ازدادت أمس حدة الانتقادات لعملية "ثعلب الصحراء" ضد العراق من جانب شخصيات سياسية وعسكرية بريطانية ووسائل الاعلام بعد انتهاء العملية. وحذر كل من اللورد العمالي دنيس هيلي، وهو وزير دفاع بريطاني سابق، والجنرال سير بيتر ديلابليير الذي قاد القوات البريطانية في حرب الخليج عام 1991، من ان الهجمات الجوية والصاروخية يمكن ان تكون قوّت قبضة الرئيس صدام حسين على السلطة وألحقت أضراراً بعلاقات بريطانيا الديبلوماسية. وأثار ديلابليير في مقابلة مع "هيئة الاذاعة البريطانية" أول من أمس تساؤلات عن الأثر السياسي لحملة القصف الجوي قائلاً ان من شأنها ان "تقوي" مركز الرئيس العراقي. وأضاف: "لم يحدث في أي وقت ان أدى قصف جوي الى اخضاع شعب، بل انه القصف الجوي يميل الى جعل الناس يقفون موقف تحدٍ وثمة خطر من حدوث ذلك، ليس في العراق فقط وانما عبر العالم الاسلامي". وتابع ديلابليير انه على رغم ان الهجمات نفذت ضمن السلطة المفترضة للامم المتحدة، فإن هذا ليس التصور السائد في الشرق الأوسط. أما اللورد هيلي الذي كان وزيراً للدفاع في الستينات وناطقاً باسم حزب العمال في الشؤون الخارجية في الثمانينات، فقال في مقابلة مع "هيئة الاذاعة البريطانية" أول من أمس مشيراً الى رئيس الوزراء البريطاني: "كان توني بلير سيكون أكثر حكمة لو أنه نصح الرئيس بيل كلينتون بأن يكون أكثر تمهلاً". واضاف ان دعم بلير للولايات المتحدة في الحملة الجوية "لم يخدم مكانته، خصوصاً تجاه الأوروبيين لجهة تجاهله المعارضة من جانب فرنسا وايطاليا، فيما يرى ان بريطانيا جزء من أوروبا. وعلى حد ما أعلم، لم نشاور الاتحاد الأوروبي نفسه على رغم اننا نقول ان هذا هو أساس كل سياستنا الخارجية هذه الأيام". وتابع: "من غير القانوني مهاجمة أهداف في بلد ذي سيادة بقنابل من دون تفويض مباشر من مجلس الأمن". وكتب كريستوفر لوكوود تحليلاً في صحيفة "ذي ديلي تلغراف" يقول: "في 1991 عندما طرد صدام من الكويت قاد جورج بوش تحالفاً من 30 بلداً، وفي 1998 لم يقد بيل كلينتون سوى توني بلير". واضاف: "هذه العزلة كان سيسهل الرد عليها لو ان قصف العراق خدم غرضاً محدداً وسجل نجاحاً واضحاً، لكنه لم يحقق ذلك. صحيح ان أحداً لم يتمكن من التقدم ببديل أفضل في شأن كيفية التعامل مع صدام، لكن هذا لا يعني ان الاضطرار للجوء الى القصف في شهر رمضان اسفر عن أي شيء سوى إلحاق الضرر بأميركا وبريطانيا". ورأى لوكوود ان القصف لم يدمر أسلحة دمار شامل عراقية ولن يؤدي الى اضعاف النظام العراقي الى درجة اثارة تمرد لإطاحته، وزاد: "إن 40 يوماً من القصف لم تزحزح صدام في 1991، ومن غير المرجح ان تزحزه أربعة أيام من القصف في 1998". وختم ان نفوذ بريطانيا في الشرق الأوسط "أضعف كما أضعفت أسلحة صدام". و"إذا نظرنا الى المستر بلير، مثل المستر كلينتون، فيما ينقشع ضباب الحرب، وجدنا ان لديه الشيء القليل جداً الذي يمكنه الاحتفال به في عيد الميلاد هذا". وكتب المحلل اندرياس ويتام سميث في صحيفة "ذي اندبندنت" انه لم يكن من الأمور السليمة ان يشن كلينتون الهجوم مباشرة قبل الموعد المقرر لمناقشة مجلس النواب الاميركي اجراءات عزله. واعتبر ان كلينتون أضفى مسحة دعاية كاذبة على تقرير "أونسكوم" عن امتثال العراق بقوله ان ذلك البلد "نزع سلاح المفتشين"، وذلك على رغم ان الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان قال ان امتثال العراق كان "صورة مختلطة" واقل من "تعاون كامل". وتساءل عن سبب احتفال دول عربية بالضربات الجوية للعراق قائلاً ان بلير أوحى ضمناً بأن هذه الدول تبيت سراً هذه العواطف. وقال ان "الصمت ربما كان سببه الامتعاض من رؤية بلدين مما ينظر اليه على اساس انه الغرب المسيحي الاستعماري وهما يهاجمان بلداً مسلماً عربياً مهما تكن عيوبه". ونوه سميث بمقال لزميله الصحافي روبرت فيسك، اشار الى ان دنيس هاليداي الذي أدار برنامج "النفط للغذاء" في بغداد استقال عندما أدرك ان آلاف الأطفال العراقيين يموتون كل شهر بسبب العقوبات. ونقل عن هاليداي قوله: "إننا وسط عملية تدمير مجتمع بأكمله... هذا غير قانوني وغير اخلاقي". وقال الدكتور مارك الموند أستاذ التاريخ الحديث في كلية اورييل في اكسفورد ان الولاياتالمتحدةوبريطانيا اعطتا الرئيس صدام حسين "نصراً دعائياً"، ولن يثير استغرابه ان يكون الرئيس العراقي "أكثر شعبية الآن". وعبّر عن اعتقاده ان صدام "يلعب دوراً بالغ الأهمية في اضفاء الشرعية على دور أميركي في الخليج". وذكر ان كثيرين من الذين أيدوا حرب الخليج يبدون شكوكاً كبيرة في دوافع كلينتون لاطلاق "عملية ثعلب الصحراء". ووصف "ثعلب الصحراء" بأنها "مناورة دعائية" و"أربعة أيام من الألعاب النارية" وليست استخداماً جدياً للقوة العسكرية.