قال باحثو مركز رؤية للدراسات الاجتماعية: إن المقابلات التي أجريت مع ضحايا العنف من الزوجات كشفت عن أنهن تعرضن لكل أنواع العنف تقريباً. ويعد العنف الجسدي والعنف اللفظي من أكثر أنواع العنف التي تمارس على الزوجات شيوعاً. فقد ذكر ما نسبته 83٪ من المبحوثات أنهن تعرضن للعنف البدني بأشكاله المختلفة، مثل الركل بالأرجل والصفع على الوجه بالأيدي والضرب باستخدام العقال والنعال والعصي والأسلاك وخراطيم أنابيب الغاز. وتذكر بعض الحالات أنهن تعرضن للضرب بأدوات صلبة كالحديد، وطفايات السجائر، وزاد من يمارس العنف عليهن الأمر سوءًا بحرقهن بالسجائر وجذبهن من شعورهن لضرب رؤوسهن في الأرض. وتوضح الحالات موضوع المقابلة بأن العنف الجسدي الذي كان يمارس عليهن غالباً ما كان يسفر عنه جروح وكدمات انتهت ببعضهن إلى دخول المستشفيات للعلاج فترات زمنية متفاوتة. وغالباً ما يترافق العنف الجسدي مع العنف اللفظي، فمن يضرب المرأة يسبها في الوقت نفسه بأقذع الألفاظ وقد يبصق عليها إمعاناً في إهانتها كما قررت بعضهن. ولا يوجه السب للضحية فحسب وإنما قد يشمل أباها وأمها وكل من تحبهم من أقاربها؟، حيث يكون الهدف من ذلك هو إذلالها والنيل من مشاعرها تجاه من يمثلون لها نموذجاً مثالياً يحتذى به في الحياة وهذا ما كشفت عنه الحالات موضوع الدراسة. وقد كشفت المقابلات التي أجريت مع المعنفات عن أن النوع الثالث من أنواع العنف الذي تتعرض له الزوجات هو العنف الاقتصادي وقد تعرضت له ما نسبته 30٪ منهن. وأبرز أشكاله أن يستولي الزوج على راتب زوجته وإذا امتنعت عن إعطاء دخلها له منعها من الذهاب إلى العمل. وقد تتعرض لأشكال أخرى من الإيذاء، فقد ذكرت إحدى الحالات أنها عندما اعترضت على استيلاء زوجها على راتبها أحرق لها أمتعتها الشخصية عقاباً لها على ذلك وطردها خارج المنْزل. ومن أنواع العنف الأخرى الذي يُمارس على الزوجات، العنف النفسي ومن أشكاله أن يمنع الزوج زوجته من رؤية أمها وأبيها أو أن يفاخر أمام زوجته بمغامراته النسائية. ومن أكثر هذه الأشكال إيلاماً لنفس المرأة تحرش زوجها بإحدى بناته جنسياً، كما ذكرت إحدى الحالات وخاصة عندما يكون في حالة من السكر الشديد أو تحت تأثير المخدر. وأقل أنواع العنف انتشاراً بين الزوجات هو العنف الجنسي، وإن كان علينا أن نتنبه إلى أن الحديث عن هذا النوع من العنف من جانب المرأة يخدش حياءها ولذلك قليلاً ما تحدثت عنه إحداهن. ومن أشكال العنف الجنسي الذي أشارت إليه 13٪ من المبحوثات إكراه أزواجهن لهن على المعاشرة الجنسية بالرغم مما قد تعانيه إحداهن من مرض أو إرهاق بدني. وشكت إحدى الزوجات من أن زوجها يحض بناتهن على البغاء للحصول على المال الذي ينفقه في شراء المخدرات. من يمارس العنف أوضح باحثو مركز «رؤية» أن المقابلات التي أجريت مع المعنفات أظهرت أن 93٪ منهن قد أشرن إلى أن العنف على الزوجة في محيط الأسرة يمارس من جانب الأزواج، وقد يساعدهم في بعض الأحيان الآباء أو الإخوة الذكور ولم تشر سوى حالات قليلة إلى أن العنف كان يقع من جانب إخوة أو أخوات الزوج، في الوقت الذي كان فيه الزوج سلبياً لا يفعل شيئاً حيال تصرف إخوته أو كان يقع من أم الزوج التي تسيطر على الأسرة. تجدر الإشارة إلى أن صغر سن الزوجة هو الذي يغري أهل الزوج بممارسة العنف عليها بدعوى تأديبها وتزداد هذه الممارسات كلما كان موقف الزوج ضعيفاً كأن يعتمد على أهله في تدبير نفقات بيته أو كأن يعيش مع أهله في منْزل واحد تدير شؤونه أم الزوج. ومن الحالات المثيرة للاستبصار ما أشارت إليه إحدى الحالات من أن الخادمة المدللة لدى الزوج كانت تقوم بتحريضه على ضرب زوجته وتقف الخادمة لتستمتع بمشهد الزوجة وهي تتألم. وتوضح المقابلات أيضاً أن الإخوة الذكور يمارسون العنف على أخواتهم المطلقات بموافقة الأب بالدرجة الأولى وقد يقوم هو نفسه بتحريضهم على هذا العمل ومراقبة ما يقومون به من ممارسات. فقد أشار ما نسبته 27٪ من اللاتي أجريت معهن المقابلات وهن من المطلقات أنهن رغم طلاقهن إلا أنهن قد يتعرضن لممارسة العنف عليهن من أزواجهن السابقين وخاصة عند المطالبة بالنفقة لأبنائهن، هذا فضلاً عما يتعرضن له من عنف من الآباء والإخوة أو الأم حيث ينظر كل هؤلاء إلى المطلقة على أنها عبء عليهم وأن مكانها الأساسي كان منْزلها مع زوجها، بل وقد يتهمونها بأنها هي التي خرّبت بيتها بأيديها نتيجة سوء معاملتها لزوجها. أسباب ممارسة العنف ويتبين من الحالات التي أجريت معها المقابلات أن هناك أسباباً متعددة لتعرض الزوجات للعنف داخل الأسرة. فإذا تأخرت الزوجة عن الأوقات المحددة لها للعودة من عملها فإنها تتعرض للعقاب البدني وللعنف اللفظي. ويعد خروج المرأة من المنْزل بدون إذن الزوج عند 67٪ من الزوجات أبرز الأسباب التي تعرضها لممارسة العنف عليها. وإذا كان هذا النوع من المخالفات قد يبرر العنف الذي تواجهه المرأة لخروجها على معايير المجتمع التي تقضي بأن تستأذن في الخروج من المنْزل، إلا أن بعض المبحوثات أشرن إلى وجود مبررات غير معقولة لممارسة العنف عليهن؛ من ذلك أن إحداهن تعرضت للضرب والركل والتهديد بالقتل لأنها رفضت أن تعيش مع زوجها المتخلف عقلياً والعاجز جنسياً وذلك من أبيها ومن زوجته. وذكرت بعضهن أن المرأة منهن تتعرض للضرب عندما يتعاطى زوجها المخدرات، ويفقد وعيه فيبدأ في إهانتها وسبها وينتهي الأمر بالاعتداء عليها. وتعزو بعض المبحوثات أسباب الاعتداء عليهن إلى جهل أزواجهن أو لمرضهم النفسي أو لضعف شخصيتهم، وهي أسباب في جملتها تشير إلى حزمة من العوامل التي تفجر العنف ضد الإناث بصفة مستمرة. وهناك من يفسرن ممارسة العنف عليهن بضعف الوازع الديني لدى أزواجهن، فالدين يحض على حسن معاملة النساء فما بالنا بالزوجات. ومن أسباب العنف التي أشارت إليها 40٪ من الحالات تكمن في الرغبة الملحة لدى كثير من الرجال في إثبات رجولتهم وسلطتهم وعدم وجود آليات لدى المجتمع للحد من استبدادهم وعقابهم على ما يمارسونه من إساءات توجه ضد النساء. ومن الملاحظ أن رغبة المرأة في الاستقلال عن أسرة زوجها أو عن أسرتها والعيش في حياة مستقلة تعد سبباً من أسباب تعرضها للعنف من جانب الزوج أو الأب أو منهما معاً. وقد رأت إحدى المبحوثات أن تسامح المرأة وخضوعها لسيطرة الزوج يعد سبباً مهماً من أسباب ممارسته العنف عليها، حيث لا يتوقع رد فعل شديد لمواجهة سلوكه العنيف سواء من جانب الزوجة أو من جانب أسرتها. وتروي أخرى أن تسامحها مع زوجة أخيها وخدمتها وخدمة أولادها جعل أخاها يرى في التقاعس عن القيام بتلك الخدمة سبباً لضرب أخته بالرغم من أنها متزوجة، ولكنها تعيش في مسكن واحد مع أخيها نظراً لضعف إمكانيات زوجها وعدم قدرته على السكن في مسكن مستقل. أين تلجأ عندما تتعرض للعنف؟ وتوضح المقابلات التي أجريت مع المبحوثات أن 87٪ من المعنفات لم تلجأ إحداهن إلى الشرطة مباشرة لطلب المساعدة وحمايتها من العنف الذي تتعرض له، ولكنه غالباً ما تلجأ إلى أهلها أو إلى أهل زوجها إذا كانت تتوقع أن تجد لديهم نوعاً من الإنصاف. ويتوقف تحديد الجهة التي تلجأ إليها المرأة عندما تتعرض للعنف على مدى وعيها بنوع المساعدة التي يمكن أن تتلقاها. وقد عبرت إحدى الحالات عن ذلك بقولها: «في صغري لم ألجأ إلى أحد لأني ما كنت أعرف حقوقي». بعبارة أخرى، إن لجوء الضحية إلى الأهل أو إلى غيرهم لطلب المساعدة مرهون بقدرتها على عرض قضيتها على الجهة التي تطلب تدخلها، فإذا كانت لا تجيد الجدل والنقاش وتوضيح مطالبها فإنها تحجم عن طلب العون من الآخرين. وقد يؤدي شعور الضحية بالإحباط وعدم توقع التعاطف معها من جانب الأهل سواء أهلها أم أهل الزوج، فإنها تتحمل نتائج العنف دون أن تخبر أحداً. ومن الواضح من آراء المبحوثات أن اللجوء إلى الجهات الرسمية كالشرطة وأجهزة التحقيق يظل آخر ما يمكن أن تقوم به المرأة من إجراءات. وعادة ما تتحاشى هذا السبيل لما فيه من نيل من زوجها أو من أبيها أو أخيها وإساءة لسمعتهم ولما قد يترتب على مثل هذا السلوك من نتائج قانونية ومسؤولية قد تقع على من قام بممارسة العنف على الضحية. وتروي ثلاث حالات أجريت معهن مقابلات أنهن قد تعرضن للإيذاء البدني الشديد إلى حد اقتضى الأمر معه أن يرسلن إلى المستشفيات لتحديد نوعية الإصابات التي لحقت بهن، وقد تم هذا الإجراء بواسطة الشرطة. وتوضح حالة أخرى أنها لجأت إلى منظمة حقوق الإنسان عن طريق الاتصال الهاتفي ثم أحيلت إلى إدارة الحماية الاجتماعية - كتب الإشراف الاجتماعي -، ويمكن القول: إن تدخل الأجهزة الرسمية كالشرطة وغير الرسمية كمنظمة حقوق الإنسان لا يتحقق إلا إذا بلغ العنف البدني درجة خطيرة مما قد يهدد حياة الضحية التي تتعرض له. نوع المساعدات وبالنسبة لنوع المساعدات التي تقدم لضحايا العنف، يتضح من المقابلات أنها تأخذ أشكالاً تتباين بحسب درجة العنف الذي تم ممارسته على الضحية وبحسب النتائج الذي ترتبت عليه. وبوجه عام، تأخذ المساعدات شكل وساطات يقوم بها أهل المرأة التي تعرضت للعنف أو أهل الرجل الذي مارس عليها العنف. وترمي هذه الوساطات إلى إقناع الضحية بالتنازل عن حقها في مساءلة من مارس عليها العنف والتأكيد لها على أن ذلك السلوك قد صدر بحقها عن غير قصد أو بحسن نية، وغالباً ما ينتهي الموقف عند هذا الحد كما أوضحت إحدى الحالات بقولها: «إن موضوع العنف داخل الأسرة موضوع حساس ولذلك لا يطرح للمناقشة حفاظاً على المكانة الاجتماعية للأسرة». ويتبين من المقابلات أن هناك حالات ممن تعرضن لإصابات بالغة من جراء العنف الذي تم ممارسته عليهن قد تلقين شكلاً آخر من أشكال المساعدات مثل الإيواء في سكن جمعية النهضة كملاذ آمن للمرأة وتقديم المساعدات العينية للأطفال إذا صحبتهم معها إلى الجمعية. وتذهب إحدى الحالات إلى أن الجمعية تولت عنها مهمة مقاضاة الزوج ورفع الأمر للمحكمة لتحكم بطلاقها. وتشير حالة أخرى إلى أن الشرطة أخذت على الزوج تعهداً بعدم التعرض لها ثم عهدت بها إلى إدارة الحماية الاجتماعية التي قامت بنقل أطفالها إلى مدارس أخرى غير التي كانوا يدرسون بها لكي يبقوا تحت إشراف أمهم. ويتبين من جملة الحالات التي أجريت معها المقابلات أن صمت المرأة التي تتعرض للعنف وخشيتها من أن يؤدي تدخل أهلها إلى طلاقها يعد أحد الأسباب الجوهرية لاستمرار الزوج في إساءة معاملة زوجته. كما أن عدم وجود آليات لردع الزوج عن إيذاء زوجته على حد تعبير إحدى الحالات لا يزجره عن ممارسة اعتداءاته على زوجته. هذا فضلاً عن أن الآباء الذين يؤذون بناتهم بدنياً وإن كن متزوجات لا يجدون من ينهاهم عن ذلك، لأن المجتمع يرى أن الأب له حرية التصرف في أولاده على النحو الذي يراه دون أي مساءلة من أحد. آثار العنف وفيما يتعلق بما وقع على ضحايا العنف من آثار، فقد ذكرت الحالات التي أجريت معها المقابلات أن هناك عدداً كبيراً من الآثار المتنوعة التي خلفتها ممارسات العنف التي تعرضن لها. ويمكن تصنيف آثار العنف إلى عدة أنواع منها ما هو اجتماعي وصحي ومنها ما هو نفسي واقتصادي. وعلى المستوى الاجتماعي أشارت ثلاث حالات إلى أن العنف الذي كانت تتعرض له كل منهن نتج عنه تشتت أفراد الأسرة وتدهور العلاقات فيما بينهم وعمت مشاعر الكراهية والحقد محيطهم العائلي، فالقسوة التي مارسها الزوج على زوجته وهو ابن عمها أسفرت علن شقاق بين والد الزوجة ووالد الزوج وهما أخوان وبذلك تمزقت أواصر العائلة الواحدة. وذكرت حالة أخرى أن تعرضها للعنف أمام أولادها أدى إلى كراهيتهم لأبيهم وهرب واحد منهم خارج المنْزل وتمزقت الأسرة بسبب انقسام أفرادها ما بين موالين للأب ومعارضين له. وتشير الحالة الثالثة إلى أن ممارسة العنف عليها أفقدها قدرتها على التعامل مع أقاربها حيث أصبحت تميل إلى العزلة والخجل من مقابلتهم. ومن الناحية الصحية تشكو جميع الزوجات التي أجريت معها المقابلات من آلام متنوعة فقد أصابت بعضهن كسور في عظامهن وبعضهن الآخر أصابتهن حروق هذا فضلاً عن الجروح والكدمات وغير ذلك من الإصابات البدنية والشعور بالضعف الشديد وارتفاع ضغط الدم. وبالنسبة للأثر النفسي فهو يتمثل في القلق المتزايد من المستقبل والذي تعاني منه الضحايا والخوف من تقوية الارتباط بالزوج والإنجاب منه، هذا فضلاً عن الشعور بالاكتئاب والمعاناة من الانهيار العصبي. ومن الناحية الاقتصادية فقد تأثرت الأوضاع الوظيفية لثلاث من الحالات بسبب ما تعرضن له من إيذاء بدني لم يستطعن معه الذهاب إلى العمل ومواجهة زميلاتهن اللاتي علمن بما تعرضن له من عنف من أزواجهن.