نيروبي - أ ف ب - لا يرى المراقبون ما يبرر النزاع المسلح الذي اشتعل بين اريتريا واثيوبيا. فلا الخلافات على الحدود او على الامور الاقتصادية ولا المشكلات السياسية الداخلية تكفي لتكون مبرراً مقنعاً لما وصفه رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي بأنه اعتداء اريتري "يتسم بالجنون"، فيما يتصاعد الغليان في مناطق اخرى من القرن الافريقي. وكانت اريتريا واثيوبيا المطلتان على البحر الاحمر تعتبران في نظر المجموعة الدولية منطقة استقرار وسداً يقف في وجه الاصولية الاسلامية وفي وجه امتدادات الازمتين السودانية والصومالىة. ويساند البلدان بنسبة متفاوتة المعارضة السودانية للنظام في الخرطوم، وان كانت أسمرا هي الأبرز في هذا الاطار. كما ان البلدين يتلقيان مساعدة من الولاياتالمتحدة ويستعينان بالقوات الاسرائيلية في تدريب قواتهما. ويقوم التزام الرئيس الاريتري اساياس افورقي الوقوف الى جانب المعارضة السودانية على خوف من قيام معارضة اسلامية في بلاده التي تضم مسيحيين ومسلمين. الى ذلك فان الهجوم الكبير الذي شنته المعارضة في شرق السودان في كانون الثاني يناير 1997 انطلق من حدود هذين البلدين. لذلك فإن الخرطوم كما يقول أحد الديبلوماسيين: "تحتفل بالمناسبة". والبلدان حليفان ايضاً لأوغندا، وهي بدورها في نزاع مع السودان، وساعد كلاهما النظام الرواندي. ويمثل الزعيمان الاريتري والاثيوبي، الى جانب الرئيس الاوغندي يويري موسيفيني ونائب الرئيس الرواندي بول كاغامي، جيلاً من الزعماء الافارقة الذين يحظون بالدعم الاميركي. ولعل ذلك هو السبب الاول في الوساطة المشتركة التي تقوم بها كل من واشنطن وكيغالى لانهاء النزاع المسلح بين اسمرا واديس ابابا. ويشهد البلدان مشكلات لا على حدودهما الغربية فقط وانما على الحدود الشرقية ايضاً. فاريتريا دخلت منذ 1995 نزاعاً مع الىمن على جزر حنيش في البحر الاحمر، فيما تحتفظ اثيوبيا بقواتها في حال تأهب في منطقة اوغادين وعلى الحدود مع الصومال لمواجهة اي عمليات محتملة خصوصاً من جانب حركة الاتحاد الاصولية. وسبق للبلدين ان احتفلا معاً قبل سبع سنوات بالانتصار على نظام الكولونيل منغيستو هايلي ميريام. ولا يعاني اي منهما كثافة سكانية لكي يقتتلا على بضع مئات من الكيلومترات المربعة. فمساحة اثيوبيا مليون و 100 الف كلم مربع وسكانها 58 مليوناً، بينما تبلغ مساحة اريتريا 121 الف كلم مربع وسكانها لا يتجاوزون الثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة. وكانت اريتريا دخلت مرحلة الاستقلال في 1993 من دون مشكلة خصوصاً ان النظام الاثيوبي اعتبر أمر الحكم الذاتي لشعوبه واحداً من مبادئه السياسية. وقد اختارت اثيوبيا منذ ذلك الحين نهجاً اقتصادياً اكثر "ليبرالىة" وضعفت علاقاتها الاقتصادية مع الاقليم السابق. لكن ذلك ليس مبرراً للحرب. وعلى الصعيد الداخلي لا يعاني افورقي وزيناوي صعوبات كبيرة. وقد اقصى الاول رفاق الكفاح بتهمة الفساد واخذت المعارضة على الثاني مسايرته لأريتريا. الا ان تكالىف النزاع ستكون باهظة. فعلى الصعيد الاقتصادي ستخسر اريتريا عائدات ميناء عصب الذي تمر عبره نسبة 75 في المئة من تجارة اثيوبيا. وقد عبر عن ذلك الرئيس الاثيوبي الذي قال في مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي: "فقدنا الثقة التي كانت لدينا سابقاً ويجب الكثير من الوقت لاستعادة هذه الثقة". من جانبها سيكون على اثيوبيا ان تعود الى اعلان التعبئة في صفوف جيشها فيما كانت تخطط لتعبئة معظم امكاناتها في اتجاه التنمية الاقتصادية. وقد اوضح رئيس الوزراء الاثيوبي ان بلاده "اعلنت التعبئة العامة قبل ثلاثة اسابيع". وفي موازاة التصعيد على الحدود الاريترية - الاثيوبية، يتصاعد الغليان في مناطق اخرى من القرن الافريقي خصوصاً في السودان والصومال. ففي السودان الذي تمزقه الحرب الاهلية بين الجنوب المسيحي والارواحي والشمال المسلم، اتسمت المعارك منذ اسبوع بالضراوة بين القوات الحكومية ومتمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان. وعمدت الخرطوم الى ارسال تعزيزات الى مناطق القتال. وتحدثت الصحف السودانية الخميس الماضي عن مقتل "اكثر من مئة جندي" قبل ايام في المناطق الشرقية. واعلن المتمردون من جانبهم انهم استولوا على مدينة اولو الاستراتيجية وقتلوا 72 عسكرياً حكومياً، لكن الخرطوم نفت سقوط هذه المدينة. واليوم الجمعة اعلن "الجيش الشعبي لتحرير السودان" في المنطقة نفسها في جنوب النيل الأزرق عن "اعنف معركة منذ عام كامل" مع القوات الحكومية، مؤكداً ان المتمردين قتلوا 300 عسكري حكومي واصابوا 500 بجروح وأسروا 12 واستولوا على دبابة من طراز "تي 52" و11 عربة مدرعة لنقل الجنود. وفي الصومال ازدادت حدة المعارك بين سائر الفصائل المتناحرة وسقط صباح الخميس الماضي 26 قتيلاً واصيب 56 بجروح في مدينة بيداوة جنوب غربي البلاد بين قوات الحرانيين ورجال حسين محمد عيديد. وحول العاصمة مقديشو وفي الاقالىم المجاورة قتل 28 شخصاً على الاقل وجرح 39 آخرون في معارك عنيفة اندلعت بين القبائل. يشار الى ان الصومال التي لا تقوم فيها اي حكومة معترف بها تشهد منذ 1991 بعد اقصاء الرئيس محمد سياد بري حروباً متواصلة بين الفصائل التي تعتمد على الولاءات القبلية. ورأى أحد زعماء الحرب عثمان علي عاتو ان اتفاق السلام بين الفصائل الصومالىة الذي وقع في القاهرة في كانون الاول ديسمبر الماضي قد "مات" ودعا الى اتفاق بديل. وينص اتفاق القاهرة على عقد مؤتمر للمصالحة بين الفصائل الصومالىة، كان من المقرر ان يلتئم في بيداوة وتم ارجاؤه اكثر من مرة ثم تأجل الى اجل غير مسمى بسبب الخلافات الكبيرة في مواقف الفصائل المعنية.