"من يجرؤ على رفع يده ضد هذه الدولة، سيكون مصيره القتل". هذه العبارة التي تفوه بها أدولف هتلر اختارتها صحيفة "فولكيشر بيو باختر" الناطقة باسم هتلر في تلك الازمان التي تبدو لنا اليوم بعيدة، لتجعل منها العنوان الرئيسي لصفحتها الاولى. والعبارة منتزعة من خطاب عنيف القاه هتلر امام الرايخشتاغ مجلس النواب تحدث فيه، تحديداً، عن الاحداث العاصفة التي عرفتها ألمانيا يوم الثلاثين من حزيران يونيو 1934، الاحداث التي عرفت باسم "انقلاب روهم". وكان ذلك الانقلاب قد أثار العالم كله، في وقت كان يعتبر النازيين قوة موحدة ضاربة متجمعة من حول الفوهرر، فاذا بأحداث ذلك اليوم تكشف صراعاً على السلطة في قمة تلك السلطة، وان هتلر كان من شأنه ان ينهزم ويزول لولا انه عرف كيف يتحرك سريعاً. والحال ان الصراع كان قائماً في الاساس بين مجموعتين عسكريتين هما ال S.A. وال S.S.، وكانت المجموعتان اصلاً تدينان بالولاء لهتلر وللحزب النازي، وكان هتلر منذ فترة طويلة يحاول ان يحفظ التوازن بينهما، ولكن في لحظة من اللحظات بدا التوازن غير ممكن، وكان على هتلر ان يختار. ولعل المجموعة المتحلقة من حول الوزير ارنست روهم قائد الS.A.، كانت لخطأ في التقدير ارتكبته، هي التي دفعت الزعيم الى ان يختار، فاختار ال S.S.وكانت المجابهة، ثم كانت مجزرة قضت على روهم وانصاره. ومن المؤكد اليوم ان روهم وجماعته اختاروا ظروفاً في غاية السوء، ولم يقدروا حقيقة الظروف حين حاولوا ان يرغموا هتلر على الوقوف الى جانبهم. اذ ان هتلر كان طوال ذلك الشهر سيء المزاج، فمن جهة كان عليه ان يتخذ قراره العنيف بالاعلان عن ان ألمانيا لن تدفع بعد الآن ما يتوجب عليها من تعويضات عن الحرب العالمية الاولى وكان يعلم ان هذا القرار سيؤلب الرأي العام العالمي ضده ومن جهة ثانية كان عليه ان يحصد ثمار الفشل الذي أصاب لقاءه مع موسوليني 14 - 15 حزيران حيث كان هتلر يأمل من خلال اللقاء ان يقنع موسوليني بمجاراته في رغبته بضم النمسا، لكن الدوتشي كان يعارض ذلك ويصر على ان يوفر الحماية بنفسه لمستشارها دولفيس. في الوقت الذي كان فيه هتلر يواجه مشاكل اساسية من هذا النوع، تحرك الجيش، يوم 21 حزيران ليوجه اليه نوعاً من الانذار يفيد بانه ان لم يتحرك الفوهرر ويضع حداً لممارسات الS.S. بقيادة معاونه هملر فإن الجيش سوف يعلن الطوارئ ويستولي على السلطة. وبالفعل ما ان مرت اربعة ايام على توجيه ذلك التهديد حتى عمد رئيس اركان الجيش البارون فون فريتش الى وضع الجيش كله في حالة التأهب. غضب هتلر غضباً شديداً، واعتبر ان الجيش يحاول اضعافه واجباره على اتخاذ موقف بتأليب من روهم ومن قيادات ال S.A.. وهكذا ما ان علم بان اجتماعاً ستعقده هذه القيادات في باد فيسي يوم 30 حزيران، حتى اتخذ قراره: سوف يوجه ضربته بسرعة وتركيز وينتهي من تلك المسألة. وهكذا عند الساعة الرابعة بعد الظهر قامت وحدات من الجيش ومن ال S.S. الفرق الخاصة بمهاجمة المقر العام لقيادة ال S.A. واعتقلت روهم واركان قيادته. وسوف يقال يومها ان اعتقال روهم تم لانه ضبط في وضع جنسي مشبوه وكان روهم معروفاً بشذوذه الجنسي. والحال ان ما كان يحضر في ذلك اليوم بالذات كان انقلاباً عسكرياً حقيقياً، تمكن أدولف هتلر من افشاله. وهكذا اعتقل روهم وجورج شتراسر والجنرال فون شليشر، المستشار الالماني السابق الذي كان يعيش في سلام بعيداً عن السياسة متقاعداً. لكنه اتهم مع الآخرين بالضلوع في المؤامرة التي تستهدف اطاحة الزعيم. اقتيد روهم من فوره الى سجن ميونيخ - شتادلهايم وطلب منه ان ينتحر، ليصور الامر وكأنه ندم منه على العار الذي لحقه من جراء انكشافه في اوضاع جنسية مشبوهة، لكنه رفض الانتحار فقتل، في اللحظة التي كانت فيها مجموعات من الغستابو تقتل جورج شتراسر والجنرال فون بريداو وفون شليشر في بروسيا. بعد ايام، اعلن هتلر عن العملية بنفسه في الخطبة التي نقلتها صحيفته وبات واضحاً منذ تلك اللحظة ان القوات الخاصة التي يقودها هملر ستكون القوة الضاربة الوحيدة صاحبة السلطان. اما ليلة القتل الجماعي تلك فأطلق عليها اسم "ليلة الخناجر الطويلة".