كان من أبرز السينمائيين الذين رحلوا عن عالمنا هذا العام المخرج الياباني ناغيزا أوشيما عن عمر يناهز 92 سنة. ويعتبر أوشيما من أهم مؤسسي الموجة الجديدة في سينما اليابان، بل كان أهم من بدأها بفيلم «مدينة الحب والأمل» 1959 هو الذي ظل يلقب لسنوات طويلة «غودار اليابان» حيث تماثل أسلوبه السينمائي والفكري مع أسلوب رائد الموجة الجديدة الفرنسية جان لوك غودار. ومع ذلك كان أكثر ثورية في أعماله التي حفلت بنقد السينما اليابانية، لعدم تعبيرها عن هموم الشعب وشبابه. وكان أوشيما ثورياً في اتجاهاته الحياتية أيضاً. وهو عانى الكثير في فترات شبابه بسبب مواقفه اليسارية. فعندما كان طالباً في كلية الحقوق في جامعة كيوتو أصبح زعيم الحركة الطالبية اليسارية بها ودخل في مواجهات ضارية مع قوات الشرطة بعدما قاد تظاهرة حاشدة تندد بتجديد معاهدة الأمن الأميركية – اليابانية وكان أوشيما يهاجم حتى مواطنه الكبير السينمائي أكيرا كوروساوا من ناحية التعبير عن عصره بالرجوع إلى أحقاب تاريخية سابقة، وكان يعلق بأن زمن الضغط الأميركي قد ولى فلماذا يصور كوروساوا أفكاره الحديثة في قوالب تاريخية؟ اتسمت أفلام أوشيما بصفة عامة بالثورية والجرأة والتعرية للحقائق الدفينة أو المتجاهلة، أما معظم شخصياته الخارجة عن القانون فقد قدمها كإدانة للمجتمع التي خرجت عنه. والجريمة والانحراف من التيمات المتكررة والمشتركة في أعماله، وإن كانتا تعكسان شيئاً فهو افتتان المخرج ورغبته في الانتفاض على الوضع السائد وأسلوب الحياة اللذين كان يرفضهما على رغم إدراكه صعوبة التغيير المنشود لأن المجتمع الياباني مجتمع الجماعة وليس الفرد ولذلك لا تتغير الأشياء فيه كثيراً. كان أوشيما بالفعل شخصية مثيرة للجدال وتبين هذا في فيلمه «ماكس حبيبي» 1985 الذي يدور حول علاقة بين امرأة وقرد، وأيضاً فيلم شبه إباحي هو «مملكة الحواس» 1976 الذي وصل إلى ساحات القضاء. أصيب أوشيما بجلطة في المخ عام 1995 لكنها لم تمنعه من ممارسة السينما خصوصاً بعد شفائه تدريجاً حتى أخرج آخر أفلامه «جوهاتو» أي «محظور» عام 1999، الذي لم يعد بعده للوقوف خلف الكاميرا إذ غرق في مرضه الذي وضع حداً لحياته هذا العام.