تعد المكتبة الوطنية الجزائرية أحد أهم وأقدم المشاريع الثقافية في البلاد، بل المرجع الرئيس والأساس للإنتاج الفكري المطبوع في كل المجالات والتخصصات المعرفية في الجزائر، كما أنها تمتلك صدى عالمياً نظراً الى حجم الكتب الذي تحفظه، من جهة، وعدد القراء الذين تستقبلهم من جهة أخرى، كما أنها تمتلك من التقنيات الحديثة ما يجعلها في مصاف أحدث المكتبات العالمية. نشأت المكتبة بمرسوم صادر عن الوزارة الفرنسية للحرب بتاريخ 13 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1835، أي بعد استيلاء الفرنسيين على مدينة الجزائر بخمس سنوات وكانت النواة الأولى لرصيد المكتبة على يد أدريان بارباروجار. مرت المكتبة بالكثير من فترات التنقل منذ نشأتها وحتى نقلها إلى مقرها الحالي؛ فنشأت بداية في بيت في حي باب الواد إلى أن تم نقلها عام 1838 إلى «ثكنة الانكشاريين» في باب عزون واستقرت فيها لمدة عشر سنوات حتى عام 1848. وخلال هذه الفترة ازداد رصيد المكتبة الصغيرة شيئاً فشيئاً وذلك بفضل الهبات، ومصادرات المخطوطات وإرساليات وزارة الحرب الفرنسية، وخُصصت لها موازنة متواضعة قدرها 6.600 فرنك قديم لمحاولة احتواء الرصيد الفائض عن المكتبة، وفضلاً عن هذه المشكلة لم توفر الثكنة أي ارتياح لروادها ولعمالها، ولهذا نقلت إلى بيت خاص (الرقم 18) في شارع لوطوفاج من عام 1848 إلى 1863، وخصصت الطبقة الأولى للمكتبة والثانية لمتحف الآثار. وتميز هذا البيت بهندسته الإسلامية الموريسكية. بني البيت على يد الحاج عمر صهر حسن باشا في نهاية القرن الثامن عشر وقبل أن تنقل إليه المكتبة ومتحف الجزائر كان يسكنه القنصل الأميركي شالر ثم المارشال كلوريل وأخيراً الإدارة السياسية للحكومة وكان هذا البيت ملكاً لإبراهيم وهو الابن البكر لمصطفى باشا داي الجزائر من (1789 إلى 1805) الذي باعه لشخص يدعى لا فولي سنة 1841. كانت المكتبة آنذاك تستفيد من إرساليات طائلة من الكتب من وزارة الحرب الفرنسية، وكذلك المخطوطات العربية التي اكتشفها الجيش وقت غزوات تلمسان وقسنطينة. وفي عام 1863 نقلت المكتبة مرة أخرى إلى قصر مصطفى باشا القديم في شارع «ايميل موباس»، وهو أحد أفخم نماذج الهندسة الإسلامية الموريسكية التي تعود إلى القرن الثامن عشر، فقد شيّد هذا القصر عام 1799 لمصلحة مصطفى باشا ابن عم سين داي. وعلى رغم الجمال الهندسي للقصر، إلا أنه لم يكن مخصصاً لاحتضان مكتبة، اذ كانت الأماكن غير كافية لبسط الكتب التي كان عددها في تزايد مستمر، وكانت قاعات المطالعة ضئيلة، فضلاً عن متاهات القصر وأروقته التي كانت تعوق العمل، كما كانت ظروف التخزين سيئة والرطوبة تهدد المخطوطات والكتب النفيسة، ومن هنا نشأت فكرة تشييد مبنى جديد لاحتواء المكتبة الوطنية سنة 1949، وطرحت فكرة بناء مكتبة وطنية جديدة وأسند المشروع الى المهندس لويس تومبارال ومساعده المهندس شولتر اللذين وضعا مخططاً من أجل تشييدها، فتم قبوله، وأنشئت المكتبة على أرض كانت ملكاً للمديرية العامة للتربية الوطنية. ونظراً الى أن المشروع تطلب إمكانات ضخمة ومبالغ هائلة، قُدم إلى وزراة المال التماس للمساعدة، وفي شهر نيسان (أبريل) عام 1954 وضع الحاكم العام للجزائر ليونار الحجر الأساس للمبنى بحضور جوليان كاين متصرف عام المكتبة الوطنية الفرنسية ورئيس جامعة الجزائر غو ومتصرفة المكتبة الوطنية للجزائر جارمان لوبال، وفي حضور شخصيات أخرى، وسنة 1955 شرع في أعمال البناء وتم افتتاحها في شكل جزئي للجمهور عام 1958. هكذا نشأت المكتبة الجديدة على ربوة «التاغاران» وهي موجهة صوب البحر تطل على البريد المركزي وإدارة الجمارك وقصر الحكومة، أي أنها تتمتع بموقع جيد يجعلها تتوسط المدينة، كما أنها تمتد على مساحة تبلغ 4800م2، والمكتبة مخططة حول محور يمر بالمكتب الكبير للمراقبة والإعارة حيث يوجه القارئ نحو قاعات المراجع وقاعات المطالعة. أما بعد الاستقلال، فأُسندت إدارة المكتبة إلى محمود بوعياد الذي بادر الى إعادة هيكلة المكتبة هيكلة واسعة النطاق حتى أصبحت مقر الإيداع القانوني ولتستقبل كل الرواد من دون استثناء. المكتبة الوطنية في مبنى الحامة اختيرت الحامةجنوب العاصمة الجزائر لتشييد المكتبة الحديثة، وجاء هذا الاختيار في إطار سياسة ثقافية وحضرية ترمي إلى نقل بعض الوظائف الحيوية للعاصمة إلى هذا الحي حتى يصبح قطب جذب مميزاً. ولإنشاء البرامج واختيار هندسة خاصة، تم تنظيم مسابقة وطنية ودولية سنة 1984. في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن قدرة تخزين المكتبة التي قدرت في البداية ب 20 مليون مجلد حددت ب 10 ملايين. تم تنظيم هذه المسابقة آنذاك من طرف وزارة العمران والبناء والسكن، والمشروع الذي تقدم به لافالان أنترناسيونال – كندا - هو الذي تم قبوله وإسناده إلى مكتب دراسة بلغاري «تكنو إكسبورستوري». وبعد إنشاء الأوفاريس (ديوان التهيئة وإعادة الهيكلة). نقل المشروع إلى هذه المؤسسة. ونفذت الأعمال المؤسسة الإيطالية «امبريفيل» من مدينة ميلان. وتم انطلاق المشروع سنة 1986 لينتهي سنة 1994. تنفرد المكتبة الوطنية للحامة بهندسة ضخمة. وهي مكونة من ثلاث مكتبات تعكس كل واحدة منها طابعاً خاصاً. فالمكتبة الجزائريةالجديدة هي في الوقت نفسه مكان دراسة وبحث ومكان منفتح على الإعلام والاتصال عبارة عن مكتبة المطالعة العامة ومكتبة الطفولة. والمكتبة الجزائرية تحاول التنسيق بين الفخامة والأناقة الوظيفية، وبين مكتبة الحفظ ومكتبة المطالعة العامة وبين الإعلام والتسلية. كما أنها تعكس التواصل بين المكتبة والهندسة بأناقة وهذا بفضل وجود الساحة وتطابق الزجاج، وهذا النمط الهندسي يناسب تطور المكتبة الوطنية نحو الاحتفاظ بوظيفتها كمتحف وكحافظ للذاكرة الوطنية. المخطوطات تحتوي المكتبة على رصيد هائل من المخطوطات التي يقترن تاريخها إلى حد بعيد بتاريخ المكتبة الوطنية الجزائرية والتي تشكل أحد أفضل ما لديها، فمنذ تاريخ إنشاء المكتبة بذل المحافظون الذين تعاقبوا على إدارتها قصارى جهدهم لجمع أنفس الوثائق التي من شأنها أن تنير تاريخ الإبداع الفني، الأدبي والعلمي العربي الإسلامي. تحتوي هذه المخطوطات على كل الميادين والتخصصات، فمنها: الفقه، النحو العربي، الشعر، التاريخ، الجغرافيا، الطب، الجراحة، الفلسفة، الهندسة، علم الفلك، وعلم التنجيم»، وهي من تأليف أسماء بارزة من المفكرين العرب والجزائريين. بعض هذه المخطوطات عريق جداً، فأقدم مخطوط يتوافر لدى المكتبة الوطنية يرجع تاريخه إلى القرن الثالث الهجري ويتعلق بأجزاء من القرآن الكريم المكتوب بخطوط مغربية أو شرقية، كما أن هذه المخطوطات تتزايد في شكل ملحوظ وذلك من طريق الشراء والهبات والإهداء. وتقوم المكتبة بترغيب المواطنين الذين يقتنون هذه المخطوطات بتسليمها الى المكتبة إما بالشراء أو بالإهداء أو حتى بالتصوير وبهذا تسلمت المكتبة مكتبة ابن حمود ليبلغ عدد المخطوطات نحو 220 الى جانب مجموعة المخطوطات التي اقتنتها من وزراة الثقافة والتي كانت تضم من مكتبة الأمير عبدالقادر في دمشق عدد 21 مخطوطة، ومخطوطات خزانة حسين بن رحال 38 مخطوطاً، مخطوطات ابن دادوشي 235 مخطوطاً كلها باللغة العربية في علوم الدين والفقه والأدب والشعر والمنطق وعلم الفلك والبلاغة، ويبلغ عدد الرواد الذين يطلعون على هذه المخطوطات نحو 400 باحث سنوياً. ومن بين مخطوطات المكتبة مصحف فاخر ينسب إلى شاديك بن عبدالله الشريفي، الذي أنجز سنة 884/1479 ويعتبر نموذجاً من مصاحف القرن التاسع الهجري ويبلغ طول صفحاته 270 على 280 وعدد أوراقه 338 وعدد سطوره 11سطراً، أفردت فيه الفاتحة على ظهر الورقة الأولى وهي ذات إطار مزخرف بالذهب واللون الأزرق وفوق النص وأسفله مستطيل ذو شكل هندسي يحوي اسم السورة وعدد آياتها وتقابلها على وجه الورقة الثانية سورة البقرة، وكتبت أسماء السور بالذهب المسور بالحبر بخط الثلث، اذ كانت مصاحف هذه الفترة تتسم بضخامة حجمها وجلاء خطوطها وهي من مصر المملوكية واهتم المذهبون بزخرفتها وأحكام هندستها. وبجانب المخطوطات يوجد رصيد من الصور الحجرية التي يقدر عددها بنحو 297 وحدة. قد يجد المتطلع والفنان، في المجالين الشكلي والموضوعي منبعاً من الوقائع أو الدراسات والأخلاق والمعلومات، ذلك أن المجموعة تعرض في صيغ متتابعة كل البطولات التاريخية للجزائر في العهود التركية والفرنسية... ولما نطلع على هذه المؤلفات الحجرية، فإننا نحس بحنين إلى مناظر الجزائر القديمة والمشاهد اليومية لحياة الجزائريين، كما أننا نكتشف الملابس التي كان أجدادنا يظهرون بها بفخر، وعلاوة على ذلك نندهش للوجود السلمي لعدد طائل من الأعراق ولتعايشها بموطن واحد! ونبكي حينما تصادف أعيننا مشاهد مثيرة من احتلال الجزائر سنة 1830. * كاتب مصري