حين غادر الأديب الأمريكي الكبير جون أبدايك ضواحي أمريكا بعد عامه السبعين لم يتخيل أحد أنه بصدد كتابة رواية بعنوان «إرهابي» وهو الذي قضى عمره الأدبي كله في الكتابة عن عوالم الضواحي الأمريكية، بداية من قصته الأولى التي أرسلها في عام 1954 إلى مجلة ذي نيويوركر لتبدأ شهرته التي أوصلته إلى دخول القرن الجديد برتبة آخر أكبر الروائيين الأمريكيين الذين هم علي قيد الحياة. جون أبدايك المولود عام 1932 جاءت روايته الأخيرة «إرهابي» لتثير حوله الكثير من اللغط النقدي والاجتماعي، فالأديب الذي كرس كتابته كلها لملاحقة القدرة المدمرة للإيمان كما يقول جاك ديبليس صاحب كتاب موسوعة أبدايك، بدا الآن وكأنه يتفهم وبعمق الأثر الكلي للإيمان، بل وهذا هو الأهم الأثر الكلي لليأس من مؤسسات المجتمع. لقد وقف أبدايك إلى جانب الضحية «المسلم» في روايته، ووجد لها مبرراتها كضحية للمجتمع العالمي، أو المجتمع العولمي إذا جاز القول، وهذا ما أفزع النقاد والقراء الأمريكيين الذين اعتادوا أن ينظروا بريبة لكل ما هو مسلم ولكل ما هو عربي، فأينما يوجد عربي فهناك قنبلة في طريقها للتفجر كما يصور لهم إعلامهم بقوته هائلة القدرة والتأثير، ولذلك فقد راعهم تصوير أبدايك لبلادهم كأشد البلدان استرسالا في العنصرية وغرقا في تخمة الاستهلاك، واستغراقا في عصر الخفة السوقية، واصفا المسلسلات التليفزيونية الحمقاء المخدرة للأذهان وتلال الطعام الرديء وملابس الفتيات المثيرة للغرائز. وقد دفع ببطله أحمد المولود لأم أيرلندية وأب أمريكي، للنفور من كل هذا الإسراف والمبالغة الأمريكيين، ليرى في التدين وسيلة للهروب، أو للنجاة، من واقع أسري ممزق وواقع اجتماعي إعلامي للحد الأقصى. يقول أبدايك عن بطله «لقد أردت ابتكار شخصية إرهابي ولد في بلد عربي، وعرض بعض أوجه شخصيته لتوضيح ما يحمله على التحول إلى قنبلة بشرية.» وبرغم أن رواية إرهابي هي رواية أبدايك الثانية والعشرين، وبرغم فوزه بجائزة بوليتزر مرتين، وبرغم ترشحه المستمر لنيل جائزة نوبل في الآداب، ورغم اختيار الأمريكيين روايته «الأرنب» المكتوبة عام 1960 ضمن أفضل الروايات الخمس والعشرين التي صدرت في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، فإن كل ذلك لم يحصن أبدايك ضد هجمات النقاد الشرسة، فقد كتب كريستوفر هيتشنز في مجلة أتلانتيك منثلي يقول عن الرواية «إنها أسوأ نص كتبه شخص بالغ منذ الأحداث التي استلهمها بهذا القدر من الاستخفاف» قاصدا أحداث الحادي عشر من سبتمبر. كما كتبت النيويورك تايمز عن بطل الرواية قائلة «إنه صورة رائجة ليس به أي مصداقية وأقرب إلى رجل آلي منه إلى كائن بشري» كما قال جاك ديبليس «لقد فاجأني ذلك التعاطف الذي يبديه حيال شخص يقف على النقيض من المصالح الغربية.» ورغم كل هذا الهجوم صرح جون أبدايك لشبكة ال »سي.إن.إن» قائلا «إن الرواية ترسم صورة ودودة لرجل وقع في مؤامرة، وأعرب عن أمله في أن يبدي القراء بعض التسامح من أجل فهم الدوافع التي تحرك الإرهابي.» ولكن يبدو أن الأمريكيين الذين شاهدوا برجيهم يسقطان ليست لديهم الرغبة أبدا في تحمل ولو قدر صغير من المسؤولية عما حدث. لقد ارتاح الأمريكيون لضرب أفغانستان والعراق في سبيل الحرب المقدسة على الإرهاب، دون التسامح بشأن الدوافع التي تجعل من الإرهابي إرهابيا. ولذا فإن الصورة الودودة التي قدمها أبدايك هي آخر ما يتوقعه الأمريكيون من رجل شاهد من سطح مبنى في بروكلين بضاحية نيويورك برجي مبنى التجارة العالمي في لحظة السقوط الأخير. والحقيقة أن المثير للاهتمام بشأن هذه الرواية هو السؤال: لماذا تحول البطل إلى الإسلام؟. فإن كان البطل يتحدر عن والدة أيرلندية ووالد أمريكي انفصلا بعد تدهور حياتهما الزوجية، وإذا كان البطل قد راعته كل هذه الرداءة التي تسكن الحياة الأمريكية العصرية، وإذا كان تحول البطل إلى قنبلة بشرية بمثابة ضربة احتجاجية تجاه الوحدة والسخف والكذب الأمريكيين، فلماذا تحول البطل إلى «أحمد عشماوي» بتأثير «إمام أصولي مسلم»؟ لعل الإجابة عن هذه الأسئلة بسيطة وواضحة. إن الأمريكيين لا يمكنهم تصور الأصولية دون غلاف مكتوب فوقه صنع في البلدان العربية والإسلامية. ورغم محاولات رسم البعض للإرهابي في صورة ودودة فإن الإرهابي لابد أن يكون مسلما، حتى ولو كان من مواليد نيويورك، ولابد أن يعتنق الأصولية على يد إمام مسلم. فأينما يوجد المسلم فثمة قنبلة في طريقه للانفجار!