نجح الاوروبيون في ابقاء زخم تحركهم تجاه كتلة جنوب شرقي آسيا بعقد القمة الاوروبية - الآسيوية الثانية في لندن في الثالث من الشهر الجاري، حين مكنتهم كارثة "النمور الآسيوية" من تعزيز دورهم في المسرح الدولي. ولأن اقتراب الكتلة الاوروبية من تطبيق النظام النقدي الموحد واصدار اليورو السنة المقبلة يقتضي حضوراً في المسرح الدولي يوازي تلك الخطوة، سارع الاوروبيون الى تقديم مبادرة جديدة في الشرق الاوسط، وسرّعوا خطوات انضمام بعض دول اوروبا الشرقية ودول المتوسط للاتحاد الاوروبي وحلف الاطلسي. وركزت القمة على تأثير الكارثة المالية في جنوب شرقي آسيا على الاقتصاد الاوروبي والاستثمار والتبادل التجاري، وهو ما جعل الاتحاد يسهم في خطط الانقاذ عبر صندوق النقد الدولي بما يقارب 30 في المئة. وعلى رغم كل ما اثير على هامش الاقتصاد والمال في قمة لندن من قضايا تتعلق بالانظمة السياسية والاقتصادية والحريات وحقوق الانسان وتشغيل الاطفال، تمكن المؤتمر من التوصل الى تشخيص اكثر تفاؤلاً مما جرى في المؤتمر الاول، والتبشير بأن الدول الآسيوية قادرة على الخروج من محنتها بعد ان تجاوزت الاسوأ وبدأت تسير في الطريق الصحيح لاسترداد عافيتها. بدأ الحوار الاوروبي- الآسيوي قبل سنتين في بانكوك وهي في اوج ازدهارها بهدف رفع مستوى علاقة الاتحاد مع شرق آسيا وانعاش التصدير في اكثر مناطق العالم دينامية. ومهما يكن صغر حجم القاعدة التي اعدت لدعم التعاون، لعبت الحكومات الاوروبية دوراً صغيراً في الصيف الماضي في الدراما الآسيوية حين انهارت الاسواق المالية بسرعة. تميزت القمة الحالية بتغير الظروف وبروز الحاجة الى تطوير العلاقات بما يتجاوز الجهود التقليدية والمجاملات الديبلوماسية، إذ يريد القادة الآسيويون انخراط اوروبا بفعالية اكبر في معالجة الصعوبات التي يعانونها لاستعادة الاقتصاد عافيته. ويتركز الانطباع خارج منطقة جنوب شرقي آسيا على ان تأثير الازمات الآسيوية على الاقتصاد العالمي هو جزئي، وان البرنامج الذي قدمه صندوق النقد الدولي كاف لاستعادة الثقة، واعادة هيكلة القطاع المالي المتردي، وشفاء امراض الرأسمالية الآسيوية. لكن الامر في الواقع يتطلب مساومة قاسية، ومساعدة سخية. واذا لم تقدم القمة الحالية اكثر من فرش السجادة الحمراء فانها ستضيّع فرصة نادرة، وعلى اوروبا أن تفهم ان على آسيا الخروج من متاعبها، وان لا تضع عقبات في طريقها، قبل ان يصرخ اصحاب المصانع في الغرب طلباً للمساعدة السنة المقبلة حين تعيد دول آسيا تقييم عملاتها وتحوّل الاوضاع الاقليمية المنهارة الى ارقام تجارية. وافضل شفاء ليس الحماية، بل بذل الجهود الصحيحة لتلبية طلبات اسيا، و التعهد بفتح الاسواق للتوظيف والتجارة معاً وبشكل مشترك ومتبادل. فعلى سبيل المثال خسرت مصانع كوريا الجنوبية 478 الف عامل منذ مطلع شباط فبراير الماضي، ويرى الرئيس الكوري كيم دي جونغ ان التوظيفات الخارجية المباشرة اساسية لتوفير مصادر جديدة للعمالة واستعادة النمو والاستهلاك التجاري. وهو يرى الخبرة المالية والمصرفية الاوروبية مهمة بمقدار اهمية التمويل الخاص من المنطقة. الامر الثاني الذي يحتاج لوضوح كامل، هو ان على الاتحاد الاوروبي الاصرار على تعاون حكومات دول آسيا مع صندوق النقد الدولي. جاءت اليابان الى القمة وسط انتقاد اوروبي وآسيوي من تدني مستوى اسهامها في معالجة الازمة. والى ان تتخذ اليابان خطواتها الضرورية لانهاء الكساد فيها، يظل وضع آسيا كئيباً، على رغم اصرار رئيس الوزراء ريونارو هاشيموتو أن الاقتصاديات الآسيوية سليمة الجذور وستتجاوز صعوباتها سريعاً حين يستعيد النمو دورته. وكان رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير على عكس نظيره الياباني فبرأيه ان الازمات المالية لم تنته بعد، ولا تستطيع اوروبا ادارة ظهرها للازمة. وذكر بلير اربعة تحديات: اولها تخفيض اضرار الازمة على الاقتصاد الدولي الى ادنى حد ممكن. وثانيها، تقليل مخاطرها الاجتماعية، وثالثها، الحفاظ على الاسواق مفتوحة والقيام بالمزيد من تحرير التجارة، ورابعها تدعيم النظام المالي الدولي للحيلولة دون تكرار مثل هذه الازمة. قدمت بريطانيا خمسة ملايين جنيه لتغطية نفقات الخبرات المالية للدول الآسيوية. ووعدت دول الاتحاد الاوروبي تقديم 25 مليون دولار لصندوق دعم آسيا اسيم بناء على اقتراح بريطاني. وستسهم دول آسيا في الصندوق الذي سيقدم المساعدة التقنية لاعادة هيكلة القطاع المالي، ودراسة تأثير الازمة على السكان والفقر. وتعتقد بريطانيا ان لديها خبراء ماليين مدعمين بشبكة معلوماتية، تمكنهم من تقديم العون للحكومات الآسيوية للقيام بالاصلاحات اللازمة، في نطاق ما يحب الاوروبيون تسميته بالشراكة للمدى الطويل. ودعا بلير الاسيويين الى عدم وضع جدار من التصريفات الجمركية، والى عدم قيام دول آسيا بفتح اسواق جديدة والاعتراف بالحاجة الى استقرار اقتصادي وسيولة وثقة بالاسواق المالية. بدأت القمة وعيون الآسيويين على اوروبا بعد التوسع الضخم في التجارة بين الكتلتين في السنوات القليلة الماضية وسط نقد شديد لليابان لفشلها في مساعدة دول جنوب شرق آسيا على الخروج من ازمتها. مع ان اليابانيين يقولون انهم منخرطون في عملية الانقاذ بكثافة، وليس عدلاً القول ان هذا لا يكفي. ويريد الاوروبيون من اليابان بذل المزيد من الجهود لتحقيق الاستقرار في المنطقة في الوقت الذي تقدم دفعاً جديداً لاقتصادها الخاص. وهذا ما اثار رئيس وزراء اليابان الذي ذكر حجم الاسهام الياباني الكبير مقارنة مع الاسهام الاوروبي الذي وصفه بالمتواضع، على رغم حجم مشاركة المصارف الاوروبية وخصوصاً الالمانية والفرنسية في الأزمة. يعتب اليابانيون على الاوروبيين ضغوطهم الراهنة، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الياباني كساداً في اعتبار ان نصف صادراته هي الى اسواق جنوب شرقي آسيا، ولا يحافظ على معدلاته الا مع الولاياتالمتحدة واوروبا. وبالنظر الى الازمات التي تعصف بشتى القطاعات الاقتصادية، فان المراقبين لا ينظرون الى اي منها مجتمعة او منفردة، بل الى النظام الاقتصادي الياباني برمته وكيفية ادارة القيادة السياسية للبنية الاقتصادية الرأسمالية، التي كانت الى وقت قريب مجال اعتزاز وطني وحسد اجنبي. ويريد الاوروبيون من القادة الاسيويين التنبه للتأثير السياسي للازمة المالية، ولكن قادة الدول التي تعاني من الازمات مثل رئيس اندونيسيا لم يحضر المؤتمر لاسباب صحية. بينما كان رئيس الوزراء الصيني نجم المؤتمر، وقال عنه بلير "انه بلا شك زميل مجدد". وهو معجب ببرنامج التحديث الذي قاده. وكان اول ثمار تطور العلاقات البريطانية - الصينية منح اول ترخيص لشركة تأمين بريطانية لمباشرة اعمالها في الصين، والموافقة على اتفاقية جديدة للطيران المدني تمنح بريطانيا تسهيلات اكبر في المدن الصينية، والسماح لمندوب عن الاتحاد الاوروبي بزيارة التيبت الشهر المقبل. وقال بلير ان المباحثات الثنائية تمثل بداية في علاقات بريطانية - صينية جديدة تدشن لاول مرة بهذا الشكل منذ تسليم هونغ كونغ في حزيران يونيو الماضي. ووعد بتلبية الدعوة لزيارة الصين في تشرين الاول اكتوبر المقبل. وانضم بلير الى جاك سانتير في اول قمة للاتحاد الاوروبي مع الصين التي تركزت على العلاقات التجارية وحقوق الانسان. ووافق الاتحاد الاوروبي والصين على رفع مستوى الاتصالات بينهما، مع احتمال عقد قمة سنوية ومعاودة حوار ودي حول حقوق الانسان، وعلق سانتير: ان عهداً جديداً من العلاقات بدأ بين الطرفين. ركز الاتحاد الاوروبي على طلب الصين الانضمام الى منظمة التجارة العالمية واعلن التزامه بضمان قبول الصين، ورحب بتوقيعها على الاتفاقية الدولية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، واعلان عزمها التوقيع على الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية. وقد يكون تحسن العلاقات مع الصين في النهاية، بداية انفراج في جنوب شرق آسيا على المديين المتوسط والطويل، لا في المنطقة وحسب، ولكن في العلاقات مع اوروبا والغرب عموماً، ما يجعل قمة لندن بداية مرحلة جديدة وفق اشارة أكثر من مشارك في القمة.