كان لرئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري مساء اول من امس حوار مفتوح مع اكثر من ستين طالباً يمثلون كل الجامعات ومعاهد التعليم العالي في لبنان وينتمون الى مختلف التيارات السياسية والحزبية، من مناوئة للنظام السياسي الى مؤيدة له. بدأ الحوار على مرحلتين: الاولى متلفزة ومباشرة على الهواء استمرت نحو اربع ساعات، والثانية غير منقولة ودامت ساعة ونصف الساعة. وجاء الحوار الذي أداره الزميل ايلي ناكوزي من ضمن برنامج "سجّل موقف" على محطة "ام.تي.في" اللبنانية كأنه في سياق المشاورات التي باشرها الحريري منذ اكثر من اسبوعين. وقد يكون الحوار الذي شارك فيه ممثل عن "حركة الشعب" التي يتزعمها النائب نجاح واكيم، ثاني اطول حوار بعد الجلسة التشاورية التي عقدها الجمعة الماضي مع البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير في بكركي. لم يقدم الطلاب، ومعظمهم تعارفوا على هامش الحوار، مذكرة الى رئيس الحكومة، بل تبادل واياهم الاسئلة والاجوبة، على شاكلة القصف السياسي الذي تناول كل شاردة وواردة تهم اللبنانيين وفي مقدمهم الشباب. واللافت ان الحوار الذي استمر متلفزاً حتى ما بعد منتصف الليل، واستؤنف بسجال غير منقول على الهواء، بعدما حرص الحريري على متابعته بدعوة المتحاورين لتناول العشاء لم يبدل كثيراً من المواقف. وغلب على الحوار في معظم الاحيان طابع الاستجواب الساخن وعدم المراعاة أو المسايرة، حتى ان "عدوى الاقتباس انتقلت الى الطلاب من ساحة النجمة فكان ساخناً أفرغ من شاركوا فيه، وبينهم عدد يمثل "تيار المستقبل" المؤيد له، كل ما في جعبتهم من اسئلة وتساؤلات ومواقف جاء بعضها صدامياً، وعلى المكشوف، ليبرد تدريجاً فور انتهاء النقل المباشر، ليدخل مع الطلاب على اختلاف انتماءاتهم في خلوات حميمة، من دون الوصول الى هدنة، وراح يتبادل واياهم الرأي بعيداً من ضغط النقل المباشر حافظوا خلالها على اقتناعاتهم التي غلب عليها طابع الاتهام. وأدار الحريري الحوار غير المتلفز واختار معظم الطلاب المشاكسين والمناكفين من "عونيين" و"احرار" و"كتلويين" و"كتائبيين"، فتزاحم هؤلاء في الاسئلة وجلهم من الذين غدر بهم الوقت فلم يسمح لهم بالادلاء بدلوهم في الجلسة المتلفزة. وتصرف مع الطلاب على ان الموجودين عائلة كبيرة فيها الكثير من الآراء المتضاربة ما يتطلب منه المتابعة في حلقة جديدة من الحوار الذي تجاوز من حيث المضمون والهواجس والمخاوف معظم الحوارات التي استضافتها قاعات الاستقبالات في قريطم. ولوحظ ان المتحاورين توزعوا محاور عدة ابرزها: - التيار العوني الذي رغب من يمثله في تأكيد مواقفه من الوجود السوري في لبنان ومن منع العماد ميشال عون من العودة الى بيروت، قاطعاً الطريق على رئيس الحكومة للوصول الى نقاط تفاهم، بعدما أبلغه مسبقاً وقبل ان يطرح الاسئلة انه سيكون سلبياً معه. وهكذا حاول ان يبدأ الحوار بقصف سياسي مركز رافضاً الوصول الى اتفاق لوقف اطلاق النار. - حزب "القوات اللبنانية" المحظورة، ركّز على قمع الحريات ومحاكمة قائده الدكتور سمير جعجع معتبراً اياها سياسية، ورافضاً الصيغة السياسية التي تدار من خلالها شؤون البلاد واصفاً اياها بانها مناقضة لمقتضيات الوفاق الوطني. - حزب الكتائب أشار الى استمرار خرق الدولة ميثاق الوفاق الوطني، وسأل عن تغييب الحزب عن الحكومة والمجلس النيابي، معتبراً ان ذلك يؤكد التمثيل الناقص. اللافت ايضاً ان ممثلي حركة "امل" و"حزب الله" والحزبين "السوري القومي الاجتماعي" و"التقدمي الاشتراكي"، وان كانوا اختلفوا في ما بينهم في حدة على موضوع الزواج المدني، فان بعضهم ركّز في مداخلته على رغم انه يحترم "الرأي الآخر"، على الرد على من حملوا على الوجود السوري رافضين المساواة بينه وبين الاحتلال الاسرائىلي، اضافة الى ان بعضهم سأل عن حرية التظاهر. اما التيار "المستقبل" فان اسئلته توزّعت على قانون الانتخاب والازمة المعيشية ومصير خريجي الجامعات من الطلاب الذين لا يجدون فرصاً للعمل لا في القطاع الخاص ولا في القطاع العام بعدما أوقفت الحكومة التوظيف. وركّز الذين تحدثوا باسمه على الهوة القائمة بين الدولة وجمهورها من الشباب الذين يشكلون 65 في المئة من مجموع تعداد سكان لبنان، وسألوا ايضاً عن التعديل المزدوج للمادة الپ49 من الدستور. لكن الجامع المشترك الذي وحد بين المتحاورين في وجه رئيس الحكومة تميّز بالسؤال والاستفسار عن مصير الاصلاح الاداري وعن سبل مكافحة الفساد في الادارة والرشوة التي تحمل في بعض الاحيان عنوان الاهدار. وكان تطييف المباريات الرياضية حاضراً اكثر الى مائدة العشاء. وطرح الطلاب اسئلة عن الانقسامات الطائفية المذهبية التي تهدد الاندية الرياضية. وكان للحريري في الحوار الذي امتد الى الفجر أجوبة عن اسئلة الطلاب الذين غرقوا في الاستفسار عن الهموم الاقليمية والدولية ومن مواقع متباينة، اكثر من التركيز على مستقبل الشباب ومصير الألوف من خريجي الجامعات، اضافة الى ان ما يسمى الفريق المؤيد للسلطة لم يظهر هكذا من خلال المداخلات اذ كانت له انتقادات وملاحظات حاول المحاور تلقفها وتعامل مع الجميع انطلاقاً من شعوره ان التواصل مع تيار الشباب أمر ضروري ولا غنى عنه. وانتهى الحوار في اجواء ودية من دون ان يغير من اقتناعات معظم الذين شاركوا فيه، مع فارق أساسي ان الاحتكاك أدى الى التخفيف من التشنج الذي بدا محكوماً بمواقف مسبقة. وقد تعاطى رئيس الحكومة مع السائلين بأسلوب استيعابي في محاولة لتفكيك المواقف التي تقاطعت بين العونيين والكتائبيين والقواتيين السابقين، والتي تعتبر ان المشكلة تكمن في تهميش المسيحيين، لكنه فوجىء وصدم وأحرج بسبب صراحة بعض الطروحات المباشرة. وهكذا قال طلاب الجامعات كلمتهم واستمع اليهم رئيس الحكومة وأجاب عن اسئلتهم ولم يبرىء الحكومة من اخطاء وقعت فيها.