كانت مفاجأتي كبيرة عندما شاهدت "صعيدي في الجامعة الأميركية" في صالة "الشام" في دمشق. فالفيلم كان أدنى بكثير مما سوق عنه في الإعلام، ولا يتلاءم مع حجم الضجيج المثار حوله وحول نجمه البراق محمد هنيدي الذي سوقه الإعلام الدعائي كأنه فتح كوميدي يحسب للسينما المصرية. تابعت أحاديثه في أكثر من مطبوعة عربية لكنني فشلت في معرفة سر نجوميته المفاجئة. بدا من خلال ما كتب عنه وما قاله ممثلاً عادياً جداً، تنقصه الرؤية الفكرية للعمل، وفي حديثه الى جريدة "الحياة" برهن على أن الصدفة لعبت دوراً مهماً في رسمه نجماً سينمائياً وظلمه النقاد في مصر، عندما قارنوه بعمالقة الكوميديا كعادل إمام. ما يثير التساؤل عن هذا الفيلم هو الاقبال غير المحدود للجمهور، وكيف أصبحت كلمة معارضة ومحاكمة ومنع مغرية الى هذا الحد. هل يمكن أن يكون مرد ذلك الى تاريخ القمع الطويل والتضييق على الفكر؟ الرقابة أصبحت وبشكل غير مباشر مانشيتا دعائيا يسوق حتى اسوأ الأعمال لتصبح الأكثر مبيعاً ورواجاً، فالجمهور صار يقبل بكثافة على كل ما هو ممنوع. فيلم "صعيدي في الجامعة الأميركية" لم يقدم جديداً ليكتسح صالات العرض عدا ان الجامعة الأميركية في مصر قدمته الى المحاكمة لأنه استغل اسمها في الترويج له. تناول الفيلم مفارقة الفلاح الصعيدي في الجامعة الأميركية، لكن ذلك الفلاح لم يكن بسيطاً كما أراد الفيلم ان يقول لنا. ولا كان ساذجاً، لأن البطل ظهر في دور المثقف المطلع على مئات الكتب، سذاجته كانت مفتعلة وغير مقنعة. كما اعتمد الفيلم على الحوار بشكل أساسي لتوصيل رسالته وهذا ما شكل خللا كبيراً في اللغة السينمائية التي من المفترض انها تعتمد على اللقطة البصرية تحديداً، مع هامش للحوار. ومن الثغرات الملاحظة التي اثرت على تماسك الفيلم ذلك المشهد الذي أحرق فيه الطالب محمد هنيدي العلم الاسرائيلي في باحة الجامعة، وبلحظة عفوية الى درجة البلاهة كأن العداء لاسرائيل جاء صدفة وليس عن وعي نتيجة القتل الذي مارسته ضد العرب طوال عشرات السنين من مشروعها التدميري. كما ان ذلك الصعيدي الذي قدم لنا باعتباره مثقفاً ظل طوال الفيلم مشغولاً بحب صديقة لا تحبه، ويتحرك ببلاهة وفجاجة، حسب الروحية الأميركية السائدة في أروقة الجامعة، وكان بعيداً عن السياسة الى حد النفور. لكن المفاجئ، والغريب، وغير المتوقع، انه في نهاية الفيلم يصعد الى منصة التخرج باعتباره الأول في العلوم السياسية ويتمتع بوعي سياسي كبير، حتى انه يوجه رسالة الى أميركا... فمن أين له هذا؟ فوق ذلك فإن فكرة الفيلم مكررة الى درجة الابتذال، فقد شاهدناها بصورة الفلاح الذي وفد الى المدينة وضاع فيها، أو وقع في المفارقات المضحكة، وما كان من فيلم صعيدي في الجامعة الا ان استبدل المدينة التي عرفناها بالجامعة الأميركية ومن ثم نسج على المنوال نفسه... ان حجم الاحباط الذي خرجت به من الفيلم كان أكبر بكثير من حجم الدعاية واللغط الذي دار حوله. احسست بنفسي حقاً، واحدة من آلاف الضحايا الآخرين من الجمهور، الذين تخيلوه مغفلاً بلا عقل.