لم يعد سراً في كردستان العراق وجود تعاون وثيق، عسكري ولوجستي، بين بغداد وحزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان الذي صارت له مقرات ومكاتب في بغداد نفسها إضافة الى كركوك والموصل. وبهذه الخطوة أصبح هذا الحزب يحظى بدعم قوي من ثلاث دول رئيسية في المنطقة: العراق وسورية وايران. وليس مستغرباً في هذه الحال ان تؤكد مصادر الحزبين الكرديين الرئيسيين في شمال العراق، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني والديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني ما نشرته صحف تركية، ومفاده ان بغداد زودت مطلع الشهر الجاري مقاتلي أوجلان كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة في عملية تمت في محافظة كركوك. ومنذ أسابيع بات مسؤولون في حزب أوجلان يتنقلون بسهولة عبر المناطق التي تسيطر عليها الحكومة العراقية، تحديداً من محافظة كركوك الى محافظة السليمانية التي تسيطر عليها قوات طالباني. وفي إطار الاتصالات، التي لم تعد هي الأخرى سراً، بين بغداد والزعماء الاكراد العراقيين، تمنّى مدير الاستخبارات العراقية رافع التكريتي صراحة، في اثناء زيارة قام بها الشهر الماضي الى أربيل والسليمانية، ان يفسحوا في المجال لتحركات حزب العمال في مناطقهم. معروف أيضاً ان بغداد سعت الى اقناع الاتحاد الوطني بأن يؤوي في مناطقه في محافظة السليمانية بضعة آلاف من أكراد تركيا كانت الاممالمتحدة اضطرت أخيراً لأن تتخلى عن رعايتهم في مخيم أتروش محافظة دهوك العراقية بعدما تحول المخيم ما يشبه قاعدة لوجستية لحزب العمال. وعندما قوبل الطلب بالرفض نقلتهم بغداد الى منطقة مخمور التي تقع مباشرة على خطوط التماس بين مناطق الحكومة ومناطق بارزاني. ولعله يمكن ترجيح عاملين رئيسيين بين أسباب واعتبارات عدة لهذا التطور بين بغداد وحزب العمال. الأول هو ان بغداد تشعر بمخاوف متزايدة من نمو القوة العسكرية لتركيا التي تستطيع الآن ان تدخل شمال العراق في أي وقت وبأي حجم تشاء. ويمكن القول ان تركيا نجحت في القضاء عملياً على الوجود العسكري لحزب العمال داخل أراضيها. الى ذلك استطاعت، بفضل تطوير أدائها العسكري من جهة والتعاون والتنسيق الوثيق بينها وقوات بارزاني من جهة اخرى، تحجيم التهديد العسكري لحزب العمال الى درجة كبيرة في الشمال العراقي المتاخم لحدودها. هذا عدا ان النفوذ والوجود السياسيين المتزايد للاتراك في كردستان العراق ليس لمواجهة حزب العمال فحسب، بل أيضاً لتعزيز الروابط والصلات مع التركمان الذين يشكلون عنصراً اتنياً ملموساً في هذه المنطقة الموزاييكية التي لم يسلموا فيها من قمع النظام العراقي اعدامات وقتل وتدمير قرى وتعريب مناطقهم في كركوك، ومن مضايقات وضغوط - لئلا يُقال اضطهاد - غالبية كردية لا تُخفي أوساطٌ منها نزعات شوفينية تجاه التركمان والآشوريين مع انهم شركاء أصليون في كردستان. بعبارة اخرى، لبغداد أيضاً مصلحة واضحة في تصعيد المواجهات المسلحة بين حزب العمال والقوات التركية. وهكذا... لم يكن ينقص أكراد العراق إلاّ هذه اللعبة الجديدة، علماً بأن التطور الأخير هو خطوة توقعها أكراد كثيرون حذروا دائماً من ان عواقبها تنعكس سلباً على الوضع الكردي العراقي بعدما ابتلي بالصراع الذي تفجّر في ربيع 1994 اقتتالاً داخلياً