الكتاب: محمد اقبال - فكرة الديني والفلسفي. الكاتب: محمد العربي بو عزيزي. الناشر: دار الفكر - دمشق 1999. يقدم كتاب "محمد إقبال - فكره الديني والفلسفي" دراسة موسوعية تحاول الاحاطة بالمؤثرات التي حكمت نتاج اقبال. فاهتمام الباحث محمد العربي بوعزيزي نشأ عندما كلف بإعداد رسالة دكتوراه عن نظرية المعرفة عند الرازي، فعاد إلى مؤلفات محمد اقبال خصوصاً محاضراته الفلسفية التي تناولت بعضاً من فلسفة الرازي. وكان هذا الأمر بداية اعداد اطروحة جديدة ومختلفة عن فلسفة محمد اقبال، حاول فيها الباحث قراءة مضمون فلسفته كما تعكسها دواوينه الشعرية وكتبه النثرية. ونظراً الى الطبيعة الأكاديمية التي حكمت هذه الدراسة فإن الكاتب يبدأ في الفصل الاول بتقديم "عصر إقبال"، فيستعرض بشكل سريع مرحلة دخول الاسلام الى الهند والدول التي تعاقبت على حكمها وصولاً الى الاستعمار البريطاني. ففي مستهل القرن الثامن عشر 1705 احتل الانكليز شبه القارة الهندية على رغم المقاومة العنيفة التي أبداها السكان، وقد بلغ الصراع أشده في عهد السلطان تينبو الذي حقق العام 1773 انتصاراً على الجيش الانكليزي في بنكلور من ولاية ميسور جنوب البلاد. لكن الجيش الانكليزي شن حرباً واسعة ضده وانتصر عليه في العام 1799. واندلعت ثورة اخرى العام 1857 كادت تقضي على الوجود الأجنبي، واعتبر الانكليز ان المسلمين الهنود مسؤولون عنها، فقضوا عليها بالقوة. ثم اتبعت سياسة التفريق بين الهندوس والمسلمين وأعلنت الانكليزية لغة رسمية للبلاد بدل الفارسية. كانت اعمال البريطانيين بداية لانفصال المسلمين عن المجتمع، حيث تم تقريب الهندوس بينما حُرمت الشريحة المسلمة من أي امتيازات. وأدى هذا الأمر إلى ظهور مصلحين حاولوا اعادة المسلمين الى الحياة المدنية عبر الاستفادة من مؤسسات التعليم والثقافة. كما سعى المسلمون الى توحيد صفوفهم والتفكير بتنظيم سياسي يجمعهم فأنشأوا العام 1906 في مدينة دكا "الرابطة الاسلامية" التي تحولت لاحقاً الى حزب سياسي قدم اهم الزعماء بعد انفصال الباكستان عن الهند، مثل محمد علي جناح والدكتور ذاخر حسين رئيس جمهورية الهند عند الاستقلال. ويستعرض الباحث تأثير ظروف الاحتلال الانكليزي على مستقبل شبه القارة الهندية، حيث نشأ شعور بانقسام المجتمع الى مسلمين وهندوس، وكان هذا الأمر مقدمة لتأسيس دولة باكستان. وعملياً فان محمد اقبال عاصر هذه الفترة وكان عضواً في الرابطة الاسلامية وتسلم رئاسة فرعها في بريطانيا عندما كان يدرس هناك، كما تأثر بالتيارات المتنوعة التي ميزت الهند في تلك الفترة، اذ تلقى في بيئته الضيقة المبادئ الدينية الاسلامية واستظهر القرآن وحفظه، والتحق بمدارس البعثات الاجنبية فتزود بجملة من المعارف التي ساعدته في دخول الجامعة في لاهور. وكل تلك المؤثرات ساهمت في تكوين فكره فجعلت منه الشخصية العالمية المنتمية الى مجالات ثقافية مختلفة. ينتقل الباحث بعد ذلك لاستعراض حياة محمد اقبال فيسرد نسب عائلته المنتمية أساساً الى البراهمة، وقد أسلم أحد أجداده قبل ثلاثة قرون، ثم انتقل فرع من العائلة من كشمير الى اقليم البنجاب. واما محمد اقبال فكانت ولادته في التاسع من تشرين الثاني نوفمبر العام 1877، واهتم والده بتعليمه الى ان انتقل الى لاهور حيث تابع دراسته وحصل على درجة الماجستير في الفلسفة. بعد ذلك رحل اقبال الى اوروبا العام 1905 والتحق بجامعة كامبردج حيث درس الفلسفة ونال درجة علمية في فلسفة الأخلاق. ثم سافر الى المانيا والتحق بجامعة ميونيخ وأعد بحثاً لنيل شهادة الدكتوراه وكان موضوعه "تطور الماورائيات في فارس"، وعاد بعد ذلك الى لندن ليلتحق بمدرسة العلوم السياسية لدراسة القانون وحصل على اجازة في الحقوق. وفي صيف 1908 عاد اقبال الى شبه القارة الهندية وباشر العمل كمحام كما عين استاذاً للفلسفة في كلية لاهور الحكومية، ولكنه بعد عامين اضطر للاستقالة من الجامعة بسبب ضغط العمل وتفرغ للعمل القانوني حتى العام 1934، اذ اضطره المرض لوقف العمل نهائياً وذلك قبل وفاته بأربع سنوات. ولكن مهنة اقبال لم تؤثر في موقعه العلمي، فهو دعي الى عدد من البلدان من أجل القاء المحاضرات، كما شارك في العديد من المؤتمرات العلمية والسياسية، وزار عدداً من البلدان العربية مثل مصر بدعوة من الهيئات الأ.بية وألقى فيها عدداً من المحاضرات عن تطور الفكر الاسلامي، كما زار فلسطين تلبية لدعوة من امين الحسيني للمشاركة في المؤتمر الاسلامي الذي عقد في القدس العام 1931. ويشير الباحث في نهاية الباب الأول من الكتاب الى منهج اقبال الاصلاحي الذي سمي بالنظرية الذاتية، وهي تؤكد على تربية الذات بالطاعة وضبط النفس بحيث تتأكد صلتها بالسماء وتنطلق من عمل موصول لا يعرف الكلل، وعندئذ تستطيع الذات بالطاعة وضبط النفس بحيث تتأكد صلتها بالسماء عمل موصول لا يعرف الكلل، وعندئذ تستطيع الذات الابتعاد عن السلبية التي ألفتها من جراء تأثير التصوف الهندي القديم والتصوف الأعجمي اللذين يتسمان بالسعي الى محق الأنا أي الذات بتجاوزها وترك العمل. يتناول الباحث في الباب الثاني من الكتاب فلسفة اقبال في وجود الله والنبوة. فبعد استعراض آراء الفلاسفة اليونان ثم المسلمين في هاتين القضيتين، يورد رأي اقبال من خلال محاضراته وأشعاره. فهو يرى ان الايمان بالله فطري بغض النظر عما تسوقه مدرسة الفلسفة الكلاسيكية من براهين فلسفية على وجوده. وتناول اقبال الأدلة الثلاثة للفلسفة بالتحليل والنقد مبتدءاً بالدليل الكوني الذي ينظر الى الكون على انه معلول متناه، ثم الدليل الغائي القائم على ان العالم رُكب وفق نظام ليحقق غاية ما، وأخيراً الدليل الوجودي الذي يقوم على استنتاج وجود شيء من وجود فكرة عنه. وعملياً فإن اقبال ينقد الأدلة الفلسفية الكلاسيكية ويبين الهنات التي ترتبط بكل منها، ويجنح الى التجربة الدينية سبيلاً للتواصل مع الذات الإلهية التي اثبت اقبال وجودها وجوداً فطرياً في الذات البشرية، كما اثبت مالها الذات الإلهية من صفات الخلق والعلم والقدرة وكشف عن حقيقتها من خلال آثارها في الوجود. وبالنسبة الى النبوة فإن اقبال أكد على أمرين مهمين: وظيفة النبي المهمة في المجتمع الاسلامي وخاتمية الرسالة المحمدية. يتطرق الباب الثالث لموضوع الكون عند إقبال متناولاً خلق العالم والزمان والمكان وأخيراً المعرفة، فبالنسبة إلى العالم يرى أنه دائم التجدد وليس مادة جامدة فهو تركيب من أحداث متتالية ومستمرة وقابلة للزيادة. ويظهر في هذا المنهج تأثر إقبال بنظريات الفلاسفة الغربيين، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة الحركة والتطور الخلاق والخلق المستمر في الكون والانبثات الذري في الوجود. وبالنسبة إلى الزمان والمكان يستعرض الباحث النظريات التي تحدثت في هذا الأمر. ثم يصل إلى نقد إقبال لتلك النظريات ورؤيته إلى أن الزمان هو من التدفق وله وجود خارجي حقيقي، أي أنه ينقسم في الظاهر إلى أجزاء لامتناهية. ومن جهة أخرى يقر بوجود المكان وينسب خلقه إلى الله ولا يقر بقدمه على غرار فلاسفة اليونان الذين يقولون بقدم المادة، وهو ينتصر للحركة والتغيير والخلق المستمر لما يحدث في الكون. وفي النهاية نجد نظرية المعرفة عند إقبال والتي يستنتجها الباحث - كما في فلسفة إقبال - من خلال نقده للنظريات المتفرقة في هذا الموضوع، فنجد أنه يقر بالعرفان وبإمكان قيامه وبوسائله، وهو يعتبر أن الحس أول وأن العقل ثان، إذ المعرفة تقوم عنده على الحس والعقل معاً، كما يضيف وسيلة ثالثة القلب أو البصيرة باعتباره سبيلاً إلى المعرفة الباطنية. ينهي الباحث كتابه بتقديم فكر إقبال عن الإنسان فيرى أنه محور الحياة وهدفها المطلق، وهو صانع ذاته ومجتمعه بالعمل الدؤوب، وهو السبب في تدمير ذاته ومجتمعه إذا تقاعس وتهاون. واثبت إقبال وجود النفس وأقر بروحانيتها ووحدة أفعالها وآمن بخلودها وبعثها من جديد. وكانت النفس الإنسانية محور فلسفة إقبال وهو ما عرف بالفلسفة الذاتية. وقد قام الباحث بتحليل معظم نتاج إقبال الشعري واعتمد أيضاً على محاضراته، وأورد العديد من الشواهد ليصل في النهاية إلى استنتاجاته حول فكر إقبال، وفي الوقت نفسه اهتم بايراد النظريات الفلسفية التي تناولها إقبال بالنقد، ما يجعل الكتاب عملاً موسوعياً يشمل معظم النظريات الفلسفية الكلاسيكية.