في 215 صفحة يروي مايكل أللن قصة إحدى الهدايا الاكثر طرافة في التاريخ المعاصر. من محمد علي الحاكم العثماني لمصر الى شارل العاشر ملك فرنسا. وتبدأ القصة في احدى غابات اثيوبيا حيث قبض الصيادون على زرافة في مقتبل العمر ونقلوها الى الاسكندرية في مركب عبر النيل الازرق من دون مشكلة، من هناك انتقلت الزرافة الى سفينة بحرية لتعبر المتوسط حتى مارسيليا، وهنا ارتسم السؤال الذي لم يكن في الحسبان: كيف ننقلها براً الى باريس؟ مكثت الزرافة في مرسيليا اياماً بانتظار الحل الفرنسي، الى ان جاء الجواب السهل الممتنع عن لسان احد اشهر علماء زمنه اتيان جوفري سانت - هيلير، احد ابرز اعضاء المتحف الوطني الطبيعي الذي رعى تأسيس اول حديقة بلدية للحيوانات في العالم. قال سانت هيلير: "دعوها تتمشى نحو باريس في الاحراش". وتمشت الزرافة على مهل، غير دارية انها اول زرافة تراها العين الاوروبية على الاطلاق. ثلاثون ألف فرنسي تجمعوا في استقبالها حين وصولها الى مدينة ليون. وفي باريس تضاعف العدد، وظهرت عوامل الزرافة في المجتمع الباريسي خلال ايام. النساء زيّن شعورهن "آلا جيراف" وارتدى الرجال قبعات وربطات عنق مستوحاة من شكل الزرافة والوانها، وجرى اطلاق اسم الزرافة على احدى الساحات، ناهيك عن لصوق اسمها بنوع من الانفلونزا انتشرت في ذلك الحين. وكتب احد المعلقين واصفاً تلك السفيرة بقوله: "انها حيوان رقيق، سحري. سنامها استوى بفعل امتداد عنقلها، لها سيقان بطولة قامة الرجل وحوافر بقرة، وبقع كأنها لنمر او كأنها حديقة العاب نارية. وذلك اللسان الثعباني المروّع…". ويقول مايكل ان الهدية لم تكن مجردة من المآرب الخفية. بل كان محمد علي على أهبة شنّه الحرب على اليونان، ويريد الالتفاف حول ردة الفعل الفرنسية متقرّباً من فرنسا وشعبها على السواء. ولا ننسى ان محمد علي ارسل ابناءه وابناء حاشيته الى فرنسا للدرس والتحصيل والتنوّر، فيما كانت الثقافة الفرنسية مبهورة وغارقة في البحوث الفرعونية. كل هذا والزرافة الاثيوبية الشابة تتمشى من مرسيليا الى باريس على بركة الله.