ضربت قوات الامن وحفظ النظام السورية امس جداراً بشرياً حول المؤسسات الاميركية والبريطانية في دمشق تحسباً لاستمرار التظاهرات المناهضة لپ"العدوان" الاميركي - البريطاني على العراق. وعُلم ان عناصر أقل من الامن والشرطة أحاطت بالسفارة السعودية ومباني الديبلوماسيين الاميركيين والبريطانيين بعدما حاول متظاهرون توجيه زملائهم إلىها، على رغم توقف الضربات الجوية على العراق. ولم تشهد دمشق اجراءات كهذه منذ سنوات، اذ تعود التظاهرةالأخيرة في هذا الحجم الى فترة الاجتياح الاسرائىلي للبنان في 1982 عندما قام متظاهرون بإنزال العلم الاميركي وإحراقه. وكانت شوارع دمشق شهدت أول من أمس أعنف تظاهرة، اذ تخللها هجوم عشرات الآلاف من الشباب على منزل السفير الاميركي رايان كروكر والمركز الثقافي ومدرسة تعليم اللغة ومبنى السفارة الاميركية، اضافة الى المدرسة والمركز الثقافي البريطانيين. وقالت مصادر ديبلوماسية لپ"الحياة" ان مقر السفارة تعرض الى "أضرار بسيطة تضمنت كسر زجاج النوافذ والسيارات"، وان السفير البريطاني باسيل ايستوود توجه ومساعديه الى عملهم في مبنى السفارة. وأبلغت مصادر ديبلوماسية بريطانية "الحياة" ان ايستوود نقل اول من امس الى وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع "احتجاجاً رسمياً حول الاضرار التي لحقت بالسفارة والمركز الثقافي، وطالب بحماية مناسبة للاملاك وبتعويض لتغطية اصلاحات الاضرار". وأضافت ان الشرع "قدم اعتذاراً كاملاً وأكد ان الحماية المناسبة ستقدم للابنية والمواطنين البريطانيين". وعلمت "الحياة" ان موظفي السفارة الاميركية عطلوا امس، بعدما نقل السفير كروكر "احتجاجاً رسمياً" الى الخارجية السورية، تمهيداً لمطالبة دمشق بپ"تعويض الخسائر لان حماية المؤسسات الاميركية مسؤولية سورية". وبثت "الوكالة السورية للانباء" سانا لاحقاً ان وزارة الخارجية أكدت "حرص السلطات الامنية على توفير الحماية اللازمة لكافة البعثات الديبلوماسية والقنصلية والمؤسسات الدولية المعتمدة لدى سورية"، وان الخارجية "أسفت للأضرار التي لحقت بمباني البعثتين الاميركية والبريطانية وممتلكاتهما خلال التظاهرات التي اندفع فيها مئات الآلاف من الطلاب والمواطنين يوم أول من امس معبرين عن احتجاجهم على ما يتعرض له العراق ومطالبين بوقف العدوان على شعبه". وتراوحت تقديرات المشاركين في تظاهرة السبت بين مئة ومئتي ألف طالب جامعي وثانوي انضم اليهم مئات الاهالي. وكان واضحاً ان الامور خرجت من أيدي قوات الامن والشرطة التي لم تستطع منع المتظاهرين من الهجوم على المؤسسات البريطانية والاميركية. وعلمت "الحياة" ان عقيلة السفير كروكر فوجئت بالمتظاهرين في وسط المنزل، وان الديبلوماسيين الاميركيين "كانوا حذرين في تحركاتهم امس". وانتهت تظاهرة السبت بقيام مئات الطلاب الجامعيين بمسيرة صامتة حمل خلالها الطلاب الشموع ووقفوا أمام ضريح الشهداء في ساحة المرجة "دقيقة صمت حداداً على اطفال العراق". وعلى رغم كون المظاهرة عفوية في مشاركة آلاف الطلاب والشبان، فإنها عكست موقفاً رسمياً سورياً يعارض الضربات الاميركية - البريطانية على العراق، لكن الاهم انه يعكس ابتعاد الحكومة السورية عن السياسة الاميركية في الشرق الاوسط. ويرى مراقبون رابطاً بين التظاهرات المناهضة لضرب العراق واستضافة دمشق للمؤتمر الوطني الفلسطيني الذي اعتبر موجهاً ضد الرئيس بيل كلينتون وزيارته لأراضي الحكم الذاتي. وكانت لافتة طريقة تغطية وسائل الاعلام الرسمية للضربات الاميركية - البريطانية ومظاهرة السبت. ذلك ان التلفزيون الرسمي أعاد مرات عدة صورة الشبان الثلاثة وهم ينزلون العلم الاميركي من مبنى السفارة و صور شبان آخرين يحرقون أعلاماً اخرى. وخصصت الصحف الرسمية امس صدر صفحاتها لنقل أحداث التظاهرة. وكتبت "البعث" ان: "تظاهرة المليون في دمشق تستنكر العدوان وتؤكد التضامن مع شعب العراق، وسط تصاعد الغضب العربي والدولي على العدوان الاميركي - البريطاني"، فيما حملت "تشرين" الحكومية عنواناً جاء فيه "تظاهرات شعبية غاضبة في دمشق وحلب تندد بالعدوان"، مستغربة كلام كلينتون عن ان "ما نقوم به هو لمصلحة العرب والمسلمين". وكتبت صحيفة "الثورة" الرسمية: "القصف الوحشي يعمم الاحزان والمأسي في العراق"