سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محاولة تأريخ النظام السياسي اللبناني قبل الطائف وبعده . من جمع مستحيل بين ديموقراطية المواطن - الفرد والطائفية الى اختصار مطمئن للمؤسسات الدستورية في زعمائها
صورة النظام السياسي لدولة من الدول لا يمكن ان تظهر بوضوح من خلال دستورها فقط او من خلال التصنيف التقليدي للانظمة وفق المعايير المدرسية المعروفة. لذا درج الفقه الحديث على إدماج المؤسسات السياسية في صلب القانون الدستوري. وذهب في ذلك مذاهب مختلفة تبعاً للنظريات السياسية لكن الاجماع قائم على اعتبار النظام الانتخابي في النظم الديموقراطية عنواناً اساسياً للبحث لانه يجسد الدستور في ميدان الممارسة العملية ويبين آلية تشكيل السلطات والمؤسسات تعبيراً عن الارادة الشعبية. كما ان النظام الحزبي والمؤسسات الحزبية على اتساع مدلول الكلمة وتنوع اشكال واساليب التنظيم الحزبي هو مهم ايضاً لدراسة اي نظام سياسي. وفي لبنان هناك معطى اساسي تاريخي يتجاوز في اهميته العناوين المذكورة اعلاه ويتمثل بوجود عدد كبير من الجماعات الدينية والمذهبية المعبر عنها في الطوائف والمؤسسات الطائفية حيث لكل جماعة كيانها الذاتي الخاص. والكيان اللبناني كما الدولة اللبنانية هما الاطاران المشتركان لالتقاء هذه الجماعات وتوافقها على ادارة شؤونها المشتركة في ظل نظام سياسي يسمى نظام الطائفية السياسية. وفي هذا النظام ومن خلاله تتحقق الهوية الوطنية المشتركة والمصالح المشتركة. وقد تكرس هذا الواقع في الدستور اللبناني منذ اعلانه في 23/9/1926 فأكدت المادة 95 على مراعاة تمثيل الجماعات والمناطق التي ألّفت الكيان اللبناني الحديث المنشأ في عام 1920. واذا كان الدستور لم يفصّل في ذلك باعتبار ان هذا التدبير هو مرحلة انتقالية نحو الدولة المحررة من كل قيد طائفي، فالتقاليد الدستورية التي جرت مراعاتها بانتظام كانت لها قوة الدستور نفسه وقد وجدت هذه التقاليد مرجعيتها في الميثاق الوطني الذي تبلور بشكل تدريجي مع استقرار ورسوخ الكيان اللبناني في ظل الانتداب وصارت له قواعد معلنة في عام 1943 وهذا ما اعتبره الرئيس فؤاد شهاب الدستور الثاني غير المكتوب. وفي نظام كهذا تفعل موازين القوى السياسية فعلها اكثر بكثير من المؤسسات الدستورية نفسها. ان هذا النظام هو حصيلة تفاعلات عناصر عدة متحركة: الدستور والمؤسسات الدستورية والحكومية بشكل عام، والمؤسسات الطائفية وتأثيراتها، ودور الزعماء والقيادات في هذه الجماعات الطائفية والمناطق والقوى والمؤسسات الحديثة من احزاب وجمعيات ونقابات فضلاً عن المؤسسات الدينية. والى ذلك كله تضاف الابعاد الاقليمية والدولية لهذه الصيغة اللبنانية اما بسبب الموقع الجيوسياسي للبنان واما بسبب امتدادات الجماعات الدينية في الخارج. ويكاد مصطلح فيدرالية الطوائف لا يفي بالغرض في توصيف هذا النظام لسببين رئىسيين على الاقل. لان المعادلة الطائفية ليست ثابتة، بل هي تتغير بفعل معطيات خارجة عن ضوابط النظام السياسي، كالتطور الديموغرافي والتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي، ولان النظام نفسه يتأثر بضغوط المجتمع المدني الحديث وبالمصالح الاجتماعية والتيارات الفكرية والسياسية الخارجة عن القواعد المرسومة في هذا النظام. لذا يصح ان نطلق على هذا النظام مصطلح اطار لتدبير التوتر وتنظيم النزاعات دون القدرة على حلها. بل لعل هذا النظام كان باستمرار يتجدد على قاعدة اعادة انتاج اسباب الازمات التي تتعرض لها والتي ادت في محطات تاريخية عدة الى خلخلته او حتى تصديعه. ان التطور التاريخي للنظام السياسي اللبناني مر بعدة مراحل يمكن تلخيصها على النحو التالي: - بين عام 1926 و1936 نظام سياسي يقوم على ادارة مباشرة من قبل الانتداب الفرنسي ومشاركة مسيحية كاسحة في ادارة الدولة وعزوف اسلامي شبه كامل عن الاعتراف بالدولة وعن المشاركة السياسية. - بين عام 1937 و1943 مشاركة اسلامية جزئية من موقع ثانوي تحمل تحفظات كثيرة على الكيان والصيغة السياسية القائمة. - بين عام 1943 و1952 معركة الاستقلال وتوطيد النظام المستقل بمشاركة فاعلة بين القطبين الرئيسيين بشارة الخوري ورياض الصلح واقرار اسلامي مسيحي بالكيان وبالدولة وبالصيغة. - بين عام 1952 و1956 اهتزاز هذه الصيغة وانفجارها في احداث 1958. - بين عام 1958 و1968 حالة من الاستقرار السياسي وسّع قاعدة المشاركة الاسلامية في الدولة وارسى قواعد توازن جديد وانتهى الى ازمة حكم وطنية مهدت للحرب الاهلية. - في عام 1989 نشوء نظام سياسي وفق توازنات جديدة وحصول تبدلات في النظام الدستوري. نظام 1943 نبدأ بصيغة 1943 مع الاستقلال وزوال تأثيرات الانتداب المباشرة. كما مع التوافق الاسلامي - المسيحي الصريح على الكيان والدولة. النظام السياسي يقوم على: الدستور: نظام برلماني يميل اكثر لان يكون رئاسياً بحكم الصلاحيات المكرسة لرئيس الجمهورية، تأليف الحكومة وإقالتها وحل المجلس وبالتالي: رئاسة الجمهورية ذات موقع محوري ومقرر في النظام. - مشاركة للطوائف وللمناطق بواسطة زعمائها الاساسيين. رئاسة الحكومة لا تتمتع باي كيان دستوري، والحكومة حصيلة توازنات سياسية. مجلس نيابي محكوم بتوازنات سياسية يؤثر فيها موقع الرئاسة الاولى. صيغة الحكم بوجه عام تجاور تكتلات طائفية يغلب فيها القطب المسيحي الماروني ويشارك بالدرجة الثانية القطب الاسلامي السني. واستحالة فعلية لتشكيل فريق حكم وطني موحد التوجهات والمصالح. انه نظام وكلاء الطوائف لكل منها حصة محفوظة تقتضيها من الدولة. في النصف الاول من ولاية الشيخ بشارة الخوري الثانية، بدأت ازمة الحكم تتفاعل: - التناقض بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. - ممارسة رئيس الجمهورية صلاحياته الدستورية تضعف شراكة رئيس الحكومة. - دور ثانوي جداً لباقي الفئات الطائفية والقوى السياسية. - مشكلات بناء الدولة كمؤسسات سياسية وادارية والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية دون ان يكون للحكم رؤية موحدة منها. - بداية تحديات سياسية اقليمية ضاغطة على لبنان مع نشوء دولة اسرائيل تمس المشكلات المتعلقة بهوية لبنان القومية وعلاقاته بمحيطه العربي. - بروز قوى سياسية جديدة وتحدي مشاركة الجماعات الطائفية الاخرى تمثل بقيام الجبهة الوطنية الاشتراكية والثورة البيضاء التي ادت الى استقالة الرئيس بشارة الخوري وانتخاب الرئيس كميل شمعون وفق برنامج ميثاق الجبهة. محطة 1956 - 1958 - عدم تحقيق المطالب الاصلاحية. - تركيز صلاحيات الرئاسة الاولى واستبعاد مشاركة الزعماء الاساسيين واسقاطهم في انتخابات 1957 تمهيداً للتجديد. - اندفاع الحكم في سياسة مناهضة لصعود الموجة القومية بزعامة جمال عبدالناصر. - تفاقم المطالب الاجتماعية نتيجة التطور الاقتصادي الذي اظهر تمركز الخدمات في مناطق معينة والاحتجاجات على حرمان المناطق. - احداث 1958: تقاطع الرياح القومية المناهضة للغرب مع معارضة الهيئات الاسلامية والقوى السياسية الحزبية الحديثة اليسارية والقومية لعهد الرئيس شمعون. العهد الشهابي - تسوية اقليمية ودولية انعكست تسوية لبنانية داخلية. - توجه من الرئيس فؤاد شهاب لمعالجة المشكلات التي ادت الى احداث 1958 وقد حددها بما يلي: - احياء الميثاق الوطني على قاعدة مراعاة الاتجاهات السياسية الرئيسية ومسايرة السياسة الخارجية العربية الغالبة ممثلة بعبدالناصر. - استقطاب ولاء المناطق الملحقة بلبنان القديم والمناطق المحرومة عن طريق مشاريع الانماء والخدمات. - تقوية السلطة التنفيذية بمشاركة زعماء الطوائف والمناطق الاساسيين. - ايجاد توازن سياسي داخل السلطة ومشاركة قوى سياسية حديثة تمثيل قوي لكمال جنبلاط ولحزب الكتائب اللبنانية ولرئيس الحكومة المعبر عن اتجاهات الشارع الاسلامي الناصري آنذاك رشيد كرامي. - توسيع التمثيل الشعبي: زيادة عدد النواب الى 99 وانشاء دوائر انتخابية تصحح التمثيل وتبرز قوته: 24 دائرة انتخابية. - استيعاب قوى سياسية حديثة ومشاركة واسعة للطبقة الوسطى بالاضافة الى قوى التقليد. - احداث توازن ضمن الادارة واستيعاب نخبة اسلامية واسعة فيها واحداث مؤسسات الرقابة لبناء الدولة الحديثة. حققت هذه السياسة بعض الاستقرار الا انها ادت الى: - معارضة مسيحية لسياسة لبنان الخارجية وللتوازن السياسي الداخلي. - عدم ارتكازها الى قوى سياسية منظمة واعتمادها ادوات البيروقراطية الادارية ومؤسسة الجيش. - ظهور النتائج المحدودة لهذه السياسية مع تصاعد التحديات الاقليمية والخيارات السياسية الكبرى بعد 1967 تحديداً وتصاعد المطالب الشعبية وعجز النظام السياسي عن استيعابها. - نتائج انتخابات 1968 تمهد لانهيار التجربة الشهابية وللارتداد على ايجابياتها والافادة من نقد البيروقراطية وكبت الحريات مدخلاً لضرب هذه التجربة. وعودة قوى التقليد الى السلطة. فرنجية، سلام، الاسعد، شمعون، الجميل،.... وعدم مساندة القوى الشهابية السياسية لمشروع فؤاد شهاب. مرحلة الحرب: - الهجوم الاسرائيلي على مطار بيروت 1968 يدخل لبنان في الصراع العربي- الاسرائىلي. - بروز الدور الفلسطيني وادخال النظام السياسي في دوامة التجاذبات الاقليمية يفتح ازمة الحكم بين مطالب بدعم هذا الوجود ومطالب بازالته. - التسلح من قبل احزاب اليمين الطائفي يعلن الانقلاب المسلح على العمل الديموقراطي. - الازمة الوطنية تطرح: - هوية لبنان ودوره الاقليمي - توازن السلطة: دور الرئاسة الاولى ودور الحكومة. - انغلاق النظام على الاصلاح السياسي والمطالب الاجتماعية. ومن نتائج الحرب: - رفض النظام السياسي القائم من المسلمين. - المطالبة بالمشاركة وتصحيح التوازن ضمن السلطة. - إنحسار الدور المسيحي سياسياً وواقعياً. - تجديد التمثيل الاسلامي وصعود قوى وحركات مناهضة للنظام الى جانب احزاب اليسار. - دخول عربي مباشر فلسطيني وثم سوري الى لبنان يغير المعادلة القائمة. - الصراع المسيحي الداخلي يضعف الموقع المسيحي. وظهر بعد وقف الحرب: - استنفاد الحرب اللبنانية اهدافها داخلياً وخارجياً. - حرب الخليج تبدل المعادلات لصالح وقف الحرب في لبنان والاقرار بدور سورية الاقليمي وخاصة في لبنان. - تسوية الطائف: حسم موضوع الهوية الوطنية والقومية والاصلاحات السياسية. - تبديل في النظام السياسي دستورياً وواقعياً بفعل ميزان القوى السياسي الجديد. صيغة الطائف: - الحد من سلطات الرئاسة الاولى. - اتجاه دستوري نحو النظام المجلسي وعلى تقوية موقع رئاسة مجلس النواب. - عدم توازن السلطات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. مدة رئاسة مجلس النواب اربع سنوات، عدم إمكان حل المجلس فعلياً. إلزام رئاسة الجمهورية بشخص رئيس الحكومة واعضائها: المشاورات النيابية الملزمة لتأليف الحكومة مدة محدودة لقبول اصدار القوانين او اعادتها الى المجلس. الخ... - تقوية الحكومة مجتمعة كمؤسسة مع تقوية موقع الوزير فيها. هناك عناوين اخرى كبيرة الاهمية: - التوجه نحو الغاء النظام الطائفي. وانشاء مجلس الشيوخ في حال الغاء التمثيل الطائفي. - المساواة في مجلس النواب بين المسيحيين والمسلمين. - المساواة في وظائف الفئة الاولى وتوازن توزيعها طائفياً وفق اهمية هذه الوظائف. - اعتماد نظام انتخابي يقوم على اساس المحافظات وهو ما يؤثر جذرياً في نتائج التمثيل السياسي. - اللامركزية الادارية: لم تنفذ. - المجلس الاقتصادي - الاجتماعي: لم ينفذ. - المجلس الدستوري: محاولات حثيثة لمحاصرة دوره الايجابي. - المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء: لم يمارس اي عمل مع صعوبة اداء اي دور. - استمرار تعطيل محكمة الاثراء غير المشروع. - الممانعة في تحقيق السلطة القضائية المستقلة. أدت هذه التغيرات الدستورية الى تبديل النظام السياسي: - انتقال مركز الثقل في هذا النظام الى الطوائف الاسلامية. دستورياً الى رئيس مجلس النواب وواقعياً مع رئيس الحكومة القوي الى رئاسة الحكومة. - النظام الانتخابي الاكثري على اساس المحافظة ادى هو الاخر الى تعزيز دور المسلمين في المعادلة الانتخابية. - دخول القوى الجديدة الى النظام السياسي: فضلاً عن الحزب التقدمي الاشتراكي الدروز وحركة امل الشيعية، حزب الله الشيعي - الجماعة الاسلامية السنية، الحزب القومي الاجتماعي يغلب على قاعدته التمثيل الدرزي الارثوذكسي حزب الوعد امتداد للقوات اللبنانية والاحزاب والتجمعات القومية الاخرى ذات الطابع الاسلامي: البعث العربي الاشتراكي - اللجان والروابط الشعبية - التنظيم الشعبي الناصري - الاتحاد الاشتراكي العربي الناصري. وغابت عن المجلس احزاب تقليدية مسيحية: الكتلة الوطنية، حزب الكتائب، حزب الاحرار، ومن ثم حزب القوات اللبنانية، مع احتفاظ الارمن بتمثيلهم السابق وتمثيل الطائفة العلوية بنائبين لاول مرة. ويتصف النظام بتنازع واضح بين مركزي الطائفتين الاسلاميتين السنية والشيعية وتراجع دور الطائفة المارونية سياسياً، وتقدم الطائفة الارثوذكسية باستحداث مركز نيابة رئاسة الحكومة وتحجيم دور الطائفة الدرزية الى حدود المشاركة في حقائب وزارية ثانوية وكذلك الطائفة الكاثوليكية. - تقوية ظاهرة للمؤسسات الطائفية ولدور المرجعيات الدينية المجالس الملّية - المؤسسات الاجتماعية الرعائية والتربوية والجامعات المذهبية الخاصة - ووسائل الاعلام الخاصة. - تراجع واضح في دور وتأثير مؤسسات المجتمع المدني الحديثة: الاحزاب العلمانية. - نقابات المهن الحرة والنقابات العمالية والجمعيات والروابط الشبابية والطلابية... الخ. - تأثير مباشر فاعل وقوي للقوى الاقليمية في النظام اللبناني. - تعميق الاتجاه الطائفي المذهبي في الحياة السياسية عامة وفي تفاعلات النظام السياسي: توزيع السلطات على اساس المحاصصة الطائفية، مباشرة القوى الدينية ومؤسساتها العمل السياسي والتأثير على سياسات الحكم التظاهرات الطائفية والضغوط العلنية والاحتجاجات على عمل مؤسسات الدولة الحكومية والقضائية.... - اتساع ظاهرة المالية السياسية على حساب التجمعات السياسية والقوى التمثيلية لشرائح المجتمع اللبناني. - انهيار الاحزاب السياسية التاريخية في البلاد وانحسار دور الجماعات الضاغطة، لصالح الزعماء الممثلين للعصبيات الطائفية في الحرب وما سمي ظاهرة التمثيل السياسي للميليشيات. - اغراق النظام السياسي المؤسسات السياسية والادارة وغيرها بممثلي الميليشيات وتقوية الاتجاه الخدماتي للعمل السياسي وانقسام المصالح العامة في الدولة بين الجماعات الطائفية من خلال مؤسسات رسمية المجالس والصناديق وتحويل المال العام مالاً سياسياً في خدمة تقوية مراكز القوى النافذة وبالتالي تعميم حال الفساد على جميع المؤسسات والمرافق. والسؤال الآن: هل النظام السياسي اللبناني هو نظام ديموقراطي كما يظهر من المؤسسات الدستورية وكما تأكد في مقدمة الدستور المعدل 1990. يقول الاستاذ غسان تويني في محاضرة له في الخمسينات انه اذا حككنا هذه القشرة من المظاهر السياسية ووضعنا الديموقراطية على المحك لتبين انها وهم لا حقيقة لانها مقيّدة بالطائفية والعشائرية. فالديموقراطية لا يمكن ان تأتلف مع النظام الطائفي بوجه عام وبوجه خاص كما اصبح يمارس اليوم بهذه الحدة من التقاسم الوظيفي للمؤسسات كما التفاوت الواضح في الحقوق والواجبات. وقد ذهب هاني فارس في كتابه "النزاعات السياسية" الى القول ان الحكم في لبنان هو لمجموعة أوليغارشية، وهذا ينفي الطابع الديموقراطي للسلطة. والحقيقة هي ان الديموقراطية لا يمكن ان تتفق مع الطائفية لان الديموقراطية نظام يقوم على حقوق الفرد المواطن. ولكن فيما يتعدى التفاوت في الحقوق السياسية التي يكرسها النظام الطائفي هناك مشكل اصلي في هذا النظام يقوم حتى في تمثيل الجماعات الطائفية والمناطق، بحيث يجعل تمثيلها مصادرة مسبقة لحق المواطنين باعلاء العصبيات الطائفية التي يثيرها الزعماء وعبر الحصص الطائفية الخدماتية والوظيفية التي يتولاها الزعماء وتوطد علاقات الزبونية بين الزعيم والمواطن بحيث تشكل اساساً كاملاً لعملية انشاء النظام السياسي كما اوضح كتاب حديث لمايكل جونسون بعنوان "الزبونية والطبقة في لبنان". ونحن اليوم امام تفاقم لظاهرة قوة الزعامات المحلية الطائفية على حساب الزعامة الوطنية، كما كان يقول ايلي سالم في السبعينات. ويتجلى بوضوح غياب الديموقراطية في الممارسة العملية للحكم عبر اختصار المؤسسات الدستورية باشخاص رؤسائها وقيام ظاهرة الترويكا التي تلغي عمل المؤسسات الديموقراطية وتحول الحكم الى حكم متعدد الرؤوس يضمر وينطوي على تحالفات طائفية معروفة، ويجعل لهذه الصيغة مرجعية للتحكيم من خارجها. ويأتي النظام الانتخابي الذي تم اعتماده بعد الطائف على اساس المحافظة دائرة انتخابية الى اضعاف صحة التمثيل وتغليب سلطة الاقطاب في بعض المناطق عبر اشكال من التحالفات التي تسيطر على اللعبة السياسية. وطبعاً لم نتوقف عند التمييز في الدوائر باعتبار ان هذا الاجراء كان استثنائياً. والجدير بالذكر ان هذا النظام السياسي لا يشجع على قيام الاحزاب السياسية الحديثة، لانه يجعل مصالح الجمهور مرتبطة بالخدمات الموزعة طائفياً. فلا تتشكل تيارات سياسية قوية حاملة لبرامج تتعلق بالحكم الوطني وتتحول في هذا النظام الطوائف والمذاهب الى احزاب سياسية، اي الى تجمعات سياسية ضاغطة وقد يكون لها احزاب تتمفصل على حدود هذه الجماعات ومصالحها. ولم يعرف نظامنا السياسي تاريخياً مشاركة حقيقية مؤثرة وفاعلة من قبل الاحزاب العلمانية" ما عدا بعض الاختراقات المحدودة حيث زاوجت بعض الوجوه بين التمثيل الحزبي والتمثيل الطائفي - المناطقي - المصلحي. وحتى الكتل النيابية نفسها لم تتشكل على اساس مواقف ثابتة، بل مجرد تحالفات وقتية. فقد كانت تتشكل وتنفرط بسرعة قد لا تصل الى حدود الدورة الانتخابية الواحدة. وفي هذه "الديموقراطية اللبنانية" تنتخب الكتل الشعبية رموزاً وقوى من اتجاهات مختلفة في آن واحد رغم وجود نظام أكثري انتخابي وهذا التقليد يتجدد مثلاً في الشوف جنبلاط - شمعون وحالياً بيروت الحريري - واكيم - الحص - ... الخ وهذه مفارقة كبيرة جداً في النظام الديموقراطي. وهذا الواقع ينعكس ايضاً على الحكومة التي تتألف ليس بناء على توافق سياسي بل بناء على ائتلاف اضطراري لتمثيل الجماعات والمناطق والقوى السياسية رغم تعارضها الكبير احياناً وهذه تعيق استخلاص رؤية وطنية للحكم وبرنامج حكم وطني. هذه الصورة لنظامنا السياسي تستدعي المطالب التالية. 1- اصلاح سياسي دستوري يعيد التوازن بين السلطات وفق مقتضيات النظام البرلماني، واقرار قانون انتخاب عصري يقوي صحة التمثيل ويفتح الآفاق امام مشاركة الفئات الاجتماعية والسياسية الحديثة. ولعله يراوح بين تصغير الدائرة الانتخابية وبين اقرار نظام التمثيل النسبي. كما تشكيل الهيئة الوطنية لاعداد الخطط والمشاريع الكفيلة بمعالجة المسألة الطائفية، نحو مسار تاريخي لتجاوز الحال الطائفية السياسية التناحرية. 2- تعزيز سلطة القضاء وتحقيق استقلالها وتفعيل دور المؤسسات الرقابية والمؤسسات القضائية الاخرى: المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ومحكمة الاثراء غير المشروع. 3- اطلاق الحريات العامة وخاصة الحريات السياسية وحرية تشكيل الجمعيات والاحزاب. 4- استكمال تنفيذ الدستور ووثيقة الوفاق الوطني كمدخل لمعالجة المشكلات الساخنة اليوم.