قلما خلت الحركة الأدبية الاميركية من معارك النأورة، وخلافات الرأي. إلا أنها لم تعرف مثيلاً لما يدور على صفحات المجلات والصحف الأكثر تميزاً و"تأدباً" منذ صدور رواية ثوم وولف الأخيرة "الرجل الكامل". ويعتبر وولف سيد الحكاية الواقعية ذات النفس التاريخي - الاجتماعي والمنحى البلزاكي في الوصف وتشخيص الأبطال. وهو الى ذلك ديك بالغ التأنق، حاد النكتة، جاهزها. لا يخفي حبه لتحريك العواصف حوله. صرف وولف 11 سنة في كتابة "الرجل الكامل" وما لا يقل عن عشرة ملايين دولار دفعها ناشره قبل انتهائه من توقيع عمله الجديد الواقع في 742 صفحة، وبيع من الكتاب 12 مليون نسخة في طبعته الأولى حتى كتابة هذه السطور. غير ان الاستقبال الشعبي الحافل للرواية التي تصف بدقة متناهية عالم الأثرياء الجدد في الجنوب الاميركي، لم يؤثر ايجاباً في آراء كثيرين من أدباء الصف الأول في الاكاديمية الاميركية للادب، وعلى رأسهم نورمن مايلر وجون ابدايك وهارولد بلوم. ويتفق بلوم وابدايك على ان "الرجل الكامل" ترفيه وتسلية وليست أدباً، فيكتب ابدايك في مجلة نيويوركر واصفاً حبكة الرواية بأنها "تشبه اماليد كرمة وحشية تمتد في كل اتجاه، لكنها لا تصل الى أي مكان". أي أنها لا تثمر شيئاً جديراً بالاهتمام. كذلك اتهم ابدايك كاتب "الرجل الكامل" بأنه "يملي على القارئ أحاسيسه، ولا يثق بحقنا في الانفعال من دون مراقبة". اما نورمن مايلر فكتب مقالاً نقدياً من ستة آلاف كلمة في مجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس" قال فيه ان "الرجل الكامل" هي بحق افضل ما كتبه وولف، يبدأ واعداً كأنه روائي اميركي كبير وينتهي مستساغاً، ساقطاً في حضن الجمهور العريض: "في لحظة معينة تصبح قراءة هذا العمل كمناومة امرأة وزنها 150 كلغ، ما ان تضع نفسها فوقك قد انتهيت، اما ان تقع في حبها أو تختنق!" والمفارقة ان مايلر الذي تزوج وطلق ست مرات يعود فينعت وولف بجهله وصف الشخصيات النسائية... وكان لا بد لهذه الزوبعة في فنجان مانهاتن الثقافي العكر ان تتسع لتشمل روائيي الجيل الثاني، الذين يتفقون مع جويس كارول أوتس على ان الضجة الراهنة صنعتها الصحافة بعيداً عن الهم الأدبي الرصين. وتضيف ان وولف بالنتيجة يجلب الناس الى المطالعة، والنقاش حوله يجعلهم يفكرون. الا ان كارول لا تغفر للثلاثي العجوز قسوتهم وهجومهم الواحد على الآخر. وتقول: "هذا الأمر لم ولن يحصل لدى أبناء جيلي عمرها 54 سنة. الواقع انه لدينا أمور أكثر ترفعاً تستحوذ اهتمامنا. من سيكتب رواية جيدة وما هي الأفكار المتداولة في الفن والأدب والعلم والحياة العامة". ويطرح النقاش الدائر حول كون وولف من أدباء الصف الأول أو من كتاب الأدب الشعبي الأقل أهمية مسألة قبول وولف في المجلس الأعلى للاكاديمية الاميركية. حتى اليوم كانت الاكاديمية رفضت قبوله. بحجة انه "صحافي أكثر مما هو أديب". وبوجود مايلر وابدايك في لجنة الاكاديمية لن يكون سهلاً قبوله هذا العام ايضاً. لكن وولف غير مهتم للأمر كثيراً. فهو يردد ان ت.س اليوت وسكوت فيتزجيرالد جوبها بتمنع الاكاديمية من قبل، وكلاهما حجرا زاوية في الكلاسيكية المعاصرة للادب الاميركي. ويقول وولف رداً على منتقديه: "ترى لماذا يترك العجوزان مايلر وابدايك مقعديهما كي يتصديا لهذا الكتاب؟ لعل انتاجهما في السنوات الأخيرة غرق في بحر النسيان من دون فقاقيع تذكر. انهما عاجزان عن مجاراة الاتجاهات الجديدة في الكتابة. ولا أحد يريد ان يستمع اليهما". عملياً، ليس كلام وولف بعيداً عن الواقع. فمنذ "أغنية الجلاد" العام 1979 لم يستطع مايلر إحداث فجوة تذكر في أوزون الرواية الاميركية، علماً بأنه بدأ عالياً مع روايته الأولى "العاري والميت" العام 1948، وأحدث ضجة سياسية وأدبية العام 1968 لدى صدور "جيوش الظلام". لكن تجربته الأخيرة في إعادة كتاب الانجيل لم تكن موفقة إلا بالنسبة الى عدد قليل من المتحمسين له، ناهيك عن اعجاب أدبي من النقاد. أما جون ابدايك، الشاعر وكاتب قصص الاطفال والروائي المعروف بمزجه الموفق بين المحلوم والمتخيل والواقعي، إضافة الى اسلوبه المشرق الوثاب، فقد تحول في السنوات الأخيرة الى مستثمر لماضيه أكثر منه محركاً لحاضره وهو لا يكف عن الشكوى لاعتلال صحته. يبقى ان الرابح الوحيد في النهاية هو مبيعات "الرجل الكامل" التي حطمت أرقاماً قياسية حتى قبل ظهور الطبعة الشعبية للرواية.