مملكة البحرين تفوز بجائزة "أفضل وجهة للمعارض والمؤتمرات" من مؤسسة لندن العربية    ولي العهد لترمب: نتطلع لتعزيز العلاقات التاريخية والاستراتيجية    مدرب العين: المباريات التي فزنا فيها الموسم الماضي أمام الهلال والنصر لو لعبناها 10 مرات قد نفوز مرة واحدة    الذئاب في قمة آسيا    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يبحث مع قائد الجيش الباكستاني تطوير العلاقات الثنائية    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    نائب أمير منطقة جازان يتفقد محافظة فيفاء ويزور معرض "المنتجات الزراعية الأول"    قوافل المساعدات السعودية تصل إلى شمال غزة    مدير فرع وزارة الصحة بجازان يدشن "الحملة الوطنية للتحصين ضد أمراض الحصبة"    محافظ الطائف يعقد اجتماع مجلس اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم    الخدمات الصحية بوزارة الدفاع تنظم المؤتمر لطب الأعماق والعلاج بالأكسجين    سامسونج تخطط لإطلاق نظارتها للواقع المختلط "Samsung XR Glasses"    الاقتصاد كلمة السر في فوز ترمب    أمير تبوك يستقبل القنصل الإندونيسي    إيكيا السليمان تفتتح معرض المدينة المنورة ضمن خطة توسع طموحة في المملكة    تحت رعاية ولي العهد.. «الحرس الوطني» تنظم قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية الطبية    جوع وتهجير قسري.. مخطط إسرائيلي لاحتلال «بيت لاهيا»    السواحه يناقش مع وزير الاقتصاد والصناعة الإستوني تعزيز الشراكة    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    رئيس مجلس الشورى يستقبل سفير سيرلانكا لدى المملكة    بعد التهنئة.. قادة العالم لترمب: نتطلع إلى التعاون وتعزيز الشراكات    أخضر الطائرة يعبر الأردن في البطولة العربية    أمير تبوك يقلد مدير التحريات الإدارية بالمنطقة رتبته الجديدة    الجمهوريون يسيطرون على مجلس الشيوخ الأمريكي    تراجع أسعار النفط مع ارتفاع الدولار في ظل تقدم ترامب في انتخابات الأمريكية    خطرات حول النظرة الشرعية    روسيا تنفي تدخلها في الانتخابات.. إخلاء مراكز اقتراع في 4 ولايات أمريكية    وزير الحرس الوطني يحضر عرضاً عسكرياً لأنظمة وأسلحة وزارة الدفاع الوطني الكورية    وزير الحرس الوطني يصل جمهورية كوريا في زيارة رسمية    آل الشيخ في مؤتمر «cop29»: تنوع الثقافات واحترام خصوصية كل ثقافة.. مطلب للتعايش بين الشعوب    السعودية تتقدم عالمياً في تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    «الشبح » يطارد نيمار    «الحسكي».. مكونات سياحية بمحمية الإمام تركي بن عبدالله    تبكي الأطلال صارن خارباتي    ازدهار متجدد    سلام مزيف    فلسفة الألم (2)    الحوادث المرورية.. لحظات بين السلامة والندم    سان جرمان وبايرن يسعيان للعودة إلى سكة الانتصارات    انقطاع نفس النائم يُزيد الخرف    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    يا كفيف العين    اللغز    خبراء يؤيدون دراسة الطب باللغة العربية    رأس اجتماع مجلس الإدارة.. وزير الإعلام يشيد بإنجازات "هيئة الإذاعة والتلفزيون"    عبدالوهاب المسيري 17    محمية الغراميل    اتفاقية بين السعودية وقطر لتجنب الازدواج الضريبي.. مجلس الوزراء: الموافقة على الإطار العام والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون    همسات في آذان بعض الأزواج    الألم توأم الإبداع (سحَر الهاجري)..مثالاً    15 شركة وطنية تشارك بمعرض الصين الدولي للاستيراد    المنتخب السعودي .. وواقعية رينارد    تأثيرات ومخاطر التدخين على الرؤية    التعافي من أضرار التدخين يستغرق 20 عاماً    أبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بخريطة "إنها طيبة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة إثيوبيا وإريتريا : من يحرك المياه الراكدة ؟
نشر في الحياة يوم 27 - 09 - 1998

تحاول الولايات المتحدة قذف حجر جديد في المياه الساكنة لتحريك مجهودات السلام وحل المشكلة الحدودية بين إثيوبيا وإريتريا. فقد اعلنت في 19 ايلول سبتمبر الجاري عن نيتها ارسال مبعوث الى الجارتين في شخص السيد انطوني ليك، مستشار الامن القومي السابق. لكن إريتريا بادرت بالقول ان مبادرة اميركا السابقة لم تكن ذات جدوى، ورغم ذلك لا تمانع في استقبال المبعوث. معنى ذلك ديبلوماسياً ان إريتريا لا تقبل بتكرار بنود التصالح التي عرضتها اميركا في مبادرتها الاولى.
ابراهيم الضاهر يستعرض:
من المدهش ان الصحافة الاثيوبية الخاصة تركز على ان الحرب بين البلدين على مرمى حجر، كما ان التقارير في الاذاعات الاجنبية، خاصة الاذاعة البريطانية، بحسب مراسليها في المناطق الحدودية بين البلدين، تشير الى الشعور المتنامي عند السكان بأن الحرب قادمة. وقد يكون هذا صحيحاً اذا لم يتم التوصل الى حل ديبلوماسي وسياسي عاجل، لأن فترة الركود الراهنة بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة. فمن المهم إذن ان نعود الى الازمة من بداياتها، ونرى الى اين يمكن ان تقود في ضوء التطورات الماثلة...
فهل حقيقة ان عدم التوصل منذ ايار مايو الماضي الى حل للأزمة الحدودية، هو مؤشر على ان الخلاف من اساسه كما حبة فول عصية من الصعب كسرها، مما يعني ان الازمة بالمفهوم التقليدي هي ازمة عدوان، لكن ليس هناك اجابة معقولة - حتى الآن - ومنطقية وواضحة ومتوازنة عن السبب. فمن الواضح ان الازمة جاءت كمفاجأة في البداية، واتضحت فيما بعد حقائق ثلاث:
الاولى، عدم وجود ترسيم للحدود بين إثيوبيا وإريتريا.
الثانية، تحرك البلدين في اتجاهات متعاكسة في علاقتيهما الاقتصادية وسياستيهما، خاصة بعد ان فشلت إريتريا في فهم تصميم إثيوبيا على اهمية التعامل بين عملتي البلدين عن طريق عملة صعبة ثالثة، وعلى التوكيد على تحجيم التهريب.
الثالثة، خضوع منطقة بادام الحدودية الى الادارة الاثيوبية حتى 12 ايار مايو الماضي حين احتلتها القوات الاريترية، وحتى اليوم فإن 400 كلم، في بادام ومنطقة شيراروا بما في ذلك سمبلي ومدينة بادام وأديستسيري، سلامو، هيبرت، منتشيب وأدمتي كلها في ايدي الاريتريين كما تقول إثيوبيا، كما توجد شرقاً في منطقتي زالامبسا وأليتنا القوات الاريترية تماماً كما تسود في الجنوب الشرقي البعيد على طريق ميناء عصب المواجهة بين الجانبين في الصحراء.
وللاجابة عن سؤال مشروع حول كيفية تدهور الامور بين اصدقاء وحلفاء الى هذا الدرك خلال شهرين فقط، يقول العارفون ببواطن الامور في الاقليم ان المسألة كلها هي في الاصل تصدع ثقة بين الجانبين منذ ان لجأت الحكومتان لأسباب واقعية الى اتخاذ قرارات ذات آثار بعيدة المدى على مستقبل صداقتهما. واصدق الشواهد على ذلك قرار إثيوبيا بعدم استخدام مصفاة ميناء عصب الاريتري وتركيزها على ميناء جيبوتي، وتبع ذلك قرار إثيوبيا بعدم السماح لبنك القرن العالمي، الاريتري التمويل، بمزاولة نشاطه على اراضيها.
عندها حصل التباعد الهادئ دون ضجة الى ان قررت إريتريا اصدار عملتها النقفة، وكانت تلك هي نقطة التحول البارزة في العلاقات بين البلدين بسبب الافتراضات الخاطئة. فإريتريا افترضت قبول إثيوبيا بتداول العملتين البِر بكسر الباء والنقفة في البلدين. ورفض إثيوبيا للفكرة اجهض خطط جارتها في اقامة سوق اقليمي للمنتجات ومصدر اقليمي للمواد الاولية الخام. وقد ادى ذلك الى اعادة تعريف العلاقة بين البلدين من جانب إريتريا على الاقل!
من هنا، وبعد اخفاق تبادل العملات في البلدين، بدا ان اي تفكير في الابقاء على علاقات اخرى غير منطقي، ومن ثم ظهر المشكل الحدودي - والذي لم يكن اسبقية - على السطح، وتم الاتفاق على اقامة لجنة مشتركة لتتصدى للادعاءات والادعاءات المعاكسة. وعقدت اللجنة اول اجتماع لها في بداية 1998 كما اجتمعت ثانية في 8 ايار مايو في اديس ابابا، لكن لم يحضر الاجتماع من الجانب الاريتري سوى وزير الدفاع. واشتملت الاجندة على موضوع واحد هو حادثة حدودية وقعت قبل يومين من الاجتماع، في السادس من ايار، حيث سقط قتلى من الجانبين، وقرر الجانبان عقد اجتماع آخر بعد شهرين بعد الاتفاق على اجراء تحقيق وبعد موافقة وزير الدفاع الاريتري على سحب قواته من المناطق التي احتلتها قبل السادس من ايار. وما وقع بعد ذلك كان عين المفاجأة فقد غزت إريتريا، وفقاً للتقارير الصحافية، منطقة بادام وبعضاً من منطقة شيرارو، واتخذت الازمة بين البلدين ابعاداً جديدة، خاصة بعد ان اجتازت الحدود ثلاث مجنزرات اريترية مما اعطى للأزمة البعد الانتهاكي او الهجومي.
فهل كان ممكناً تجاوز ما حصل؟ وهل كان يمكن تفاديه؟ فوفقاً لرئيس الوزراء الاثيوبي، ملس زيناوي، حاول من جانبه الاتصال بالرئيس الاريتري هاتفياً بعد ان تلقى تقارير مقلقة من الحدود على البلدين، لكنه فشل، فتحدث مع وزير الدفاع الاريتري، ثم وفق بالرئيس أفورقي بعد 48 ساعة - اي بعد فوات الاوان - وكان ذلك عامل ابتعاد بين قيادتي البلدين!
فإثيوبيا رأت في ما تطلق عليه "اعتداء إريتريا عليها" طعنة من الخلف. وتبع ذلك وقف الطيران وقطع الاتصالات السلكية واللاسلكية بين البلدين متبوعاً بترحيل الرعايا من البلدين مع تفادي حرب الموانئ والجو، بعد سقوط عدد من القتلى والجرحى اثر هجمات جوية متبادلة يدّعي كل من الطرفين انها أضرّت به!
ولقد أضرّت الأزمة بين إثيوبيا وإريتريا بتتويج الغرب لعدد من الرؤساء الأفارقة باعتبارهم يمثلون البعث السياسي في افريقيا، ومن بينهم ملس زيناوي وإسياس افورقي والتحالف الذي كان قائماً بينهما. واظهرت الازمة، بالمقابل ان الامر اكبر من كونه صراعاً حدودياً حول بادام بدليل ان الرئيس الاريتري اعلن صراحة ان انسحاب قواته يعد عملاً مستحيلاً.
وأيدت الأمم المتحدة جهود منظمة الوحدة الافريقية، وظل الاتحاد الاوروبي في الظل ينتظر، فيما عانت الولايات المتحدة من رفض إريتريا مبادرتها السابقة، غير انها عادت مجدداً بمبادرة جديدة بعد شعورها المؤكد بأن الحرب على الابواب بين البلدين.
نقول هذا لأن موسم الامطار اتجه جنوباً الآن. فالفترة ما بين حزيران يونيو والآن منحت كلاً من البلدين فرصة وضع استراتيجية له، والمؤسف انه خلال تلك الفترة لم يمنح عدم الثقة بين الجانبين أي فرصة للحل السلمي. ويبدو ان القناعة عند الاثنين نتيجة الإحباط هي خيار الحرب!
وحسب استقراءات شركاء الدولتين في الغرب، الذين ينظرون باعجاب لمحصلة السنوات السبع الماضية في مجال خفض سجل الديون وفي التعاون التنموي، فان إثيوبيا التي تمتعت بانعاش اقتصادي سريع اكثر من إريتريا ستكون الخاسر الاكبر، من دون وجود مقترحات لحلول آنية ومرئية للمشكل! وبالمقابل هناك عدد من المراقبين في منطقة القرن الافريقي يجزمون بأنه لو لم يتم انفراج ديبلوماسي، وبشكل سريع وعاجل، فان إثيوبيا ستجد نفسها مضطرة لأخذ الامور بطريقتها، لأن الشعور السائد في العاصمة الاثيوبية ان المجتمع الدولي ليس لديه الاستعداد لبذل ضغوط ينجم عنها تراجع اريتري.
وبعد كل هذا، فان إثيوبيا وإريتريا ليس امامهما سوى العيش معاً وسيظلان يحتاجان بعضهما، لكن باختلاف جذري هو التغيير في المفهوم القديم حول تعايش كل منهما داخل الآخر، الامر الذي انهار بصورة "دراماتيكية" خلال شهور معدودة من العداء.
وخلاصة الامر، ان الاثيوبيين والاريتريين في هذه المرحلة وصلوا الى حد القناعة بأن إثيوبيا للاثيوبيين وإريتريا للاريتريين، والمستقبل وحده هو الذي يحدد اي نوع من الصداقة الحميمة يمكن ان تقوم بين الشعبين على اساس التفاهم المشترك.
فمن الصعب النظر الى المستقبل بين البلدين في ظل الظروف الراهنة، فيما المطلوب حقيقة تفادي اندلاع حرب في وقت يتنامى الشعور بقرب وقوعها، ما لم يتم التوصل الى حل ديبلوماسي وسياسي. والرسالة الوحيدة للمجتمع الدولي ومنظمة الوحدة الافريقية هي ان يلتفت الى النزاع الاثيوبي - الاريتري قبل ان تنفجر قنبلة زمنية موقوتة. ذلك ان العد التنازلي قد بدأ فعلاً، والله اعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.