إذا وصفنا فيلم "هنابي" بالآكشن، فإننا نظلمه بشدة. هذا الفيلم الياباني هو أكثر من مطاردة شرطة لعصابة من المجرمين مثلما تحفل بها أفلام الآكشن الأميركية. إنه حالة تأمل يشرع بها المخرج تاكيشي كيتانو في دواخل محقق شرطة، هو على حافة لحظة حرجة في حياته. الفيلم الذي استحق له مخرجه جائزة الدب الذهبي في مهرجان فينيسيا قبل عامين، إضافة الى تقريظ النقاد حيثما عرض. تلخص بداية الفيلم أهم الشخصيات والأحداث المتضمنة إذ يزور المحقق نيشي المستشفى الذي تعالج فيه زوجته لمقابلة الأطباء المسؤولين عن حالتها. أبعدته هذه الزيارة عن موقع عملية القبض على مجموعة من المجرمين المطاردين. يخبره الأطباء أن حالة زوجته ميؤوس منها كمريضة لوكيميا، ويقترحون عليه أن يخرجها الى البيت كي تقضي الفترة المتبقية من حياتها في صحبته. في الوقت نفسه، يعلم نيشي من معاونه أن المحقق "هورايب"، صديقه الحميم قد أصيب في الهجوم. يجبر نيشي على الاستقالة نتيجة تغيبه عن عملية الشرطة، فيجد نفسه بعد أسابيع في حالة ضياع. صديقه أصبح مقعداً ويعالج في أحد المصحات، وعندما يزوره بعد أسابيع يراه في حالة رغبة شديدة للعودة الى هوايته القديمة، الرسم. يعتقد نيشي أن الرسم سيساعد صديقه على تجاوز الإحباط، خاصة بعد أن غادرته زوجته برفقة الطفلة. لكن الرسم يحتاج الى الألوان والورق، وهو هواية مكلفة مالياً. فمن أين المال؟... يبدأ بالاقتراض من شركة شروطها مذعنة، ويبدو أنه ليس من السهل تسديد القرض. يواجه نيشي وضعاً محرجاً، وهو الذي يحلم أن يصطحب زوجته الى رحلة استجمام أخيرة، ويريد أن يساعد صديقه، وهناك في الوقت نفسه أرملة محقق كان قتل قبل سنة، وتحتاج للمساعدة. يتأمل رجل الشرطة السابق مصيره ومصائر من حوله، وكيف أنها تأثرت بالعنف والجريمة، ويقرر أن يكون الحل بالعنف أيضاً. يتدبر سيارة مسروقة ويغير لونها كي تبدو مثل أي سيارة شرطة. يرتدي ثيابه الرسمية، ويسرق مصرفاً. تعني كلمة "هنابي" باللغة اليابانية، زهرة النار. الزهرة هنا رمز للرسم والفن. والنار رمز للسلاح. رمزان يهيمان على مجمل أحداث الفيلم. عند مأزق حياتي زميلين ورفيقين، يجد كل منهما الحل الخاص به. كأنهما وجهان لشخص واحد. هورايب المقعد، يدمج نفسه تماماً بالرسم، ويروح يرسم زهوراً ووروداً وأشكالاً تتقاطع مع لحظات حرجة يمر بها صديقه، الذي اختار النار حلاً. نيشي كان في رحلة أخيرة الى الريف مع زوجته، يحاول أن يضحكها ليبعد عنها هواجس الموت، وهو الذي كان طوال الفيلم يبدو حاداً، يبتسم ابتسامة صغيرة ساخرة، بقدرة عالية على التعبير بملامح وجهه. يعد المخرج تاكيشي كيتانو من أهم المخرجين في السينما اليابانية الآن. كتب له مرة أكيراساوا قائلاً "يمكنني الاطمئنان على أن السينما اليابانية ستكون بخير من خلالك". حسب ما أورده كيتانو نفسه، في حوار نشر معه أخيراً في احدى الصحف البريطانية. هذا الرأي يتوافق مع منهج أكيراساوا الذي يعتمد الصورة أساساً لأفلامه، مختصراً الى حد كبير في الحوار. كيتانو أيضاً اقتصد في الحوار، ولجأ الى التعبير بالصورة. كذلك استغل موسيقى البيانو المكتوبة للفيلم، خلفية لكثير من المشاهد، فكسر بذلك التقليد الغربي الذي يقدم أفلام العنف مصحوبة بالموسيقى الصاخبة. موضوع آخر قد يلتقي بها المخرجان، هو تحدي الثابت والتابو في المجتمع الياباني، وهو ما اشتهر به كيتانو الذي يبلغ الخمسين من عمره. منذ فيلمه الأول، "شرطي عنيف" عام 1989، ركّز كيتانو على اخراج الأفلام، وبفيلمه "هنابي"، يكون قد أنجز فيلمه السابع. عدا ذلك فهو ممثل وكوميدي معروف، بالإضافة الى كونه كاتب سيناريو وروائياً ومقدم برامج تلفزيونية. وهو رسام أيضاً، مدّ الفيلم برسومه المختلفة التي كانت عنصراً مهماً في نسيج الفيلم. من ناحية أخرى، سيدهش المشاهد المتابع عندما يعلم أن بطل "هنابي" هو نفسه المخرج، مع تغيير اسمه الى بيت تاكيشي، الإسم الذي صار معروفاً به كممثل بعد نجاحه في كوميديا مسرحية اشتهرت في السبعينيات، وعنوانها "الضربتان". الدهشة الأخرى للمشاهد تأتي من اكتشافه ان كيتانو هو الممثل الذي أدى دور الملازم هارا، العسكري العاطفي المرح في الفيلم الشهير "ميري كريسماس مستر لورنس" 1983، للمخرج ناغيسا أوشيما. "هنابي" فيلم عن الحب والتضحية، عن العنف والموت، السخرية المرة والمرح مقابل الدم الكثير الذي يلطخ المشاهد. ايقاع سريع وشاعرية في الوقت نفسه. تجريب مغامر في الكاميرا واستغلال للمشهد داخل المشهد، أثناء ظهور سرقة المصرف من خلال كاميرا الفيديو الخاصة بأمن المصرف. "هنابي" أخيراً هو الفيلم الذي تجسد فيه تاكيشي كيتانو بثلاثة إبداعات: الإخراج، التمثيل والرسم.