هيمنت أزمة كوسوفو على أحداث عام 1998 في منطقة البلقان التي ظلت ساخنة منذ انهيار يوغوسلافيا السابقة واندلاع حروبها. وجاء تصاعد العنف في كوسوفو منذ مطلع 1998 ليضع حداً لحال "الكفاح السلمي والعصيان المدني" التي اتصفت بها مساعي ألبان الاقليم سنوات عدة لتحقيق هدفهم في الاستقلال. ومثّل ظهور جيش تحرير كوسوفو تطوراً جديداً، سواء في التعامل مع الصرب أو تنبيه المجتمع الدولي الى مدى خطورة هذه القضية على الاستقرار في جنوب شرقي اوروبا وتأثيرها في تأجيج موزاييك المشاعر العرقية في المنطقة. واثبت مقاتلو جيش التحرير حضوراً في مناطق واسعة من الاقليم مستفيدين من الكثافة السكانية الألبانية والاستياء الذي يعمها من الزعماء السياسيين التقليديين الذين لم يتمكنوا من كسر الجمود في تفكير بلغراد. لذا ساند سكان الاقليم المواجهة العسكرية تأكيداً ل "حق الاستقلال" في الاستفتاء العام الذي اجري من جانب واحد عام 1991. إلا أن هذه "النشوة" الألبانية لم تستمر طويلاً إذ شرعت القوات الصربية منذ آذار مارس الماضي باقتلاع مواقع جيش التحرير واحداً بعد الآخر من خلال هجمات عنيفة بجميع الامكانات العسكرية المتاحة لم تخلو - كما تبين للمراقبين - من "ضوء أخضر أميركي - أوروبي للصرب لكبح جماح الذين اختاروا اسلوب السلاح سبيلا لمقاومة أي حل لا يفضي الى الاستقلال الكامل". وأسفرت الهجمات العسكرية الصربية التي تواصلت بضراوة مدة 8 أشهر عن مقتل وجرح أكثر من 3 آلاف صربي والباني اضافة الى ما لا يقل عن خمسة آلاف آخرين بين مفقود ومخطوف ومعتقل. والحاق دمار واضرار متنوعة بحوالى عشرة آلاف منزل وفرار حوالى 300 ألف من السكان الى مناطق أخرى في الاقليم وخارجه أو تشردهم في الغابات والجبال. وعلى الرغم من الزخم الاعلامي الذي وفره النازحون واللاجئون لاثارة قضية كوسوفو على المستوى العالمي فإن فكرة الاستقلال لم تلق حماساً لدى العواصم الكبرى التي تعاملت مع الأزمة من باب ايقاف المعاناة الاجتماعية بعيداً عن التعاطي مع مطلب الألبان الانفصال والاستقلال. وتصاعدت التحذيرات الغربية من مغبة استمرار المآسي الانسانية وهدد حلف شمال الأطلسي بقصف أهداف صربية. ودخلت المشكلة اطاراً عالمياً خطيراً واستقطبت التكتلات القديمة عندما وضعت موسكو ثقلها الى جانب بلغراد وارتأى "الوفاق الدولي" تخفيف حدة المعضلة من خلال نشر ألفي مراقب دولي غير مسلح في كوسوفو وصل 600 منهم فقط وانشاء قوة تدخل سريع لحماية هؤلاء المراقبين عند الضرورة مقرها في مقدونيا. لكن المؤشرات الواقعية دلت على مصاعب ستعترض اجتيازها حدود الاقليم. وقادت الولاياتالمتحدة تدخلاً غربياً من خلال زيارات مبعوثها ريتشارد هولبروك وجهود سفيرها في مقدونيا كريستوفر هيل التي حققت هدوءاً هشاً وصف ب "النسبي". لكن الجهود اخفقت في اختراق الحاجز القوي الذي يفصل بين ما يريده الطرفان المتنازعان والمتمثل بالتمسك الألباني بحق تقرير المصير الاستقلال والاصرار الصربي على الاحتفاظ بالاقليم جزءاً من صربيا ارضاً ونفوذاً، ما جعل خطة التسوية الأميركية المستندة على حل وسط مرفوضة من الطرفين. وأعلن هيل تخليه عن مهمته وهرع هولبروك الى بلغراد وبريشتينا لكنه اخفق في وقف انهيار التعهدات التي قدمت اليه. وتصاعد القتال في الأيام الأخيرة من 1998 مبكراً عن الموعد الذي رجح له بنحو ثلاثة أشهر. وبعيداً عن التنبؤات فإن المؤشرات تظهر ان "بركان" البلقان لا يزال على عنفوانه ولن يخل عام 1999 من "هيجان" ناره و"ثوران" حممه. في كوسوفو ستفوق احتمالات الحرب كل توقعات السلام. وفي الاتحاد اليوغوسلافي الجديد فإنه على رغم ما حققه "مصير" كوسوفو من تهدئة الصراعات الصربية - الصربية فإن حدوث مواجهة في الجبل الأسود لا تزال قائمة لأن رئيس جمهوريته ميلو جوكانوفيتش ليس مستعداً لمجاراة خطط الرئيس ميلوشيفيتش. وخارج يوغوسلافيا الاتحادية فإن البوسنة لا يزال سلامها "اوهى من بيت العنكبوت" والحلول المدنية لاتفاق دايتون "تراوح" في محلها والقرار حول عائدية برتشكو مثيراً لنزاع مرير سواء رسى لمصلحة المسلمين أو الى جانب الصرب، فيما تزداد شقة الانفصام في فيديرالية المسلمين والكروات. ورغم كل هذا اعلنت قوات السلام انها سئمت البقاء "غير المثمر" في البوسنة - الهرسك وتعتزم الرحيل منتصف العام الجديد. وفي البانيا، بات الصراع بين الديموقراطيين والاشتراكيين مرشحاً للتفاقم من دون حسم. وفي بلغاريا تفيد التوقعات ان يتواصل تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية وتندلع الاضطرابات الناقمة على الحكام الديموقراطيين. اما في مقدونيا فالاحتمالات ترجح نزاعاً بين الرئيس الاشتراكي كيرو غليغوروف وحكومته القومية المنتخبة ومصاعب اقتصادية و"سخونة" المشكلة الالبانية وتأجج الخصام مع اليونان على عائدية "إرث الاسكندر الكبير".