أخيراً صدرت عن دار "سيكر وواربورغ" في لندن، مجموعة الأعمال الكاملة لجورج أورويل، في 21 مجلداً أعدّها بيتر دايفيسون. وصدورها ترافق مع الاحتفال بالأديب والروائي البريطاني الذي كان أيضاً صحافياً ومذيعاً وكاتب عمود ومُراجع كتب و... ولئن طغى، لدى الكلام على أورويل، الحديث عن رواياته، فهذا لا يلغي أهمية نشاطاته الأخرى: فهو مخترع الدراسة الجدية للثقافة الشعبية من خلال "مجلات الأطفال" و"فن دونالد ماكغيل"، كما ترك مقالات بهرت النقاد عن رأي تولستوي بشكسبير وعن كيبلنغ وديكنز وهنري ميلر وأرثر كوستلر وت. إس. إليوت. ودائماً بقيت حياة أورويل الشخصية موضوعاً محبباً، إن لم يكن ساحراً. فهو المغامر الشاب الذي ترك المدرسة لينضم الى الشرطة الملكية البريطانية في بورما، ثم تخلى عن دكانه الصغير وزراعة الخضار في هيرتفوردشاير، ليشارك الى جانب الجمهوريين في الحرب الأهلية الاسبانية 1936 - 1939. مع هذا فحياته نفسها تركت آثاراً أخرى على صورته كمثقف وأديب. فأورويل الذي ارتبط عميقاً بالتراث العمالي والاشتراكي البريطاني، شارك الآخرين من معتنقي أفكاره قناعتهم بأن ديموقراطية غير اشتراكية خير من اشتراكية غير ديموقراطية. وكانت تجربة الثورة الروسية ومن بعدها الستالينية قد علمتاه أن المحافظين اليمينيين لا يقتلون الاشتراكيين، أما الشيوعيون فيفعلون. لهذا رأيناه يعمل مع السلطة البريطانية، ابان الحرب الباردة، في جمع معلومات ضد الشيوعيين والمشتبه بأنهم كذلك. وعلى ما توضح رسائله، بما فيها المتبادلة مع أرثر كوستلر، الشيوعي السابق ثم المعادي بضراوة للشيوعية، بل على ما يدل عمله في "قسم أبحاث المعلومات" الذي أنشأته حكومة أتلي العمالية، ورعاه وزير الخارجية العمالي واليساري إرنست بيفن، فقد ذهب بعيداً في عدائه للستالينية والشيوعية، والى الحد الذي أجاز طرح أسئلة جدية عن دور المثقف وجواز قيامه بأدوار كهذه. وامتدت الأسئلة لتطول رواياته نفسها، لا سيما العملين الأشهر اللذين وضعهما في سنواته الأخيرة: "مزرعة الحيوان" و"1948". فهناك، اليوم، بين النقاد البريطانيين وجهة نظر تتنامى بأن الأهمية الأدبية لهذين العملين، خصوصاً الثاني، أقل مما أُسبِغ عليهما بفعل الحرب الباردة وتحت تأثيرها. ويبدو أنه، مع انتهاء هذه الحرب وتراجع كابوسها، بدأ "الكلام الجديد" يطول أورويل نفسه، من موقع ديموقراطي هذه المرة