فيما الجيش التركي ينفذ عملية "روتينية" أخرى في شمال العراق، لا يتوقع أحد أن يسمع من القيادات الكردية سوى تفسيرات روتينية أيضاً. فالعملية بالنسبة الى حزب العمال الكردستاني دليل آخر على ان الدولة "الفاشية" التركية تمارس حرب إبادة ضد الأكراد وتسعى الى "تدمير" الأمة العربية، كما كرر اخيراً زعيم هذا الحزب عبدالله أوجلان. وسيقلل الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني من أهمية العملية التركية، بينما سيصدر عن الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني كلام أقرب الى الموقف الأوجلاني. لا يمكن أحداً أن يشكك في حقيقة أن أكراد تركيا محرومون من حقوقهم القومية والإنسانية وأنهم يتعرضون لقمع عسكري وسياسي واقتصادي واجتماعي وإنكار لهويتهم القومية. أما إصرار المؤسسة التركية الحاكمة، خصوصاً العسكرية، على اعتبار أن المطالبة بالحقوق المشروعة للسكان الأكراد هي عمل إرهابي وليست سوى جزء من نشاطات حزب العمال، فهو حجة ضعيفة لا يمكنها الصمود أمام أي منطق سليم. لذا من الطبيعي في ضوء هذا الوضع أن تشن الحركات السياسية وجماعات حقوق الانسان في كردستان تركيا، حملات شعواء على سياسات أنقرة كون المشكلة الرئيسية للأكراد معها، وهو أمر لم يعد حزبا بارزاني وطالباني يفعلانه تجاه نظام صدام الذي يشكل الخطر الرئيسي على أكراد العراق. وواضح أن الرهان التركي على العمل العسكري كأسلوب وحيد لمواجهة حزب العمال باعتباره تنظيماً إرهابياً طاولت مضاعفاته الأوضاع في كردستان العراق التي تحولت ميداناً لعمليات عسكرية دورية، بعضها واسع الى حد كبير، يستهدف قواعد مقاتلي حزب العمال الذين تكاد المنطقة الكردية العراقية تصبح معقلهم الرئيسي، بعدما تعرضوا لضربات مدمرة في الميدان الحقيقي لمواجهاتهم مع الجيش التركي، أي في كردستان تركيا التي تشكل جنوب شرقيها. أما العاقبة الأسوأ لهذا الوضع فتتمثل في أن العمليات التركية لم تعد تقتصر كلياً على عنصر أمني بحت هو مهاجمة مواقع حزب العمال في كردستان العراق، بل صارت لبعضها أهداف اخرى، منها أحياناً توجيه رسائل الى طهران أو بغداد، ومنها خصوصاً دعم حزب بارزاني المتحالف مع أنقرة ضد حزب طالباني المتحالف مع ايران وحزب العمال. يُقال هذا كله مع ضرورة التنبيه الى خطر أكبر على أكراد العراق يتمثل في وجود حملة، تشترك فيها جهات عدة في المنطقة وتنجر إليها أطراف كردية عراقية، لاستغلال الوضع الكردي في تركيا من أجل الترويج لأطروحة مفادها أن مشكلة أكراد العراق لا علاقة لها أبداً ببغداد ونظام صدام حسين، بل إن الخطر الوحيد على قضيتهم يأتي من أنقرة والأتراك. وبالتالي فإن المصلحة الوحيدة لأكراد العراق هي في أن ينقلوا ميدان صراعهم الى تركيا ويكفوا عن نظام بغداد لاعتبارات تتعلق بالمصالح القومية العربية العليا. بعبارة أخرى: يا أكراد العراق إتحدوا من أجل حقوقكم... في تركيا! فهل يتذكّر حزبا بارزاني وطالباني، أن مشكلة أكراد العراق هي مع نظام صدام، وبالتالي فإن مصلحتهم تكمن في أن يتحدوا من أجل حقوقهم في العراق؟