لم تترجم حتى الساعة الرغبة التي يبديها من حين الى آخر الأطراف الرئيسون في جبل لبنان في دعم التوافق في الانتخابات البلدية لأن الجهود للوصول الى تفاهم ما زالت في أول الطريق وتقتصر حالياً على تبادل النيات الحسنة مع بعض الاستثناءات في عدد من البلديات الموزعة على كل الأقضية في الجبل، على رغم ان موعد اجراء الانتخابات أخذ يقترب ولم يعد يفصل عنه سوى أسبوعين، فيما يبادر المرشحون الى التقدم بطلبات الترشيح الذي تقفل أبوابه منتصف ليل بعد غد الأربعاء اعتقاداً منهم بأن الخيار سيقع عليهم، سواء نجحت القوى السياسية في التوصل الى نصف توافق أم قررت ترك الباب مفتوحاً أمام قيام منافسة من شأنها أن تؤدي الى خلط الأوراق في ضوء ما يتردد عن ان مرشحين من اللون الواحد سيترشحون على اللوائح المتنافسة. وفي هذا السياق أجرت «الحياة» «جوجلة» أولية في معظم أقضية جبل لبنان لاختبار مدى جدية الأطراف الرئيسين في العمل من أجل تحقيق التوافق، لا سيما في البلدات المختلطة. وتبين لها من خلالها أن خريطة التحالفات لم تنجز للآن مع ان الانتخابات في الجبل ستجرى في 2 أيار (مايو) المقبل، من دون أن تبدي هذه الأطراف على الأقل في العلن استعدادها لدعم اللوائح المتنافسة باعتبار ان لا شيء «يحرز» لتجديد الانقسام البلدي على غرار الانقسام الذي ترتب على الانتخابات النيابية الأخيرة، اضافة الى أن بعض القوى السياسية ستجد نفسها محرجة إذا ما فرض عليها الخيار هذا الطريق المؤيد لها أو ذاك الذي يعد من محازبيها. المتن الشمالي وبحسب المعلومات فإن الآمال المعقودة على احتمال الوصول الى صيغة من التوافق بين الحلفاء والخصوم في عدد من البلدات لا يزال قائماً ولم تفقد القوى السياسية حماستها في تسويقه وهذا ما يحصل في المتن الشمالي الذي يعتبر من كبريات الدوائر الانتخابية في الجبل، وهو يتساوى من حيث عدد النواب مع الشوف إذ ان حصة كل منهما 8 نواب في البرلمان. وذكرت مصادر متنية ان نائب رئيس الوزراء السابق النائب ميشال المر يحبذ الائتلاف وأنه تلقى رسالة ايجابية من رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون رد عليها بالمثل وهو على تفاهم مع حزبي الكتائب و «القوات اللبنانية» يقضي بإعطاء فرصة لتبادل الرسائل الإيجابية التي يبعث بها عون بواسطة أصدقاء مقربين منه. ولفتت المصادر الى ان المر يشجع على اعطاء دور للعائلات في اختيار المجالس البلدية وهو يترك لابنته رئيسة اتحاد بلديات المتن الشمالي ميرنا المر التواصل مع «التيار الوطني الحر» والمسؤولين في حزبي الكتائب والقوات للعمل معاً من أجل ازالة بعض العقد التي ما زالت تعترض احياء تحالف بلدي عريض. واعترفت المصادر نفسها بأن التواصل بين عون والمر يتم أحياناً بواسطة نجل الأخير نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الوطني الياس المر وحيناً آخر من خلال الاتصالات القائمة بين ميرنا المر وكوادر أساسية في «التيار الوطني» اضافة الى التواصل الذي لم ينقطع أبداً بين آل المر والقوات والكتائب الذي يواجه مشكلة تكمن في اصرار بعض رؤساء الأقاليم على الترشح لرئاسة البلدية بصرف النظر عن احتمال التوافق على رئاساتها. مشيرة في الوقت نفسه الى تحرك ناشط لحزب الطاشناق لدعم الجهود الآيلة الى التوافق. وكشفت المصادر ذاتها ان عون الذي غادر أمس الى مدريد لإلقاء محاضرة فيها، أوعز الى المسؤولين في «التيار الوطني» في المتن الشمالي بضرورة الالتزام بالمرونة وعدم اقفال الباب أمام اعطاء الأولوية للتوافق وأن يترك له أمر البت في عدد من المشكلات العالقة التي من شأنها أن تعيق التفاهم البلدي خصوصاً انه سيعود الى بيروت بعد غد الأربعاء... لكن الأبرز في التحركات الوفاقية يكمن في ما يتردد عن عون من أن ليس صحيحاً ما ينسب اليه من مواقف تتعلق برغبته في الإطاحة بميرنا المر عن رئاسة اتحاد البلديات وأنه يقدّر دورها على هذا الصعيد. إلا ان إظهار الرغبة في التوافق لا يعني ان الطريق سالكة وأن الاتصالات ستؤدي الى نتائج ملموسة، بمقدار ما يعني ان الرغبة في التفاهم أو الائتلاف شيء، وترجمتها الى خطوات عملية شيء آخر، خصوصاً ان لدى معظم الأطراف مشكلة في اقناع مرشحيهم في العزوف عن خوض الانتخابات البلدية أو في التواضع في خفض سقف المطالب لمصلحة تكريس التوافق. كما ان التوافق في حال حصوله، مع انه مهمة صعبة وليست مستحيلة، لن يقطع الطريق على استهدافه من خروق من قبل أهل «البيت الواحد» وهذا ما استخلصه بعض الأطراف لدى قيامهم بعملية جس نبض محازبيهم، إذ تبين لهما ان بعضهم صمم على خوض الانتخابات ولن يخلي الساحة لغيره حتى لو أجمعوا على استبعاده استجابة لمقتضيات التوافق. كسروان وجبيل أما في قضاءي جبيل وكسروان فالاتصالات لتغليب التوافق على احتمال حصول معارك بلدية تتساوى في قساوتها مع المعركة التي ستشهدها مدينة زحلة، ما زالت خجولة ودون المستوى المطلوب على رغم ان الأجواء المسيطرة على المناخ البلدي في عمشيت (قضاء جبيل) مسقط رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أخذت تقترب من التوافق بدعم من الأخير، انما على قاعدة التجديد لرئيس البلدية الحالي المقرب منه، الدكتور انطوان عيسى لولاية بلدية جديدة والتفاهم على اقتسام أعضاء مجلس البلدي بالتساوي بين «التيار الوطني الحر» وخصومه في هذه المدينة الساحلية علماً أن المداولات الأولية لم تلحظ أي تمثيل للنائي السابق ناظم الخوري. إلا أن الأيام المقبلة ستشكل اختباراً لمدى صمود الائتلاف في عمشيت في ضوء ما تردد في الأيام الأخيرة عن وجود رغبة لدى الشباب في رفض الحلول الفوقية وبالتالي الاستعداد لخوض المعركة بالتحالف مع المجموعات المتضررة منه. وبالنسبة الى مدينة جبيل، فإن الوصول الى تفاهم يواجه عقدة تتمثل في اصرار نواب القضاء المنتمين الى «تكتل التغيير» على اقناع جوزف الشامي بالانسحاب لمصلحة اللائحة المدعومة من الوزير السابق جان لوي قرداحي في مواجهة اللائحة التي يتحرك زياد حواط لتشكيلها بالتعاون مع خصوم قرداحي وعلى رأسهم محازبو الكتائب والقوات والكتلة الوطنية اضافة الى النائب السابق فارس سعيد. وبصرف النظر عن مدى نجاح الوساطات لمصلحة قرداحي فإن الأجواء الراهنة المسيطرة على جبيل لا تشير الى ان التوافق سيحسم المعركة سلفاً. وهكذا فإن المعارك البلدية ستحتدم في القرى المسيحية في جبيل بين «التيار الوطني» وخصومه الذين سجلوا رقماً انتخابياً في الانتخابات النيابية حال الاقتراع الشيعي دون حصول خرق للائحة المدعومة من عون. وفي خصوص سير التحضيرات للانتخابات البلدية في كسروان، فإن الجهود منصبة لإنجاح التوافق على تشكيل لائحة ائتلافية في جونية برئاسة انطوان افرام عم رئيس جمعية الصناعيين نعمت افرام. وعلمت «الحياة» بأنها قطعت شوطاً على طريق تظهير الفيلم النهائي للتفاهم البلدي مع ان مثل هذا الائتلاف لا يلغي احتمال تشكيل لائحة منافسة للائحة افرام تتشكل من العائلات وترفض الحلول الفوقية لتكريس نفوذ آل افرام في البلدة بعد اسناد جمعية الصناعيين الى واحد من العائلة وإعطاء حصة لها في الرابطة المارونية بينما وقفت في الانتخابات النيابية الى جانب لائحة العماد عون. وعليه فإن التحالف في جونية، في حال حصوله، لن يلغي المعارك البلدية التي ستدور على الجبهة الكسروانية في أكثر من بلدة. الشوف وعاليه أما الخريطة البلدية في الشوف وعاليه فتتوزع على ثلاثة محاور: الأول البلدات المختلطة بين المسيحيين والدروز، الثاني البلدات الصافية درزياً أو مسيحياً، والثالث ذات الغالبية الدرزية بامتياز اضافة الى بلدات اقليمالخروب ذات الغالبية السنّية. ومع ان رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط يحرص على التعامل مع الاستحقاق البلدي في الشوف وعاليه انطلاقاً من تكريس جو المصالحة التي رعاها سابقاً البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير، والحفاظ على مناخ المصالحات السياسية، سواء تلك التي تحققت مع العماد عون أم الأخرى المشمولة بإنهاء الاختلافات على الصعيد الدرزي. وعلمت «الحياة» ان لدى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي توجهاً بلدياً يقضي بمراعاة الحالة الانتخابية في البلدات المختلطة بين الدروز والمسيحيين وهو لذلك أعطى الضوء الأخضر لاختيار معظم رؤساء البلديات فيها من المسيحيين باعتبار ان لا بد من التناوب على رئاستها. والآن يأتي دور المسيحيين بعد أن شغلها في السابق الدروز. وبحسب المعلومات، فإن جنبلاط يميل، لا بل يحبذ، اسناد رئاسة البلدية في مزرعة الشوف للمحامية آمال عبدالساتر وفي معاصر الشوف لرئيس مسيحي يتم التوافق عليه، وفي الباروك للمرشح ايلي نخلة، وكذلك الأمر بالنسبة الى بلدة عين زحلتا المختلطة. وتعزو مصادر في «التقدمي» اصرار جنبلاط على اسناد رئاسة هذه البلديات الى المسيحيين الى رغبته في تعميم أجواء المصالحة وتكريسها اضافة الى اعادة احياء هذه البلدات وتشجيع المسيحيين من أهلها على العودة نهائياً الى قراهم. وتؤكد هذه المصادر أن جنبلاط، في قراره بإسناد الرئاسة في هذه البلدات الى المسيحيين، لا يعني انه اتخذ قراره بالانحياز لمصلحة العماد عون بمقدار ما انه يدعو الى ضرورة الائتلاف بين عائلاتها، لا سيما ان المواكبين للتحضيرات البلدية يعتبرون ان حزب القوات لا يزال الأقوى في معظم القرى المسيحية. وتضيف ان جنبلاط لن يتدخل في شأن العائلات المسيحية ويترك الأمر لها مراعاة منه لحساسية الموقف اضافة الى انه سيضغط في البلدات المختلطة من أجل التوافق على مجالسها البلدية لضم ممثلين عن جميع القوى السياسية الفاعلة خصوصاً ان المواكبين انفسهم يقولون في تقويمهم للوضع المسيحي أن زيارة عون الأخيرة لجنبلاط في المختارة وانتقالهما معاً الى بيت الدين كشفت عن ضعف «الجنرال» في استقطاب الشارع المسيحي في الشوف. كما تضيف أن جنبلاط لن يتدخل في تركيب اللائحة في الدامور كبرى البلدات المسيحية في الشوف وهو يدعم حالياً التوجه الرامي الى الائتلاف على أساس التجديد للرئيس الحالي للبلدية شارل غفري لولاية جديدة في مقابل بروز رغبة من بعض العائلات في الإعداد لخوض المعركة ضده. ناهيك بأن جنبلاط ليس في وارد اقحام البلدات الدرزية في معارك سياسية طاحنة وهو لهذا السبب يبدي تعاوناً مع رئيس «تيار التوحيد» الوزير السابق وئام وهاب في بلدة الجاهلية من دون استبعاد تمثيله في بعض البلديات. كما انه يشجع على الائتلاف في الجيه باعتبارها بلدة مختلطة من السنّة والشيعة والمسيحيين. لكن رغبة جنبلاط في عدم تسييس المعارك البلدية وإطلاق يد العائلات خصوصاً في البلدات الدرزية للوصول الى تفاهم ستواجه اصراراً من بعض العائلات «الجنبلاطية» على خوض المعركة حتى لو اضطرت الى الدخول في منافسة مع بعضها بعضاً». أما في دير القمر، فإن جنبلاط يدعم تفاهم العائلات والقوى السياسية فيها، مع انها لم تتوصل الى صيغة ائتلافية وكانت فشلت في اجتماع عقد منذ أيام في انهاء النزاعات على رئاسة البلدية وهي اجتمعت ليل أمس لهذه الغاية. وتعتقد المصادر المواكبة للأجواء البلدية المسيطرة على دير القمر بأن «التيار الوطني» يميل الى التعاون مع الوزير السابق ناجي البستاني وأن الفرصة أمامهما مواتية للتفاهم مع خصمهما رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون في حال وافقا على التجديد لرئيس بلديتها الحالي فادي حنين المحسوب على «الأحرار». فيما الاتصالات بين نائب «القوات» جورج عدوان والعميد المتقاعد في الجيش اللبناني أدونيس نعمه لم تنقطع. لكن لا شيء نهائياً حتى الآن ريثما تتوضح صورة التحالفات ومدى قدرة لجنة من «حكماء» دير القمر على اختيار لائحة بأسماء المرشحين من شأنها ان ترضي الجميع. اقليمالخروب وفي خصوص البلديات في اقليمالخروب، فإن جنبلاط على تفاهم مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري يقضي بإطلاق يد العائلات للوصول الى ائتلاف في البلديات وبالتالي لن يدخلا في خلاف سياسي مهما تعقدت في عدد من البلدات وهما على استعداد للتحالف مع «الجماعة الإسلامية» التي تتمتع بحضور سياسي الى جانب تيار «المستقبل» الذي يعتبر الأقوى على رغم الوجود التاريخي للحزب التقدمي في الإقليم. عاليه والمتن الأعلى وساحل بعبدا وفي خصوص المنافسة البلدية في بلدات الشويفات وعاليه والمتن الأعلى وتحديداً في البلدات الدرزية أو ذات الغالبية الدرزية فإن جنبلاط الذي يعتبر الأقوى فيها ويتمتع بالقدرة على حسم الموقف البلدي في معظمها، يسعى الى تحقيق ائتلاف بين جميع العائلات الدرزية وإلى ان لا تتخذ المنافسة أي طابع يطغى عليه الانتماء السياسي، وهو لذلك كلف الوزير والنائب في اللقاء الديموقراطي أكرم شهيب مهمة التواصل مع رئيس الحزب الديموقراطي النائب طلال ارسلان. والتقى شهيب صباح أمس لهذه الغاية ارسلان في دارته في خلدة وعاد واجتمع به ليلاً في حضور جنبلاط في منزله في كليمنصو في محاولة لإقفال الملف البلدي على ائتلاف خصوصاً في عاليه والشويفات وقرنايل (بعبدا - المتن الأعلى) لكن الاتصالات لم تقترب من نتائجها الحاسمة بسبب اصرار ارسلان على اختيار رئيس بلدية الشويفات من مؤيديه باعتبار ان البلدة مسقطه وأن تترك له حرية الخيار متعهداً باختيار المرشح الذي يرضي الجميع مع أن «التقدمي» كان نجح في الانتخابات الأخيرة في المجيء بمجلس بلدي له برئاسة هيثم الجردي. كما ان ارسلان يحاول - كما تقول مصادر درزية - توظيف مصالحته مع جنبلاط باتجاه ان تكون له غالبية أعضاء المجلس البلدي في عاليه على رغم انه مختلط من الدروز والمسيحيين. ومع ان الاتصالات ما زالت في أول الطريق فإن نتائجها ستظهر قريباً ولن تتسبب الخيارات البلدية تحت أي اعتبار في تجديد حال الانقسام بين الدروز وهذا ما يستدعي من أرسلان عدم تسييس المعارك البلدية في البلدات التي يتعذر فيها التفاهم علماً ان لدى جنبلاط رغبة في تقديم كل التسهيلات المطلوبة على خلفية انه لا يريد الغاء أحد وأن يترك للعائلات القرار في البلديات التي لن يتأمن فيها الائتلاف. ويذكر ان لوهاب حضوراً في الشويفات وعاليه وأن مرشح تياره للنيابة في عاليه كان حصد أكثر من أربعة آلاف صوتٍ من درب أرسلان الذي فاز بالنيابة بعد أن أصر «التقدمي» على عدم اقفال لائحته. ناهيك بأن جنبلاط الذي يقاتل من أجل تحقيق الائتلاف يعتقد، بحسب مصادره، بأن للمجالس البلدية دوراً في خدمة البلدات وليس للخط السياسي الذي يمثله، علماً ان «التقدمي» يقوم بجهد فوق العادة لإقناع قاعدته ومحازبيه بضرورة الائتلاف خلافاً لوجهة نظرها بأن الحزب هو الأقوى وأن التفاهم لا يبرر تقديم كل هذه «التنازلات».