أفلام الشباب المستقلين أعادت الروح إلى السينما اليابانية مجدداً، وأعادت السينما اليابانية الى المهرجانات الدولية وجوائزها. من بين أحدث هذه النماذج فيلم "أوكائيري" للمخرج الشاب شينوزاكي ماكاتو الذي حصد العام الماضي جوائز عدة من مهرجانات أوروبية مختلفة ويعرض حتى الآن في العديد من صالات أوروبا آخرها باريس وجنيف. من بينها أيضاً فيلم "الأم" لنوبو هيرو سوا الذي شارك ببرنامج نصف شهر المخرجين في مهرجان "كان" الأخير، الى جانب الفيلم المهم على مدار العامين الماضيين "لنرقص معاً"، للمخرج ماسايوكي سواو الذي لاقى نجاحاً كبيراً داخل اليابان وخارجها وخصوصاً في الولاياتالمتحدة، حتى أن شركة ميراماكس للانتاج بصدد صنع نسخة اميركية من الفيلم يقوم ببطولتها توم هانكس. كان هذا النجاح الذي حققه الشباب حافزاً وجيهاً لكي يفيق كبار مخرجي السينما اليابانية من سباتهم ويبدأوا العمل مجدداً بعد فترات انقطاع طويلة، فقدم أوباياش نوبو هيكو هذا العام فيلم "أيام الصيف هذه"، أما تاكاهاتا إيساو المتخصص في إخراج افلام الكارتون الطويلة التي لها قيمة كبرى عند الجمهور الياباني وقدرته على المنافسة في الخارج حتى مع أفلام الكارتون الاميركية، فقدم هذا العام أيضاً فيلم "جاري يامادا". المخرج ُون ايتشيكاوا، وليس المخضرم كون ايتشيكاوا رفيق درب كوروساوا، يعرض له هذا العام أيضاً فيلم قصة "اوساكا" الذي يدور حول رحلة بحث ابنة في رحلة المراهقة عن ابيها الذي اختفى فجأة وكان يشكل مع أمها ثنائياً كوميدياً على المسارح الشعبية في أوساكا. تميز فيلم جون بحساسية في المعالجة ورسم الشخصيات وعلاقاتها ببعضها البعض. أما المخرج الياباني الكبير شينودا ماساهرو الذي يعد أحد أهم مؤسسي الموجة الجديدة في السينما اليابانية في مطلع الستينات، والذي حاورناه على صفحات "الحياة" العام 1995، فكان آخر عمل قدمه في العام ذاته 1995 وكان يدور حول الرسام شاراكو، الذي يحمل الفيلم اسمه، المتمرد الذي كان يفضل أن يرسم بورتريهات لوجوه العامة من الناس وليس سيدات المجتمع المتأنقات أو سيدات البلاط الامبراطوري الارستقراطيات، وهو ما لم يكن شائعاً في عصور الحكم القديمة حيث دارت أحداث الفيلم. في آذار مارس الماضي اطلعني شينودا على سيناريو فيلمه الجديد وحضرت تصوير بعض مشاهده. هذا الفيلم التاريخي أيضاً، سيبدأ عرضه تجارياً في 30 تشرين الأول اكتوبر. في عرض خاص شاهدت الفيلم الذي تدور أحداثه في القرن السابع عشر، وعبر ثلاثة عصور حكم مختلفة. ثلاثة حكام وعلاقتهم بالنينجا، وهي مجموعات خاصة من المحاربين تختلف عن الساموراي، متمرسة جيداً على القتال وتقطن الجبال وتتلثم كالرجل الوطواط وتتحرك خاصة في الليل بخفة ومهارة. مع قرب نهاية عصر النينجا تحولت هذه المجموعات الى ما يشبه العملاء السريين. كانت إحدى هذه المجموعات القوية على وفاق مع الحاكم نوبوناجا، ولكن عندما يسيطر الحاكم هيديوشي على الحكم ويخلع نوبوناجا يبدأ في ملاحقة هؤلاء النينجا ومحاربتهم من دون هوادة ويقتل من عشيرتهم وأقاربهم العشرات بصورة همجية. يصمم بعدها قائد هذه المجموعة على الأخذ بالثأر معتمداً على مهارته القتالية الفائقة تغذيه التجارب المريرة التي شهدها نتيجة لفقد أعزائه وأقاربه على أيدي هيديوشي، الى أن نصل في نهاية الفيلم الى الحاكم الأشهر توكوجاوا وفترة حكمه الفاصلة في تاريخ اليابان. برغم طول فترة عرض الفيلم التي تستغرق أكثر من ساعتين إلا أن المشاهد لا يشعر بالملل، أولاً لأنه يتعاطف مع قضية البطل وينتظر أخذه لثأره من الأعداء، وثانياً لأن مخرجاً متمكناً مثل شينودا قادر على التحكم في ايقاع الفيلم مهما طالت مدة عرضه. قدم شينودا من خلال الفيلم مشاهد وكادرات سينمائية جميلة بفضل اختياره الموفق لتناسق الألوان والأزياء في خلفيات دائماً ملائمة، كما صور لقطات عامة جميلة للطبيعة البكر في يابان ذلك الوقت. لكن على الناحية الأخرى، وكالعادة في مثل هذه النوعية من الأفلام في السينما اليابانية تمتلئ الشاشة بالدماء والرؤوس المقطوعة. ويشوب الفيلم شيء من الغموض وعدم الوضوح في بعض مناطقه مثل ذلك المشهد الذي يتسلل فيه بطل الفيلم وزعيم النينجا داخل قصر هيديوشي وإلى غرفة نومه ويتبادل معه حديثاً تهكمياً يقول له في نهايته انه لن يقتله بل سيلكمه فقط! وكان من المنتظر أن يقضي عليه خصوصاً بعد أن عرض نفسه للخطر. عودة أوشيما ولعل أبرز الأفلام التي ينتظر الجميع عرضها سواء من السينمائيين أو النقاد أو حتى الجمهور هو فيلم المخرج الياباني الأشهر ناجيزا أوشيما مؤسس الموجة الجديدة. الفيلم بعنوان "جوهاتو" وسيعرض في تشرين الثاني نوفمبر المقبل. الجميع ينتظر هذا الفيلم لعدة أسباب منها أن آخر فيلم قدمه أوشيما للشاشة الكبيرة كان في العام 1985. وكنت أجريت حواراً مطولاً مع أوشيما في العام 1995 ووجهت له سؤالاً اعتبر هنا شديد اللهجة، وكان يتعلق بتراخي أوشيما عن صنع الأفلام واكتفائه بالظهور الدائم في البرامج التلفزيونية المختلفة كمعلق وضيف وشخصية مهمة من الشخصيات العامة. عند توجيهي هذا الانتقاد لأوشيما ابتسم واجاب بأن الفترة اصبحت فعلاً طويلة لكنه لم يجد بعد الفكرة التي يحب أن يشتغل عليها، ولكي يطمئنني، أراني فاكساً أرسله اليه معهد الفيلم البريطاني الذي كان شرع في عمل سينمائي كبير في العام 1995 بمناسبة مئوية السينما في العالم، وذلك باختيار أهم مخرج من كل بلد أو منطقة جغرافية أو قارة ليصنع فيلماً عن تاريخ السينما فيها، ومن ثم اختار أوشيما ليمثل السينما في شرق آسيا. وحتى ذلك الوقت كان يمكن أن يلام أوشيما الذي قدم على مدار 25 عاماً بعض افضل الأفلام في تاريخ السينما اليابانية وأكثرها جرأة وثورية. لكن حدث أن اصيب اوشيما بجلطة في المخ أثناء وجوده في لندن بعد أن صنع ذلك الفيلم عن السينما الآسيوية في نهاية 1995 وأصبح لا يستطيع التحدث أو الحركة وحبيس كرسي متحرك. حالياً حالته الصحية افضل كثيراً عما قبل حيث يستطيع الكلام بصورة ما والوقوف أحياناً لبضع دقائق لكنه لا يستطيع السير. من المفارقات، وربما من الاشياء العادية والمتوقعة مع شخصية قوية مثل اوشيما، أنه اثناء تمتعه بصحة جيدة لم يهتم كثيراً بصنع افلام جديدة ليصبح من أهم همومه اثناء فترة مرضه أن يقدم فيلماً آخر. فالتمرد والثورية اللذان عرف بهما اوشيما منذ بداياته في افلامه وافكاره وشخصيته ما زالا يلازمانه. اراد اوشيما التمرد على حالته وقهر عجزه. ومن المؤكد أنه في حالة أوشيما بالذات كان هذا هو الحافز الأكبر الذي دفعه الى التصوير مرة أخرى وليس نجاح تلاميذه من الشباب. في كيوتو واثناء تصوير "جوهاتو" كان اوشيما عملاقاً كما هو دائماً، لم يغير الكرسي المتحرك فيه شيئاً، عندما كان يقول "اكشن" أو "ستوب" كان صوته يهز ارجاء موقع التصوير وكان الجميع سعداء بعودته الى الاستديوهات مرة أخرى. من الأسباب الأخرى التي ينتظر من أجلها الجميع عرض هذا الفيلم هو فكرته الشيقة والشائكة، "جوهاتو" معناها "تابو" أو "محرمات"، والفيلم يدور حول مجموعات الساموراي والجنسية المثلية التي كانت شائعة ومألوفة في ما بينهم. مؤكد ان هذه الأمور لا يعرفها الغرب أو العالم الخارجي بصفة عامة. لكن كان من الشائع أن كل قائد مجموعة ساموراي كان لديه اكثر من ساموراي أو محارب شاب يتسم عادة بالجمال والوسامة مما يذكرنا بعصور الغلمان القديمة. ما يجعل كثيرين ينتظرون هذا الفيلم بشغف أيضاً أن البطولة تسند فيه الى كيتانو "تاكيشي" أحد أهم مخرجي اليابان حالياً "الأسد الذهبي" من مهرجان فينسيا العام 1997 عن فيلمه هانابي أو الألعاب النارية والممثل الكوميدي الشهير سواء قبل تحوله للاخراج العام 1985 وحتى الآن يلعب كيتانو دور الرجل الثاني في المجموعة ويدعى ايتامي. أما قائد المجموعة فيلعب دوره المخرج ساي يوإيتشي الذي حاز في آب اغسطس الماضي على إحدى جوائز مهرجان لوكارنو عن فيلمه "انتقام الخنازير". لعب ساي من قبل ادواراً ثانوية بسيطة ويعد هذا الدور من أهم أدواره كممثل، كما يعد هذا اللقاء لتاكيشي مع اوشيما اللقاء الثاني بعد دوره الذي لفت الانظار اليه في فيلم "عيد ميلاد سعيد يا مستر لورانس".