عرف المجتمع الانساني العنف الاسري منذ قتل قابيل أخاه هابيل. وقد أفادت القصص النابعة من التاريخ أن أغلب المجتمعات عرفت إساءة معاملة الاطفال، إلا أن مشكلة الضرب المبرح للطفل وإيذاء الزوجة لا سيما الضرب لم يشغلا الرأي العام إلا في العقود الثلاثة الأخيرة. وتشير دراسة أعدتها استاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتورة إجلال اسماعيل حلمي عنوانها "العنف الأسري" وصدرت عن دار قباء، الى أن الأسرة التي يسودها العنف تتسم بخصائص بنائية محددة، تتمثل في انخفاض مستوى التفاعل الزوجي، وزيادة الضغوط والصراعات الزوجية، وكلاهما يرتبط بافتقاد السعادة الزوجية، إذ يميل الأزواج والزوجات في الزيجات غير السعيدة الى إلقاء اللوم على الطرف الآخر من خلال الشكوى المستمرة والنقد، ويقلل كل منهما من شأن الآخر. ورغم أن الضغوط الزوجية قد تنتج عن صعوبات اقتصادية، أو عدم الاستقرار في العمل، وانخفاض الدخل وغيرها من العوامل المادية التي يمكن أن تؤدي مباشرة الى إلحاق الأذى بالزوجة والابناء، إلا أن الضغوط الاقتصادية والعلاقات الزوجية الضعيفة تعجل بنشوب الخلافات داخل الاسرة، ما يؤدي الى العنف. وتذكر الدراسة أنه رغم أن الأطفال هم مصدر السعادة للآباء والأمهات، إلا أنهم أيضاً مصدر للصراع، إذ يفتقد الكثير من هؤلاء الى المرونة في التعامل مع ابنائهم في مرحلتي الطفولة والمراهقة. كما توجد علاقة ايجابية بين زيادة عدد الاطفال في الاسرة وبين مظاهر العنف المختلفة، بدءاً من العدوان اللفظي، مروراً بالاهانة والتهديد وانتهاءً بالإيذاء البدني بمختلف درجاته. وأشارت الدراسة أيضاً الى متغيرات وسيطة بين المكانة الاقتصادية والاجتماعية أو المصادر المتاحة لدى الزوج وبين إيذاء الزوجة، وهي عوامل تؤثر في جوانب أخرى في العلاقة الزوجية والأسرية. فذكرت أمثلة لأزواج شباب في بداية حياتهم الزوجية يكونون أكثر معاناة من شعورهم بعدم الأمان المادي، الأمر الذي ينعكس على المكانة الاجتماعية والاقتصادية للزوجين، وما يزيد من التوتر الذي تعانيه الزوجات، كما يؤثر في نوعية العلاقات بين أفراد الأسرة. وأكدت الدراسة أن الاطفال الذين يتعرضون للأذى في صغرهم يشبون ابناء وازواجاً ممارسين للعنف أكثر من الاطفال الذين يتعرضون للقليل من العنف أو لا يتعرضون له. وأن الاطفال الفقراء هم أكثر تعرضاً للعقاب والتأديب البدني، وان استمرار الفقر يرتبط بمخاطر تكرار العنف الجسدي. وهذه البيانات تدعم النظريات التي تفترض ان الظروف الاقتصادية العامة تؤثر على الاطفال. وتنتقل الدراسة الى تحليل لواقع العنف الأسري الذي نعتبره من خصوصيات المجتمع المصري، وجزءاً من المعايير الاجتماعية، ويستخدم لتأديب وتهذيب الابناء في غالب الاحيان، كما كان يستخدم لتأديب الزوجة التي تخرج عن طاعة زوجها. وقد يوجد العنف بين الاخوة والاخوات أو ابناء العمومة بسبب توزيع الميراث. أما جرائم القتل الأسري فتتمثل في ظاهرة الثأر في صعيد مصر أو للدفاع عن الشرف. والاحصاءات والبيانات الرسمية عن العنف الأسري متناقضة، إذ يتم التراجع عن البلاغات الرسمية حماية لمكانة الأسرة. كما أن المستشفيات والعيادات والمدارس لا تسجل حالات الإساءة أو الإهمال أو الضرب، سواء للابناء أو الزوجات، إلا إذا دخل العنف في إطار التجريم. ولكن ما هي أهم قضايا العنف الأسري في مصر؟ تجيب الدراسة، أنه رغم عدم وجود دراسات مسحية للعنف الأسري بجميع أنماطه وأشكاله على عينة ممثلة للمجتمع المصري، الا أن هناك دراسات وابحاثاً ميدانية عدة استخلصت أهم قضايا العنف الأسري في مصر. وتتمثل القضية الأولى في العنف المتبادل بين الآباء والابناء. فرغم مظاهر العنف التي نشاهدها في الحياة اليومية، ورغم ما تطالعنا به وسائل الإعلام المختلفة، إلا أن أكثر ما يصدمنا هو قتل ابن لأحد والديه أو كليهما أو ولي الأمر سواء كان العم أو الجد أو زوج الأم، وهذا السلوك لم يكن شائعاً، إلا أن البيانات توضح أنه اصبح حدثاً متكرراً. والخطر يأتي من الاطفال الذين يعانون الإهمال وسوء المعاملة، كما أن إساءة الوالدين للطفل بأشكالها المتعددة من الضرب البدني وتشغيله في اعمال لاتليق به ولا تتناسب مع قدراته أو تسخيره لأعمال الجريمة والسرقة والتسول، تولد لدى الطفل شعوراً بالظلم والحقد على المجتمع، وتنمي في داخله روح الانتقام من الآخرين. وابناء الاميين اكثر عدوانية من ابناء ذوي المؤهلات المتوسطة والعليا، كما أن سلوك العنف بين الاطفال والشباب يرجع الى الواقع الاجتماعي الذي يحيط بهم بالاضافة الى صراع الاجيال. ولا ننسى نصيب الامهات من الاعتداء اللفظي والبدني على ابنائهن، لا سيما الذكور، وهذا يدفع الابناء الى سلوك العنف. ويتعرض الاطفال للايذاء الجنسي الذي يتم غالباً بواسطة شخص معروف من الطفل، وقد يكون أحد أفراد اسرته ويدخل ذلك في اطار اغتصاب المحارم وهي مشكلة بدأت تنتشر في مصر. وتعتبر الدراسة ان العنف ليس فقط نتاجاً لتدهور القيمة الاسرية، "بل هو نتاج لعملية التنشئة الاجتماعية التي يمارسها المجتمع على أفراده، إذ أن السلوك العدواني للاطفال والشباب يرجع الى عدم اشراكهم في صنع القرار، والتناقض الإعلامي، وانعدام التثقيف الديني". أما القضية الثانية من قضايا العنف الاسري فتتمثل، بحسب الدراسة، في العنف المتبادل بين الازواج والزوجات. تشير دراسة صادرة عن المجلس القومي للسكان العام 1996 وطبقت على سبعة آلاف زوجة في الريف والمدن، الى أن 35 في المئة من المصريات المتزوجات تعرضن للضرب من قبل أزواجهن مرة واحدة على الاقل، دون ان يحمي الحمل المرأة من العنف، وأن 69 في المئة من هذه النسبة يتعرضن للضرب في حال رفضهن المعاشرة الزوجية، وبالنسبة نفسها تتعرض للضرب في حالة الرد على الزوج بأسلوب لم يعجبه، كما تبين أن المرأة الريفية تتعرض للضرب أكثر من المرأة في المدن. وتعد الغيرة والخيانة الزوجية من العوامل المسببة لقتل الآخر دون أن يفكر القاتل أو القاتلة في الحل عن طريق الطلاق. وتخلق الظروف الاقتصادية المتأزمة، وما ينتج عنها من تداعيات اجتماعية سلبية، البيئة المناسبة لنمو الافعال العنيفة والعدوانية بين أفراد الأسرة الواحدة. فقد تلجأ المرأة للشجار مع زوجها نتيجة لعدم كفاية الدخل. لكن عنف الزوجة تجاه زوجها يلاحظ ارتباطه بالجو الاجتماعي والنفسي الذي تعيشه الزوجة والذي يتسم بالظلم الاجتماعي لها، وبالنظرة المتدنية لامكاناتها العقلية والمادية، ما ينمي لديها قيماً سلبية تجاه زوجها واسرتها. وقد تندفع في علاقة غير مشروعة مع أحد الذكور المحيطين بها، وقد تشركه معها في التخلص من الزوج.