ضحت المملكة العربية السعودية بحصتها في سوق النفط وكسبت جولة حاسمة ضد انهيار الاسعار، الا انها تواجه مهمة صعبة وطويلة في الحفاظ على استقرار السوق وضمان مستوى اسعار مقبول للمنتجين والمستهلكين على السواء. واعتبر محللون نفطيون ان موافقة السعودية، اكبر قوة نفطية في العالم، على خفض انتاجها الى ما دون ثمانية ملايين برميل يومياً هو بمثابة تضحية من اجل انقاذ الاسعار، اذ يعني ذلك ارتفاعاً كبيراً في طاقتها الانتاجية غير المستغلة. وقال جون تولستر من دار الوساطة "سوسيتيه جنرال ستراوس تورنيل" في لندن ان "موافقة السعودية على خفض انتاجها بأكثر من مليون برميل يومياً والتزامها الخفض بشكل شبه كامل فاجأ السوق والخبراء". واضاف ل"الحياة" ان السوق "لم تكن تتوقع ان تخفض السعودية انتاجها الى اقل من ثمانية ملايين برميل يوميا وان ما فعلته كان تضحية لا بد منها لانقاذ الاسعار... ولكن اعتقد انها الآن امام مهمة اصعب بكثير. اذ انها تقف في مواجهة جميع عوامل وقوى السوق لضمان اسعار نفط مقبولة للمنتجين والمستهلكين بمنع انهيار سعري آخر او ارتفاع حاد في الاسعار". واعتبر نائب مدير "مركز دراسات الطاقة العالمية" ليو درولاس ان مستوى سعر يراوح بين 15 و16 دولاراً لبرميل خام بحر الشمال "برنت" هو الأنسب لمنظمة "اوبك" اذ انه يضمن ايرادات مالية معقولة للمنتجين وفي الوقت نفسه لا يشجع الشركات الدولية على ضخ استثمارات كبيرة في حقول انتاج جديدة. واتفق درولاس مع رأي تولستر بأن السعودية ودول "اوبك" الاخرى تواجه "مهمة صعبة ومعقدة في عملية تحقيق استقرار في الاسعار من خلال التحكم في مستوى الانتاج". واشار خبراء الى عوامل كثيرة يمكن ان تؤثر في جهود منظمة الدول المصدرة للنفط في الابقاء على مستوى اسعار مقبولة، منها المضاربات في السوق واختلاف سيناريوهات العرض والطلب وعودة العراق الى السوق بشكل كامل وحجم الانتاج من خارج "اوبك" واحتمالات انتهاك الحصص داخل المنظمة. ونوهوا بانخفاض الاسعار بأكثر من ثلاثة دولارات للبرميل الاسبوع الماضي نتيجة ما وصفوه بموجات البيع في السوق لجني الارباح والتقارير التي تحدثت عن ارتفاع انتاج العراق اضافة الى تراجع درجة التزام "اوبك" الخفوضات في الانتاج المتفق عليها الى نحو 86 في المئة في ايلول سبتمبر الماضي من اكثر من 94 في المئة في آب اغسطس. وقال درولاس "اعتقد ان هذا الانخفاض كان تصحيحاً للاسعار وليس تدهوراً لأنه جاء بعد ارتفاع كبير... ونتوقع ان تعاود الاسعار ارتفاعها في الاسابيع المقبلة. ويمكن ان تحدث سخونة شديدة في السوق في الربع الاخير في حال استمرار التزام اوبك الخفوضات ما سيؤدي الى زوال الفائض في المخزون". وشدد ان على اوبك ان تقرر رفع انتاجها بنحو مليوني برميل يوميا عندما يجتمع وزراء نفطها في آذار مارس المقبل لمواجهة الزيادة المتوقعة في الطلب الدولي والمقدرة بنحو 1.3 مليون برميل يوميا السنة 2000. وقدر تقرير ل"مركز دراسات الطاقة العالمية" متوسط انتاج "اوبك" بنحو 26.2 مليون برميل يومياً في الربع الثالث من السنة الجارية و26.3 مليون برميل يومياً في الربع الاخير، اي انه سيكون هناك نقص في المعروض يزيد على 2.5 مليون برميل يومياً في الربع الاخير دون السحب من المخزون. وتوقع ان يبلغ متوسط اسعار "برنت" نحو 20.7 دولار للبرميل سنة 2000 في حال قررت "اوبك" رفع الانتاج ليصل معدل السقف المتوقع الى 27.7 مليون برميل يوميا مقابل نحو 26.6 مليون برميل يوميا السنة الجارية. وأتاح خفض الانتاج للسعودية التي تسيطر على اكثر من ربع احتياط النفط الدولي ان تعوض جزءاً من خسائرها المالية التي تكبدتها العام الماضي بعد تدهور الاسعار الى نحو 12 دولاراً للبرميل. اذ يتوقع ان ترتفع ايراداتها من صادرات النفط الخام الى 40 بليون دولار السنة الجارية من 32 بليوناً عام 1998. وتوقع خبراء ان تصل هذه الايرادات الى نحو 50 بليون دولار سنة 2000 على اساس ارتفاع الاسعار وانتاج المملكة ما سيمكنها من سد الفجوة المالية التي تعاني منها منذ ان بدأت اسعار النفط بالتراجع منتصف الثمانينات. وقال محلل نفطي "لا ارى اية مشكلة للسعودية ودول اوبك الاخرى في الأمد القصير لكن المشكلة هي في الامد المتوسط والبعيد". واضاف "لا اعلم كيف ستتمكن هذه الدول من الحفاظ على مستوى اسعار معقولة في الاعوام المقبلة لأن اي كارتل في العالم لا يستطيع التحكم في السوق من خلال التقليص المستمر في الانتاج اذ ان ذلك يعني مزيداً من التآكل في حصته وبالتالي انحسار نفوذها في السوق... لذلك اعتقد ان اوبك تقف الآن في ما يشبه حلقة مفرغة ما يجعل التحكم في الاسعار مهمة غاية في الصعوبة وتكاد تكون مستحيلة".