستخدماً بطاقات مصرفية تتضمن النقاط والشروط التي تحدد الدفع للبائع. مع ذلك فإن هذا النوع من النظام لن يكون عملياً بالنسبة لكثير من الصفقات التجارية على الخطوط الفورية في المستقبل التي تشمل نسقاً مفتوح الطرفين، كتوقيع وثيقة إيجار، أو عقد عبر الانترنت. ولن يكون عملياً أيضاً بالنسبة للصفقات التجارية المتضمنة مدفوعات مباشرة بالنقد الرقمي وليس بالبطاقات المصرفية. في هذه المواقف ليس هناك وضوح حالياً فيما يخص حقوق والتزامات التجار والدول ذات السيادة. هل تُلزم الدول باحترام اجراءات التوثيقات الألكترونية الصادرة عن الدول الاخرى إذا كانت لا تتماشى مع اجراءاتها هي؟ وكيف يمكن حل الخلافات الدولية التي تتعلق بالمبيعات على الانترنت؟ لا يوجد حالياً سوى 10 بلدان تملك قوانين للمصادقات الألكترونية والتواقيع وغير ذلك من أدوات التوثيق، وبعضها لا يعالج موضوع المصادقات الأجنبية. وفي حين تقوم حالياً دول ومنظمات إقليمية كالاتحاد الأوروبي بتحديد اطار العمل لتنظيم التجارة الدولية عبر "الشبكة". فهناك ضرورة عاجلة في ايجاد انسجام دولي في الآليات التي تؤمن سلامة وأمن التجارة العالمية عبر الحدود الدولية. ويملك "الاتحاد الدولي للاتصالات" خبرة 135 عاماً للعمل كمنظمة محايدة في تطوير الهياكل الارتكازية للاتصالات العالمية، ويعتبر المنتدى النموذجي لصياغة حلول عملية مقبولة دولياً للمشكلة الضاغطة التي تطرحها تصديقات التجارة الألكترونية الدولية. ومن أجل التوصل الى اجماع دولي على أطر عمل الهياكل الارتكازية للتجارة الخارجية في المستقبل أنشأ "الاتحاد الدولي للاتصالات" مجموعة خاصة تضم خبراء مرموقين يمثلون الحكومات والقطاع الخاص، بما في ذلك مؤسسات الاتصالات ومطوري البرامج والعاملين في التجارة الألكترونية وكذلك خبراء من ادارات الاتصالات والوسط الجامعي. ستدرس المجموعة التي ستجتمع في جنيف في كانون أول ديسمبر المقبل هذه المسائل وتحاول تطوير مقترحات لمقاربة دولية لمسائل التثبت في شبكات الاتصالات العامة. والمؤمل أن يخرج الاجتماع بنظام ينشر منفذاً مجانياً ومفتوحاً للتجارة الألكترونية في الشبكات الألكترونية ويضمن قيام طرق التجارة الجديدة بعملها بسماحة وموثوقية ومساواة لما فيه منفعة جميع المجتمعات حول العالم. * الأمين العام للاتحاد الدولي للمواصلات