عندما زار الأديب الإرلندي جورج برنارد شو لبنان في منتصف الخمسينات، وجال على معالمه الطبيعية والأثرية، استوقفته عظمة قلعة بعلبك، فقال معلقاً بسخريته المعهودة "لو كانت هذه القلعة في بريطانيا لألغينا الضرائب عن الشعب البريطاني". ما أكثر قلاع لبنان وما أغناه بالمعالم الأثرية التي تحكي تاريخاً طويلاً وتتحدث عن شعوب وحضارات، وتشكل مادة دسمة لحركة سياحية لا تتوقف. وإذا كانت عظمة ما هو في مقام بعلبك أو حتى أدنى، تلغي الضرائب في بريطانيا، فينبغي ان تغطّي قلاع لبنان وحكاياتها الضرائب وتكاليف مشاريع إعادة الإعمار إذا استغلّت بالأسلوب الصحيح. وقد نشطت وزارة السياحة اللبنانية - وضمن خطة تمتد سبع سنوات وفي المرحلة الآنية منها - في إعادة تأهيل معظم القلاع والمعالم الأثرية من جبيل الى بعلبك وصور وصيدا وغيرها والتي أصبحت تجتذب السياح من كل حدب وصوب. ويشكل هذا العمل خطوة أولى في مسيرة استعادة لبنان دوره السياحي بعدما عاد الى الخارطة السياحية العالمية ليحتل هذا القطاع مجدداً نسبة مرتفعة من الدخل الوطني تبلغ حالياً 26 في المئة، بعدما بلغت عام 1974 نسبة 8.21 في المئة. وتتضمن خطة وزارة السياحة مراحل على المديين المتوسط والطويل، ليدخل لبنان القرن ال 21 من الباب الواسع. وما يقوم به القطاع العام على صعيد مشاريع البنى التحتية لتأهيل كل أنواع الخدمات وبالتالي نهضة السياحة، تواكبه نهضة ينفذ مشاريعها القطاع الخاص لاستكمال حلقة الخدمات السياحية. وقد اجمع القيّمون على القطاع على ان المرحلة الراهنة تحضيرية وأن الازدهار منتظر في السنة 2000 وما بعدها. وتوافق هؤلاء على ان الحركة السياحية التي يشهدها لبنان تتمثل في الاصطياف ورواده من الرعايا العرب وبسياحة "الأعمال" المتمثلة بزيارة الأجانب لحضور المؤتمرات المتخصصة، في حين تفتقر الحركة الى العنصر الأساسي للسياحة المتمثل بالطبقة المتوسطة للسياح التي تجول في أقطار العالم، بسبب عدم توافر الفنادق التي تلائم قدراتها المالية. والقطاع الفندقي يعي هذا النقص ويسعى الى تغطيته، لتكون البنية الأساسية للسياحة جاهزة مع بداية الألف الثالث. وعلى رغم هذا الواقع، تشير الاحصاءات التي أعدتها الوزارة ومنظمة السياحة العالمية الى ان الأرقام المسجلة بدءاً من عام 1996 أظهرت تطوراً في الحركة أسهم فيها التقدم في مشاريع إعادة تأهيل البنى التحتية للخدمات، والمهرجانات التي تنظمها وزارة السياحة والنشاطات التي تقدمها مؤسسات القطاع السياحي الخاص. وتتوقع وزارة السياحة دخلاً قيمته 5.1 بليون دولار وارتفاعاً في عدد السياح، بعدما سجل العام الماضي 545 ألفاً مع دخل فاق البليون دولار، فيما سجّل عام 1996 نحو 415 ألف سائح مع دخل بلغ 715 مليون دولار. وهذه الأرقام تستند الى احصاءات منظمة السياحة العالمية. هذا النموّ الذي يتوقع ان يحافظ على الوتيرة نفسها هذه السنة لم يتوصل اليه القطاع السياحي بسهولة بل كانت دونه عقبات وأعباء مالية وضريبية. اذ ان موازنة وزارة السياحة في الأعوام الخمسة الماضية كانت ضعيفة جداً ولم تتجاوز أربعة بلايين ليرة سنوياً، في حين ينبغي، حسب توصيات منظمة الصحة العالمية، ان تشكل خمسة في المئة من المدخول السياحي أي ما يعادل 35 مليون دولار. هذه الصعوبات المالية تنسحب على القطاع الفندقي الذي تطول لائحة مطالبه، بدءاً بتمويل المشاريع عبر قروض ذات فوائد مخفوضة أو مدعومة، مروراً بالاعفاءات الجمركية على كل ما يستورده القطاع للتجهيز والتأهيل، وصولاً الضرائب على الخدمات التي تقدمها الفنادق. وكان المطاف الأخير ضريبة الخمسة في المئة التي فرضتها الدولة على كل المؤسسات السياحية التي يرى القيّمون على القطاع انها ستؤخر النمو المتوقع وستحدّ من الاقبال على الاستثمار وبالتالي سترفع كلفة السياحة في وقت تعمل فاعليات القطاع على تحسين "السمعة" الشائعة بأن "لبنان الأغلى سياحياً". ويجد هؤلاء ان توقيت هذه الضريبة في غير محله لأن الورشة قائمة وستزيد فاتورتها. لبنان في صيف 98، ينتظر مواطنيه وسياحه، ومهرجاناته حافلة تتنقل، حتى بداية الخريف، بين معلم وآخر، من بعلبك الى بيت الدين ومن صور الى جبيل، إلى المهرجانات الأخرى التي تنظمها وزارة السياحة في مختلف المحافظات، بدءاً من مهرجان المطبخ اللبناني إلى المعارض والحفلات الموسيقية والغنائية ومهرجانات الضيع والليالي اللبنانية التي يربو عددها على 47.