اختلف اعضاء مجلس الأمن، امس، على صيغة القرار الذي يفترض ان يتخذه لتثبيت الاتفاق بين الاممالمتحدةوالعراق، الذي وصفه الامين العام كوفي أنان بأنه "نقلة نوعية"، وفي غضون ذلك اكدت الادارة الاميركية انها حددت لأنان مسبقاً "الخطوط الحمر" التي لم يستطع تجاوزها خلال محادثاته مع الرئيس العراقي في بغداد. تفاصيل اخرى ص4 وفيما واصل الاعلام والمسؤولون في العراق تصوير الاتفاق بأنه "هزيمة" للولايات المتحدة، بحث الرئيس بيل كلينتون في التطورات مع عدد من زعماء العالم، بينهم الرئيس حسني مبارك والملك حسين ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، في الوقت الذي واجه انتقادات من خصومه في الكونغرس. فقد اعتبر زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الاميركي ترنت لوت أنه "لا يعالج بدرجة كافية التهديد الذي يشكله صدام حسين". وأضاف: "بعد سنوات من حرمان صدام من اي حق في تقرير مدى التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل أو تركيبة فرق التفتيش، فإن هذا الاتفاق يقنن قدرته على عمل الاثنين معاً"، وأضاف: "أنه، على حد ما قال احد الديبلوماسيين، بداية لتفكيك عملية التفتيش". واشنطن وأجرى الرئيس كلينتون اتصالات هاتفية مع عدد من زعماء المنطقة بحث خلالها معهم في الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان والقيادة العراقية. وقال مسؤول في مجلس الأمن القومي ان الرئيس الاميركي اتصل ليلة الاثنين بالرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك حسين ورئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو. وأضاف ان المحادثات الهاتفية تناولت موضوع العراق بالأساس، علماً بأن كلينتون بحث مع نتانياهو أيضاً في عملية السلام في الشرق الأوسط وضرورة دفعها الى أمام. وفي هذا الاطار توقعت مصادر الادارة ان يشهد الاسبوع المقبل تحركاً ديبلوماسياً جديداً بالنسبة الى عملية السلام سيتمثل بطرح الادارة بعض جوانب تصورها لإعادة المفاوضات على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي، وربما الاعلان عن ايفاد السفير دنيس روس منسق الجهود الاميركية لعملية السلام الى المنطقة لتحريك العملية. وذكر المسؤول في البيت الأبيض ان الادارة لا تزال تنتظر من الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي اتخاذ بعض القرارات الصعبة، وان الطرفين يدرسان الافكار التي عرضتها الادارة. والجدير بالذكر ان زعيم حزب العمل الاسرائيلي ايهود باراك كان اجرى نهاية الاسبوع الماضي بعض الاتصالات مع المسؤولين الاميركيين واجتمع بمستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي صموئيل بيرغر لمدة ساعة، والتقى الرئيس كلينتون بعد ذلك لمدة 15 دقيقة جرى خلالها استعراض الوضع العراقي مع التركيز على تطورات عملية السلام. وحاول المسؤولون الاميركيون اعطاء الاجتماعات طابعاً روتينياً بمعنى انها تأتي في اطار لقاءات عادية مع زعماء المعارضة في الدول الصديقة. وكان الرئيس كلينتون اتصل مساء الثلثاء الماضي بالامين العام أنان وتداول معه في نتائج زيارته لبغداد على ضوء مذكرة التفاهم وكيفية العمل لتوضيح الغموض في عدد من بنودها. ويتوقع ان يستقبل كلينتون انان في البيت الأبيض منتصف الأسبوع المقبل. وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، امس، جوانب لم تكن معروفة حول الدور الاميركي في عملية التحضير لمشروع مذكرة التفاهم التي وُقّعت مع العراق. وقالت الصحيفة ان وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت قامت في 15 شباط فبراير الحالي بزيارة غير معلنة للأمين العام انان في منزله في "ساتون بلايس" في نيويورك، وتناولت الغداء معه وقدمت اليه وثيقة سرية تتضمن "الخطوط الحمر" ومتطلبات الادارة من اي اتفاق يعقد مع الرئيس العراقي صدام حسين. وقالت الصحيفة ان اولبرايت وأنان بحثا في اجتماعهما خلال ساعتين ما اصبح في ما بعد مذكرة التفاهم بين الأمين العام للأمم المتحدةوالعراق. وكشفت الصحيفة ان اجتماع "ساتون بلايس" كان محصلة نقاش ومداولات داخل الادارة على مدى اسابيع عدة بين الرئيس كلينتون وكبار مستشاريه حول افضل الوسائل لمعالجة الازمة مع العراق. وقالت ان الاجتماع اظهر ان واشنطن كانت نشطة في ايجاد حل عبر الأممالمتحدة اكثر مما كانت تعلن عنه. ولاحظت الصحيفة في مقالها الذي اعتبر مسؤولون في وزارة الخارجية انه دقيق، ان الرئيس كلينتون ومستشاريه ابتعدوا عن سيناريو توجيه الضربة العسكرية وسعوا الى حل سلمي بسبب غياب الدعمين الدولي والداخلي للسيناريو العسكري. وتحدثت الصحيفة عن معارضة مندوب الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة السفير بيل ريتشاردسون في البداية لزيارة انان الى بغداد. وأشارت الى ان وزير الدفاع وليم كوهين شكك في امكان نجاح الحل السلمي وانه كان يركز دائماً على الخطر الذي تشكله اسلحة الدمار الشامل العراقية. كما ذكرت الصحيفة ان نائب الرئيس آل غور دعا الى "تصنيف" الرئيس العراقي كپ"مجرم حرب". وزادت الصحيفة ان الوزيرة أولبرايت ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي صموئيل بيرغر أبلغا الرئيس كلينتون أن مهمة أنان في بغداد قد تشكل فرصة لإيجاد حل وليست مجرد فخ ينصبه العراقيون. لذلك راح المستشارون يحضرون ورقة العمل الأميركية التي وضعت الخطوط الحمر على مهمة أنان. وقالت الصحيفة إنه خلال أحد الاجتماعات في البيت الأبيض أكد الرئيس كلينتون تأييده لمهمة أنان شرط الأخذ بالمتطلبات الأميركية. ونسب مسؤول كبير إلى الرئيس كلينتون قوله: "لا يمكن ان يذهب كوفي إلى بغداد وبعد ذلك نوجه الضربة العسكرية"، وأضاف: "لا اريد ان يتفاوض. فقواتنا هي التي ستعيد المفتشين إلى العراق. وما اريده هو اجماع واضح من المجموعة الدولية على التوجيهات التي سيحملها قبل أن يذهب إلى بغداد... واريد بياناً موقعاً". وتناولت الصحيفة تفاصيل ما حدث في بغداد في الساعات الأخيرة قبل التوصل إلى الاتفاق، خصوصاً بعدما تعقدت الأمور مع أنان نتيجة إصرار نائب الرئيس العراقي طارق عزيز على تحديد تفتيش القصور بمدة 60 يوماً. الأمر الذي دفع أنان إلى الاتصال بأولبرايت ثم الاتصال بوزير الخارجية الروسي يفغيني بريماكوف الذي اتصل بدوره بعزيز ليقنعه باسقاط المدة الزمنية. وقالت ان المشكلة حلت مع الرئيس صدام حسين خلال الاجتماع الذي استمر ثلاث ساعات. إلى ذلك، عقد رئيس المؤتمر الوطني العراقي السيد أحمد الجلبي مؤتمراً صحافياً في واشنطن دعا فيه الولاياتالمتحدة إلى تقديم الدعم المعنوي والمادي للمعارضة العراقية في سعيها لإطاحة النظام العراقي. ودافع الجلبي عن المؤتمر الوطني وقال إن المعارضة هي الآن أقوى مما كانت عليه مطلع التسعينات. واضاف إن المعارضة لا تحتاج إلى مساعدة القوات الأميركية، بل ترغب في موافقة واشنطن على تحويل منطقتي الشمال والجنوب إلى مناطق محظورة عن القوات العراقية لتنشط فيها. وقال إن ذلك ممكن جداً تحقيقه. من جهة اخرى اعلنت واشنطن ان حلفاءها سيؤيدون عملاً عسكرياً ضد العراق اذا اخلّ بالاتفاق مع الاممالمتحدة. وأوضح الناطق باسم وزارة الخارجية جيمس روبن انه "اذا اخلّ الرئيس العراقي بالاتفاق". السفير العراقي في نيويورك واختلفت آراء أعضاء مجلس الأمن حول اصدار قرار يثبت الاتفاق بين انان والحكومة العراقية. واعتبر مندوب العراق السفير نزار حمدون ان القرار "ليس ضرورياً" وقال ان انطواءه على لغة التهديد بعواقب وخيمة تترتب على تراجع العراق عن تعهداته "لن يكون بناء". واعتبر الأمين العام ان الاتفاق يشكل "نقلة نوعية" في العلاقة بين الأممالمتحدةوالعراق وهي "تختلف نوعياً" عن الاتفاقات الاخرى اذ ان تلك الاتفاقات "لم يتم التفاوض عليها مع الرئيس صدام حسين" كما هذا الاتفاق. وامتدح انان القيادة العراقية لتبنيها مواقف اتسمت ب "الشجاعة والحكمة والمرونة". ووصف صدام حسين بأنه رجل "هادئ جداً، لا يرفع صوته، وهو مطّلع، عكس الانطباع الذي يُنقل عنه، كما انه حاسم". وقال "أعتقد ان في استطاعتي العمل معه". وأكد السفير العراقي في حديث الى "الحياة" ان حكومته تعتقد ان لا ضرورة لأن يصدر مجلس الأمن قراراً يثبت الاتفاق، وقال: "حتى في حال اصدار قرار لتبني هذا الاتفاق، يجب ان يكون قراراً مبسطاً مختصراً يؤكد دعم مبادرة الأمين العام ودعم جهوده والموافقة على الاتفاق الذي تم توقيعه". واعتبر حمدون ان تضمين اي قرار فقرة تعتبر اي تراجع او نكوص في التعهدات بمثابة "خرق مادي" لقرار وقف النار تترتب عليه "عواقب وخيمة" اجراء "لن يكون بناء". وقال "ان عدداً كبيراً من اعضاء المجلس لن يقبل بذلك". واعتبر ان العمل الآن "يجب ان ينصب على الاستفادة من الاجواء الايجابية التي خلقها الاتفاق لدفع العمل الى أمام وبدء نشاط الفريق الخاص الذي سيتم تشكيله". وأضاف ان "اي محاولة لوضع الحال في اطار سلبي وفي اطار تهديدات معينة لن تكون مفيدة". وأكد حمدون "اننا مستعدون لتجنب الاستفزاز والاستفادة من الاجواء الايجابية وتفادي سقوط الاتفاق عند اختباره". وقال ان "المجلس اعطى الأمين العام صلاحية التحرك" في موضوع تفتيش المواقع الرئاسية، وهو الذي يعين الفريق الخاص وسبل اختبار الاتفاق. وعلق على ما قاله السفير الاميركي بيل ريتشاردسون بأن رفع العقوبات الاقتصادية مرتبط بتنفيذ العراق "كل" قرارات مجلس الأمن. وقال: "ادعو السيد ريتشاردسون الى ان يعيد قراءة القسم ج من القرار 687 لكي يتأكد من ان الاحكام القانونية في القرار تقضي برفع المقاطعة الاقتصادية عن العراق حال تقديم اللجنة الخاصة المكلفة ازالة الاسلحة المحظورة تقريرها الى مجلس الأمن بموجب الفقرة 22 من ذلك القرار". وأشار السفير العراقي الى ان روسيا وفرنسا والصين وغيرها من الدول الاعضاء في المجلس "قالت لنا بشكل علني ومباشر، انها تدعم مسألة رفع الحصار الاقتصادي فور توفر مستلزمات الفقرة 22. وليس لدينا اي شك في ذلك". وتابع: "هناك ايضاً المبادرة الروسية في شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي، التي كانت تنصب على محاولة حل الاشكالات القائمة بوعد ان الجهد يتعاظم ويتزايد بعد اغلاق الملفات على طريق الفقرة 22". وأكد السفير العراقي "اننا على استعداد للتعامل مع القرار" الاخير الذي اصدره مجلس الأمن ورفع كمية النفط المسموح لبغداد بيعها لسد الاحتياجات الانسانية الملحة الى مبلغ 5.4 بليون دولار لستة اشهر بصيغة "النفط للغذاء والدواء". وقال: "ابلغنا ذلك الى الأمين العام كوفي انان عندما كان في بغداد. قلنا ان العراق يتحفظ عن حجم الاتفاق الجديد بسبب محدودية قدراته التصديرية في الجانب النفطي وحاجة المعدات والاجهزة الخاصة بالتصدير الى قطع غيار والى ادامة فنية ما يقتضي تخصيص اموال بغرض تحسين القدرة التصديرية". وتابع ان العراق سبق واقترح تخصيص دولارين من ثمن البرميل الواحد لتغطية نفقات الانتاج وتحسين القدرة التصديرية "وقد وعدونا بدرس هذا الامر". وقال السفير حمدون، الذي رافق الامين العام في زيارته الى بغداد ولعب دوراً في التوصل الى اتفاق: "اننا نعتقد ان الدور الأساسي لعبه الأمين العام، برغبة منه، وباستعداد من جانبه. وبالتأكيد انه استشار الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بما فيها الولاياتالمتحدة". وزاد "ان العراق يأمل دائماً بأن تعيد الولاياتالمتحدة النظر في سياستها تجاه العراق وبشكل خاص في موضوع اعمال اللجنة الخاصة وتطبيق الفقرة 22". ومن المتوقع ان يتجه الأمين العام الى واشنطن الاثنين المقبل ليمكث في العاصمة الاميركية ثلاثة أيام. واستمع مجلس الأمن في جلسة مغلقة الى رئيس فريق مسح المواقع الرئاسية، ستيفان ديمستورا، الذي كلفه الأمين العام مهمة تحديد مساحة المواقع الرئاسية وتعريفها. وقال السفير الروسي سيرغي لافروف في اعقاب الجلسة "احرزنا التقدم"، وأشار الى ان المجلس تسلم "خرائط" من رئيس الفريق. وقال ان لدى تعيين الامين العام الفريق الخاص لتفتيش المواقع الرئاسية، تتخذ اللجنة الخاصة التي يترأسها السفير ريتشارد بتلر قرارها بمواعيد اختبار الاتفاق عبر ايفاد الفرق المعنية للقيام بمهماتها.