ستزود تكنولوجيا جديدة الطاقة لمنزل اميركي في برهان آخر على ان "خلايا الوقود" صارت شبه مقبولة كبديل اقتصادي لمصادر الطاقة التقليدية. ويعرف العالم فكرة "خلية الوقود" منذ اكثر من مئة عام وهذه الخلية تحوّل وقوداً سائلاً الى طاقة كهربائية عن طريق استخدام تفاعل كيماوي بدلاً من استخدام الاحتراق. وحتى عهد قريب كانت خلايا الوقود باهظة الثمن جداً، ولم يكن من العملي والواقعي استخدامها الا في الرحلات الفضائية التي تنظمها وكالة الفضاء الاميركية ناسا. لكن الخلايا التي يجري اختبارها حالياً قوية ومرنة ويعوّل عليها على نحو يكفي لكي تكون مصدر طاقة ارضي بثمن مقبول. وسيقوم قريباً جداً فريق من المهندسين بقطع التيار الكهربائي الذي توفره شركة المصالح العامة المحلية لمنزل مصنوع من الطوب العادي تحيط به ارض شاسعة في بلدة ليثم في ولاية نيويورك، وسيدير هذا الفريق جهازاً يشبه جهاز تكييف الهواء المنزلي اكثر مما يشبه مصنعاً كيماوياً صغيراً علماً ان الخلية هي بالفعل مصنع كيماوي صغير. ومن التطورات التي شهدتها الاسابيع القليلة الماضية بيع خلية وقود اولي تجارية لمديرية النقل في ولاية نيوجرزي التي ستستخدمها في تسيير اشارة سير ضوئية، وبيع السيارة الاولى التي تحركها خلية وقود صنعها طلاب في جامعة هامبوت التابعة لولاية كاليفورنيا. وفي نيسان ابريل الماضي استثمرت شركة فورد 420 مليون دولار في انشاء شركة "بالارد باور سستمز" التي ستنتج خلايا وقود في فانكوفر والتي تستثمر فيها شركة ديملر - بنز الالمانية ايضاً مبالغ طائلة. ويقول مسؤولون في وزارة الطاقة الاميركية، التي تساهم في تمويل الاختبارات والتجارب في ليثم، انهم يعلقون آمالاً كبيرة على نشوء وضع يستخدم فيه آلاف المنازل طاقة كهربائية مستمدة من خلايا وقود يسيرها الغاز الطبيعي او البروبين، ما يخفض التلوث ويستلزم انتاج طاقة تقليدية اقل وذلك في خلال بضع سنوات. وقال وزير الطاقة الاميركي فيديريكو بينا، في مقابلة هاتفية اجريت معه: "شهد العام الماضي فتحاً لا يستهان به وسنرى قريباً خلايا الوقود في المنازل والسيارات وفي اماكن اخرى خلال فترة اقصر بكثير مما كنا نتوقعه". ويقول دان ريتشر، مساعد وزير الطاقة المولج بشؤون فعالية استخدام الطاقة والطاقة المتجددة: "بدأ طرح المنزل الذي تسيّر فيه خلايا الوقود البراد الكهربائي ومكيف الهواء في الغرف والضوء الكهربائي". والتحسينات في المكونات البالغة الرقة هي المسؤولة عن جعل خلايا الوقود اكثر عملية في هذه الخلايا. وتشبه هذه المكونات المادة البلاستيكية الشفافة التي تُلف بها المواد الغذائية، او ورق الشوكولا المصنوع من الالومنيوم. وهذه المكونات تحوّل تفاعلاً كيماوياً اساسياً وهو التفاعل الذي يتناول دمج الاوكسجين بالهيدروجين لانتاج الماء الى اساس ثورة في عالم الطاقة. ويدعى قلب خلية الوقود التي تستخدم وتجرّب في منزل في بلدة ليثم، والتي يُنظر في أمر استخدامها في السيارات، غشاء لتبادل البروتونات. فعندما تضغط نواة هيدروجينية - مؤلفة من بروتون واحد ومن الكترون واحد - على ذلك الغشاء، يعبره البروتون لكن الالكترون لا يستطيع العبور، ما يولّد شحنة ايجابية على طرف واحد من الغشاء وشحنة سلبية على الطرف الآخر او الوجه الآخر. واذا ضُمّت الشحنتان أو وصل بينهما شريط ينتج عن العملية تيار كهربائي. ويقول جوناثان لنارد، المشرف على برنامج انتاج خلايا الوقود في مديرية شؤون رعاية نوعية الهواء التابعة لمنطقة الساحل الجنوبي في ولاية كاليفورنيا، وهي مديرية مؤلفة من عدد كبير من المديريات الحكومية المماثلة التي تتابع باهتمام بالغ الابحاث الخاصة بخلايا الوقود: "فصل الماء الى اوكسجين وهيدروجين عملية بسيطة تحتاج الى طاقة كهربائية، لكن جمع هاتين المادتين لانتاج الماء والكهرباء اسهل بكثير من فصلهما". ولا شك في ان مايكل ولش ليس من المشككين ابداً، فهو مهندس ميكانيكي ومستشار للشركة التي تقوم بتجارب ليثم وتدعى "بلاغ باور". يقول ولش ان هذه الاجهزة كافة تعمل بالكهرباء وبصرف النظر عن مصدر الطاقة الكهربائية، ولن يستطيع مستخدمو هذه الاجهزة التمييز بين الكهرباء التقليدية وبين الكهرباء المولّدة بواسطة خلايا الوقود. لكن على رغم الفتح الذي حققته خلايا الوقود فهي لا تزال باهظة الثمن بالنسبة الى الاستخدام اليومي. وتقول الشركات المنتجة للسيارات، التي ربما كانت اكثر من سيستخدم هذه التقنية الجديدة، ان هذه الخلايا قد تكلف اكثر مما يكلف المحرك الذي يديره الاحتراق الداخلي بمئة ضعف في كل حصان واحد من القوة. وفي تقديرات شركة "كرايزلر"، على سبيل المثال، ان كل خلية وقود من الحجم الذي يستخدم في السيارات ستكلفها 170 ألف دولار. كما ان استخدام المنازل لخلايا الوقود يكلف اكثر بكثير من استخدام الكهرباء التقليدية. ولا يفصح المسؤولون عن "بلاغ باور" عن كلفة نموذجهم الاولي على اعتبار ان مسألة الكلفة ليست بالغة الاهمية لكنها كبيرة جداً على رغم ان النموذج الاولي يسمح بانتاج آلاف الوحدات الاضافية بتكلفة متدنية. ويتكهن المسؤولون عن "بلاغ باور" بأنهم سيستطيعون انتاج خلايا وقود تجارية للمنازل بحلول سنة 2000 بسعر يراوح بين ثلاثة وخمسة آلاف دولار لكل خلية. وتنوي شركة "ديترويت اديسون"، التي تشارك في تجارب "بلاغ باور"، شراء بين 30 و50 الف وحدة. وتأمل شركة ناشطة من ولاية نيوجرزي اسمها "ايتش باور"، ايضاً في ان تتمكن من بيع كميات كبيرة من الخلايا. ففي آذار مارس الماضي باعت الشركة ما وصفته بأنه الخلية الاولى التجارية غير المدعومة مالياً والتي ستزود اشارة ضوئية مركبة على عربة بالطاقة الكهربائية. وتستخدم هذه الاشارات الضوئية عادة في تحذير سائقي السيارات من مشاريع الاشغال العامة الموجودة على طول طريق من الطرقات. وستبيع الشركة 65 خلية وقود لقاء 759 الف دولار. ويقول آرثر كوفمان، احد المسؤولين التنفيذيين في "ايتش باور" ان "عملية البيع مرفقة بالضمانات وتخضع للشروط التجارية العامة".