أعرب عضو الكنيست يوسي بيلين، احد قادة حزب العمل الاسرائيلي، عن خيبة امله من نجاح بنيامين نتانياهو في الافلات من العقاب الاميركي على رغم اصراره على رفض المبادرة التي تقدمت بها مادلين اولبرايت لجسر الهوة بين مواقف اسرائيل والسلطة الفلسطينية بخصوص اعادة الانتشار. وكان بيلين وعدد من قادة اليسار حذروا الرأي العام الاسرائيلي من ان تشدد نتانياهو سيؤدي الى تهديد ثبات العلاقات الاستراتيجية بين اسرائيل والولاياتالمتحدة، الا ان توقعات اليسار لم تتحقق. وهذا ما جعل المراقبين يتوقعون تمادي نتانياهو في تحدي الادارة بشكل متزايد. وورد في مقال كتبه المعلق السياسي لصحيفة معاريف "لم يكن رئيس الوزراء الاسرائيلي الأول الذي قال لا لرئيس اميركي، لكن الذين سبقوه لم يبدوا وكأنهم يستمتعون بمواجهة الرؤساء الاميركيين كما يفعل نتانياهو". ويؤكد ناحوم برنيع كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت احرونوت" ان نتانياهو يكثر الحديث عن قدرته على قهر ادارة الرئيس كلينتون يديعوت 8/3/1998، اما بن كاسيت احد مقدمي البرامج الاخبارية في القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي فيكتب في معاريف "استخدم نتانياهو كل الحجج ليتملص من مواصلة العملية السياسية واستحقاقاتها، لقد تألق في تقديم المطالب للفلسطينيين وصاغ من اجلهم شتى الوثائق التعجيزية، واستطاع مرمرة حياة قادة السلطة الفلسطينية ومبعوثي الادارة الاميركية، وتمتع برؤية دنيس روس وهو ينتظر على بابه. جرب نتانياهو كل الخدع المعروفة، بل انه ابتدع خدعاً جديدة حتى لا يواصل العملية السياسية" معاريف 8/5/1998، ويقول امنون داكنر احد المعلقين السياسيين في اسرائيل في مقابلة مع التلفزيون الاسرائيلي "اهان نتانياهو كلينتون باصراره على عدم التجاوب مع المبادرة الاميركية التي يعلم رئيس الوزراء قبل غيره ان الفلسطينيين بقبولها قد قدموا تنازلاً كبيرا". ويستغرب حامي شليف المعلق السياسي لصحيفة معاريف رفض نتانياهو للمبادرة الاميركية التي يصفها بأنها "اكبر انجاز لسياسة نتانياهو، لأنها تتجاوز اطار اوسلو كما ان موافقة السلطة الفلسطينية عليها تعكس انتصار سياسة خفض التوقعات التي ينتهجها نتانياهو تجاه الفلسطينيين. ويواصل شليف تناوله للمبادرة الاميركية قائلاً "لو كانت الظروف غير تلك السائدة حالياً لنظر العرب والفلسطينيون للمبادرة على انها مجرد مؤامرة صهيونية حيكت في اروقة اللوبي اليهودي المظلمة، ان هذه المبادرة لو قبلها نتانياهو لحققت انجازات سياسية كبيرة لاسرائيل بثمن بخس تفوق كل الانجازات التي حققها العرب في الآونة الاخيرة" معاريف 25/3/1998. وسخر يوئيل ماركوس احد ابرز المعلقين السياسيين في صحيفة "هآرتس" من قيام دنيس روس بجولاته المكوكية بين غزةوالقدس واعطائه الفرصة لنتانياهو لكي "يحقر الولاياتالمتحدة" ويضيف ماركوس "انه لأمر مثير للاحراج ان يقضي ممثل اكبر دولة في العالم اكثر من عامين في امور تافهة ومن دون احراز نتائج، ولقد تحول كل من دنيس روس ومارتن انديك الى دمى في ايدي نتانياهو وظهرت الولاياتالمتحدة كما لو كانت نمر من ورق". وفي محاولة لاحراج كلينتون اعلن نتانياهو بعد لقاءات لندن وعشية زيارته لواشنطن ان الرأي العام الاميركي والكونغرس بمجلسيه والمنظمات اليهودية ووسائل الاعلام الاميركية تؤيد ومن دون ادنى تحفظ الموقف الاسرائيلي. وادعى نتانياهو ان جنرالات اميركيين زاروا اسرائيل اخيراً ونصحوه "الا يتنازل عن سنتيمتر واحد لصالح الفلسطينيين لأن ذلك يمس بالأمن الاسرائيلي"، حتى عندما اوضحت اولبرايت لنتانياهو ان تشدده سيؤثر سلباً على مكانة عرفات ويفسح المجال لتقوية العناصر المتشددة في الجانب الفلسطيني، استخف نتانياهو بهذا الاعتبار وقال الناطق بلسانه شاي بزاك "نحن نعلم ان مكانة عرفات ثابتة ومستقرة، ومن ناحية ثانية نحن من واجبنا الاصرار على مصالحنا الأمنية والاستراتيجية ولا يعنينا ان يتأثر مصير هذا او ذاك بهذا الاصرار". حاول المعلقون والمراقبون في اسرائيل استيضاح دوافع نتانياهو وعدم اكتراثه بالمخاطرة بمواجهة الادارة الاميركية، يقول وزير الخارجية والدفاع السابق موشي ارنس الذي شغل في الماضي منصب سفير اسرائيل في العاصمة الاميركية ان نتانياهو يعلم ان اسرائيل لن تدفع اي ثمن سياسي او اقتصادي او عسكري جراء المواجهة مع ادارة كلينتون، وفي حديث مع راديو اسرائيل استذكر ارنس - الذي اكتشف نتانياهو وزج به في عالم السياسة - زيارة وزير الدفاع الاميركي وليام كوهين الاخيرة لاسرائيل حين وافقت الولاياتالمتحدة خلالها على تمويل خطة اسرائيل لتحديث جيشها وتبلغ 15 بليون دولار على رغم ادراك الولاياتالمتحدة ان نتانياهو هو الذي يعيق التقدم في العملية السياسية، ويتفق سيمحادينتس احد زعماء حزب العمل وسفير سابق لاسرائيل في الولاياتالمتحدة مع ما ذهب اليه موشيه ارنس ويضيف "ان الولاياتالمتحدة تحت زعامة كلينتون لا تضع في حساباتها مطلقاً ممارسة ضغوط على اسرائيل". ويوضح الصحافي عكيفا الدار ان كلينتون لن يلجأ الى ما قام به بوش عندما لم يوافق على اقرار الضمانات المالية لاسرائيل لتتمكن من استيعاب المهاجرين الروس عندما حاول اسحق شامير التملص من حضور مؤتمر مدريد، وذلك لأن كلينتون لا يريد ان يدفع الديموقراطيون الثمن الذي دفعه بوش بخسارته انتخابات الرئاسة في العام 1992 هآرتس 1/5/1998، بينما يرى الكاتب والصحافي يوسف حاريف ان كلينتون وجد نفسه امام وضع غير مريح اذ ان نتانياهو اقنع بالفعل قيادة الكونغرس والمنظمات اليهودية ان المشكلة لا تكمن في تنفيذ هذه النسبة او تلك من اعادة الانتشار بل ان الامر يتعلق بأمن ومستقبل اسرائيل. ويضيف حريف "توصل كلينتون وأولبرايت الى نتيجة مفادها انه ليس بالامكان اخضاع نتانياهو وان كل ما يمكن عمله هو محاولة العثور على حل ابداعي يقنع نتانيانو". يشير المراقبون في اسرائيل الى دور النفوذ الذي يتمتع به نتانياهو داخل العاصمة الاميركية وتأثيره على ردة فعل ادارة كلينتون الى جانب استغلاله للأوضاع الداخلية الاميركية، فيقول امنون ابرامورفيتش احد المعلقين البارزين في التلفزيون الاسرائيلي "ان نتانياهو لم يكتف برفض المبادرة الاميركية بل انه يرش الملح على جروح كلينتون، انه ينظم الحملات الاعلامية ضد الادارة في عقر دارها وهو يعلم انه يستطيع تجنيد كتائبه في واشنطن لمواجهة كلينتون في كل وقت". ويقتبس ابراموفيتش ما قاله نتانياهو لمسؤول اوروبي زار اسرائيل "ان في هذا العالم دولة عظمى واحدة وهي بكل تأكيد ليست الولاياتالمتحدة برئاسة كلينتون". ويشير دان بيتير الخبير في الشؤون الاميركية ان واشنطن هي "الملعب البيتي لنتانياهو". وانه ليس من السهل على رئيس وزراء اسرائيل تجنيد 81 سناتور اميركي لصالحه في وقت تمر فيه العلاقات الثنائية بأزمة. ويذكر الصحافي ناحوم برنيع بالدور الذي يقوم به نائب الرئيس آل غور في منع اي ردة فعل اميركية تثير استفزاز اليهود في الولاياتالمتحدة. ويضيف برنيع "ان آل غور متعلق بأموال المتبرعين اليهود اذ يطمح ان يقوموا بتمويل حملته الانتخابية في العام 2000". ويشير مراسل الاذاعة الاسرائيلية في واشنطن حاييم سيسوفيتش الى ان الانتخابات الفرعية ستجري لمجلسي الكونغرس بعد نصف عام وان الرئيس كلينتون يرغب في تغيير موازين القوى داخل مجلسي النواب والشيوخ لصالح حزبه الديموقراطي لذا فانه سيتجنب اغضاب نتانياهو الذي يعتقد كثير من المرشحين للكونغرس ان الدفاع عن مواقفه احد اهم الاوراق الرابحة في التنافس على المقاعد هناك. كما يشيرون في اسرائيل خصوصاً الى استغلال نتانياهو غير المحدود رئيس مجلس النواب غينغريتش الذي لا يخفي طموحه في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري له لخوض معركة الرئاسة في العام 2000، ويؤكد المراقبون ان غينغريتش يمثل "رأس الحربة" لنتانياهو في الساحة الاميركية". يستنتج حامي شليف ان نفسية كلينتون لا تدفعه الى المواجهة وهو يحاول ان ينهي فترة رئاسته من دون ان تتكرر تجاربه مع ليفنسكي وغيرها، وما ينجم عن ذلك من تأثير على هيبته. الا انه يجب الاشارة الى ان الذي يدفع نتانياهو الى رفض المبادرة الاميركية والمخاطرة بمواجهة الولاياتالمتحدة ليس فقط استسهاله لهذه المواجهة، بل ايضاً لأن قبوله بالمبادرة الاميركية سيؤذن بمواجهة خطيرة مع قوى مؤثرة في ائتلافه الحاكم والمعسكر اليميني، وأوضح وزير البنى التحتية الاسرائيلية ارييل شارون اكثر وزراء ليكود تشدداً في اكثر من مناسبة انه لو كان الامر بيد نتانياهو لوافق على اعادة الانتشار في 13.1 في المئة من الضفة الغربية "لكنه يعلم ان حكومته لن تبقى ثانية واحدة بعد ذلك". وأكد وزير خارجية اسرائيل المستقيل ديفيد ليفي في لقاءات مع وسائل الاعلام الاسرائيلية ان نتانياهو يؤمن في قرارة نفسه ان اعادة الانتشار في 13.1 في المئة من الضفة الغربية هي انجاز لاسرائيل ولا تشكل تهديداً للأمن الاسرائيلي، لكنه يتجنب الاقرار بذلك خشية ان ينهار ائتلافه الحاكم، ولم يتوقف شارون و"جبهة ارض اسرائيل" تجمع يضم 17 نائباً من الائتلاف الحاكم يرفض مواصلة تنفيذ اتفاقات اوسلو عن ممارسة الضغوط على نتانياهو لحثه على رفض المبادرة الاميركية. وهدد اعضاء "جبهة ارض اسرائيل" بالانضمام للمعارضة اليسارية في التصويت على حجب الثقة عن الحكومة في حال قبول نتانياهو المبادرة الاميركية، وقال عضو الكنيست ميخائيل كلاينر رئيس هذه الجبهة ان نتانياهو "يعلم جيداً ان قبوله المبادرة الاميركية يعني نهاية مستقبله السياسي، حتى لو ادى الامر الى تولي ايهود باراك مقاليد الأمور لأننا لا نريد لحكومة وطنية ان تتنازل عن اجزاء من أرض اسرائيل ولو عن عشرة في المئة. وكشفت الصحف الاسرائيلية حديثاً النقاب عن ان حزب المفدال الديني المشارك في الائتلاف يدرس الدعوة لطرح ترشيح ايهود اولمرت احد قادة ليكود ورئيس بلدية القدس لرئاسة الوزراء في العام 2000 كممثل عن المعسكر اليميني اذا تجاوب نتانياهو مع المبادرة الاميركية. وأعلن نيسان سلوميانسكي احد قادة الحزب علانية هذا التوجه وأشار شالوم يروشالمي احد المحللين السياسيين الى ان حزب المفدال يدرس هذه الخطوة بالتشاور مع شارون، اذ ان اولمرت يحظى بشعبية واسعة وخصوصاً في اوساط المتدينين لما يقوم به من انشطة في مجال تهويد القدس. وحسب يروشالمي فانه لا يوجد "كابوس" بالنسبة لنتانياهو افظع من هذا الاحتمال. من هنا يدرك نتانياهو ان المواجهة مع ائتلافه الحاكم قد تؤدي الى حرمانه من البقاء في الحكم حتى العام 2004. وشبه عضو الكنيست ران كوهين "ميريتس" تسلط شارون على نتانياهو قائلاً "ان شارون يتعامل مع نتانياهو كالوالد الذي يتعامل مع ابنه غير المستقر نفسياً ويخشى من تصرفاته غير المنضبطة، لذلك فهو دائم التهديد له". ومن العوامل التي تدفع نتانياهو للخنوع امام العناصر المتشددة في ائتلافه ادراك هذه القوى ان سقوط الحكومة جراء انتخابات مبكرة لن يؤثر على قوتها السياسية في حين ان الاحزاب المعتدلة نسبياً في حكومة نتانياهو مثل الطريق الثالث مهددة بالاندثار من الخريطة السياسية في الانتخابات المقبلة. وصور شمعون بيريز رئيس حزب العمل السابق حقيقة الموقف عندما قال "ان نتانياهو يستعرض عضلاته امام كلينتون لكي يقنع شارون انه كما يرام".