انصرف عدد كبير من الجمهور عن متابعة الأعمال الدرامية والبرامج التي عرضت على شاشة التلفزيون المصري خلال رمضان على رغم كثرتها وتنوعها، إذ يتم عرض أكثر من عشرة مسلسلات منها "ألف ليلة وليلة"، و"امرأة من زمن الحب"، و"رد قلبي"، و"ابن حزم"، و"السيرة الهلالية" على شاشة القناة الأولى، و"هوانم غاردن سيتي"، و"رياح الشرق"، و"زمن الشقاء والحب"، و"القلب يخطئ أحياناً" على شاشة القناة الثانية، ومسلسلات "الضوء الشارد"، و"المسداوية"، و"غابت الشمس ولم يظهر القمر" على شاشة قناة النيل الدولية. إلى جانب عشرات البرامج الكوميدية الخفيفة وبرامج المنوعات. وقد يكون مرجع ذلك تواكب شهر رمضان مع امتحانات نصف العام وما يترتب عليها من ضغوط نفسية الى جانب الزحام الشديد على الشاشة، وهو ما جعل المسؤولين عن القناة الأولى، على سبيل المثال، لا يجدون وقتاً لعرض سهرة أو فيلم تلفزيوني جديد، كما سبق الاعلان عن ذلك قبل رمضان، إلى جانب خلو الأعمال الدرامية من المضامين التي اعتاد الجمهور أن يراها في الأعوام الماضية، إضافة إلى اشتراك أكثر من نجم في أكثر من عمل، ما أحدث تداخلاً وخلطاً كبيراً دفع المشاهد الى تجنبه بالابتعاد عن المشاهدة. دراما ضعيفة ويرى المؤلف مجدي صابر أن الدراما التي تحفل بها خريطة رمضان جاءت باهتة في حين جاءت البرامج سخيفة، وهذا يحدث للعام الثاني على التوالي، ويقول: إن "ذلك يعود الى سببين، الأول: كثرة وزحام الأعمال، فالكثرة تشتت الانتباه وبعد فترة يتم الانصراف، والثاني: أنه لم يوجد العمل المميز، وتقرب الأعمال من بعضها، ولم يوجد العمل الجيد الذي اجتذبت الدراما الخاصة به الجمهور لأنها دراما باهتة وضعيفة". وأكد صابر أن المسلسل المصري بدأ ينسحب ويفسح المجال للمسلسل السوري وهذا مرجعه أن الدراما المصرية تدور في فلك واحد وداخل بلاتوهات وشقق مغلقة، في حين تلجأ السورية الى التاريخ الذي توجد فيه عناصر التشويق الى جانب الممثل الجديد والصورة الجديدة في الأماكن الطبيعية الرائعة والجذابة، إضافة الى أن بعض المحطات العربية بدأت في الإنتاج لنفسها ومنها "راديو وتلفزيون العرب" A.R.T. أما بالنسبة إلى البرامج والفوازير، فيؤكد صابر أنها استخفت بعقلية المتفرج لأنها تعاملت بمنطق كاريكاتوري والكوميديا ليس معناها تقديم السخافة والخروج عن المنطق ويعجبني من البرامج الكوميدية "حسبة برما". ويرى المؤلف شامخ الشندويلي الذي عرض له للعام الرابع على التوالي برنامج "الكاميرا الخفية" أن الابتكار في نوعية البرامج أعلى من الأعوام الماضية، ويضيف "لسنا مطالبين بتقديم عبرة في برامجنا الكوميدية، ونقول لمن يهاجموننا: أتركونا نقدم الضحك فقط لأنه هدف عظيم ومهمة صعبة، وتوجد برامج جيدة ومنها "القرموطي في مهمة سرية" لأحمد آدم و"ماذا لو" لأحمد بدير وبرنامج "عزب شو" وذلك بغض النظر عن تقويمي لها ويعجبني من الدراما مسلسل "امرأة من زمن الحب" لأن القيمة مقدمة فيه بذكاء وشكل درامي جذاب". معهد لقياس الرأي العام واستنكر المؤلف اسامة أنور عكاشة الهجوم الذي تعرضت له برامج رمضان منذ اليوم الأول، وقال: "إن أعمال رمضان تهاجم "عمّال على بطال"، وهي أصبحت عادة سنوية مثلها تماماً مثل الياميش والكنافة وغيرها، وأكد أنه لا يدافع عن التلفزيون لأنه في العام الماضي هوجمت مسلسلات "الطرابيش" وهوجمت مسلسلات العام الحالي أيضاً على رغم تنوعها، وأصبح حال المسؤولين في رمضان مثل حادثة "نفتح الشباك أم نغلقه؟"، فإذا فُتح لم يعجب وإذا أغلق لم يعجب، وهذا ينبهنا إلى أمر في غاية الأهمية وهو ضرورة وجود معهد متخصص لقياس الرأي العام في مصر يرصد نسب المشاهدة وليس أخذ رأي اثنين من الشارع أو من على مقهى ما. فالمسألة لاپبد أن تكون علمية. وأشار عكاشة الى أنه يتفق مع المهاجمين في أن البرامج تافهة والإعلانات أكثر من اللازم، "ثلاثة أرباع البرامج لازم كانت تتشال لأن كلها إسفاف وضحك على عقول الناس واتجار بالفن كما لو كانت تضع لخدمة الإعلانات". وأكد أن البرنامج الذي استوقفه وحرص على متابعته هو برنامج "كان زمان" من إعداد الناقد السينمائي علي أبو شادي، رئيس الرقابة، على المصنفات الفنية وتقديم سمير صبري لأنه برنامج متزن وشيق ونموذج جيد على حد قوله إلى جانب مسلسل "ألف ليلة وليلة" من تأليف عبدالسلام أمين وبطولة بوسي وماجد المصري وإخراج رباب حسنين. ويرى المخرج يوسف أبو سيف أن ما يحدث على الشاشة ما هو إلا نتاج مناخ ثقافي موجود وسائد حالياً. وقال "الأعمال الدرامية التي قدمت في رمضان سبق طرحها عشرات المرات أما البرامج التي تمت بشكل ارتجالي فتندرج تحت اسم الاستخفاف بالجمهور والاستسهال الشديد جداً، والمشكلة أنهم "فاهمين" أن الكوميديا "عبط" وكل ممثل يأتي بحركات و"إفيهات" لا علاقة لها بالكوميديا، وتساءل أبو سيف أين من يراقب هذه البرامج؟ وأكد أن الجمهور بدأ يتجه الى البرامج الجادة والمحترمة التي تقدم على شاشة القنوات الفضائية العربية والأجنبية". عُري وأعلن الموسيقار حلمي أمين نقيب الموسيقيين عن استيائه من مسلسلات وبرامج التلفزيون في رمضان التي جاءت دون المستوى على حد قوله، وأكد أن "الفوازير لم تقدم أي جديد يفيد المشاهد موسيقياً أو فنياً، ويبدو أن قطاع الإنتاج عزف عن تقديم الجيد، وضرب مثالاً بمسلسل "هوانم غاردن سيتي" وقال "الإسلام والأخلاق يرفضان ما يحدث في هذا العمل من عُري"، وتمنى "لو تغيرت حلقات مسلسل "ألف ليلة وليلة" إلى "ألف نيلة ونيلة" دلالة على سوء المستوى. أحزان المشاهد العربي وأرجع المؤلف محمد جلال عبدالقوي إنصراف الجمهور عن الأعمال والبرامج الرمضانية إلى أنه لا يملك المزاج للمشاهدة، وقال "لا دخل هذا العام للمادة المقدمة، ولكن لأحزان المشاهد العربي الذي أصبح غير مهيأ للفرجة ولتلقي أي قدرمن المتعة لأنه مشبع إنفعالياً بما يلاحقنا من مهانة، وبالتالي أصبحت المتع الأخرى الفرجة صوراً لا معنى لها لأنها في النهاية خيالية وغير واقعية". وأكد أنه كان لاپبد أن تقدم أعمال تنبع من الواقع العربي وتشرحه وتستنفر وجودنا وكياننا. وأضاف "أعتقد أن هناك تقصيراً في مسألة التخطيط". ويرى المخرج عبد المولى سعيد والذي عُرض له طوال شهر رمضان برنامج "مسافة وعلامة" من تقديم ميرفت سلامة أن "الأعمال الرمضانية لم تكن على المستوى القوي وكانت تشبه الأمطار الغزيرة على مساحة كبيرة مما يصعب معه الهرب الى أي مكان للاحتماء منها إلا بغلق جهاز التلفزيون"، وقال إن "مستوى البرامج ليس فيه تجديد سواء في الشكل أو المضمون". وأضاف: "أن نسبة البرامج التسجيلية زادت بشكل ملحوظ خلال رمضان، كل من هب ودب "بيشتغل" في المسألة من دون ضوابط"، وأعرب عن استيائه من أن التلفزيون لم يؤثر على وجدان الجمهور لأن الشاشة مباعة وأصبحت المسألة تجارية بحتة. خليط غير متجانس ويقول المخرج محمد كامل القليوبي إن الجمهور انصرف عن متابعة أعمال وبرامج رمضان لأنها "مليئة بخليط غير متجانس" فهو لا يستطيع التفرقة بين نرمين الفقي في مسلسل "رد قلبي" أو "المسداوية"، وهكذا مع باقي النجوم وفي وسط هذه الزحمة فإن الجمهور ينتقل من قناة الى أخرى ليبحث عن شيء ما يجذبه، من دون جدوى، ويؤكد على تفوق القنوات الفضائية العربية والأجنبية على التلفزيون المصري الذي لم يعد يجتذب المشاهد المصري والعربي كما كان في السابق. ويضيف القليوبي: "تفاوتت النصوص الدرامية بين الركاكة الشديدة وبعض القبول، وأعلن إعجابه ببرنامج "كان زمان" وقال "هذا البرنامج فيه نوع من التوصيف الشعبي الظريف وعلي أبو شادي قدم مادة علمية جيدة". وعن الهجوم الذي تعرضت له المذيعة سامية الأتربي التي قدمت أربعة برامج في قناة واحدة وهي "عزيز عيني" للمخرج رضا شوقي، و"حانوت أنتيكا" لسيد حسانين، و"المسحراتي وبر مصر"، قالت إن بعض هذه البرامج تم تكليفها بها في اللحظات الأخيرة من رئيسة القناة، ومنها برنامج "بر مصر" الذي "يستنزف جهداً كبيراً مني ويجعلني أفطر يومياً بعيداً عن أسرتي وكنت أتوقع أن يقال لي: كتر خيرك". الكم وليس الكيف ويشير المؤلف محمد صفاء عامر إلى أن "الكارثة تكمن في عدم وجود ضوابط محددة لاختيار الأعمال ما يجعل التلفزيون يقع دوماً في هذا المأزق"، وأكد أن اتحاد الإذاعة والتلفزيون يتجه الى الكم على حساب الكيف، وأصبح اهتمامه الأكبر هو الكسب المادي وهذا تحول خطير. وقال: "ليست مسألة مثيرة للفرح أن يعرض التلفزيون عشرة مسلسلات في رمضان وإنما المهم ماذا يعرض؟ وإذا كنا نتحدث عن الريادة الإعلامية، فإنها لا تكون بالكم ولكن بالكيف ويكفي أن سورية تنتج مسلسلين أو ثلاثة في العام، وتحصد عنها جوائز عدة، وذلك لاهتمامها بالكيف الذي كان يحدث عندنا منذ سنوات عندما كنا ننتج أعمالاً ما زالت محفورة في عقل ووجدان المشاهد، مثل "ليالي الحلمية"، و"الشهد والدموع"، و"ذئاب الجبل" وغيرها. وأضاف صفاء عامر "منذ رمضان الماضي وطوال العام لم يعرض مسلسل أثر في المشاهد"، وطالب بإعادة النظر في مسألة المنتجين المنفذين الذين لا هم لهم سوى تعبئة الشرائط، وليس من قبل الفخر أن ننتج سنوياً ما يقرب من مئة مسلسل، وقال: "إن الرقابة سيف مسلط يدمر أي تقدم في التلفزيون المصري درامياً وبرامجياً ومنوعات". وترى الناقدة ماجدة موريس أن معظم البرامج الرمضانية جاءت دون المستوى. والغريب أنها لا تعاني من نقص مادي لأن الإعلانات تمولها"، وقالت: "إن عدداً من البرامج أجمع المشاهدون في الأعوام الماضية على سخافتها، ومع ذلك فهي مستمرة على رغم كل الرفض ما يضع علامات استفهام كثيرة على أسباب استمرارها، وأبرزها برنامج "سر التفوق" من تقديم ممدوح موسى". وأضافت ان البرامج فيها كثير من اللغو ومواقع القوة ليست بارزة، وهذا مرجعه إلى سوء التنظيم، وأكدت أنها تتوقف أمام برنامج "إبحار الى الغد" لمفيد فوزي لأنه فكرة عكسية، ولكنه كان يعرض أثناء إذاعة مسلسل "امرأة من زمن الحب".