السيد المحرر، تحية طيبة وبعد، نشرت "الحياة" في عددها الصادر يوم الأحد في 16 تشرين الثاني نوفمبر 1997، في الصفحة 20، قراءة في كتاب: "تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام" بقلم الأستاذ الياس القطار. ومع احترامي لصاحب القراءة، أود أن أشير الى النقاط الآتية: 1- لا شك في أن العصر المملوكي حظي بالكثير من الدراسات المرجعية لمؤرخين وجغرافيين وموسوعيين، عاصروا أحداثه التي امتدت على مدى قرنين ونصف من الزمن، وطُبع أكثرها ونُشر، ولا يزال بعضها مخطوطاً، والبعض الآخر في طريقه الى التحقيق والنشر. 2- صدرت منذ عشرات السنين دراسات حديثة من قبل مؤرخين عرب ومستشرقين، تؤرخ للعصر المملوكي، اعتمدت عموماً، على المصادر المنشورة، وتناولت جوانب متعددة من هذا التاريخ. 3- مع استمرار نشر المخطوطات، وظهور نظريات تاريخية جديدة، أضحت الدراسات الحديثة مؤهلة لإعادة النظر في بعض مضامينها في الوقت الذي لم تتم هذه الخطوة لسبب أو لآخر، وبالتالي بات من الضروري ظهور دراسات جديدة تتناسب مع المعلومات التي تُنشر وتظهر تباعاً. وإذا كانت أطروحات الدكتوراه، إذا وجدت، قد عالجت جانباً أو أكثر من جوانب العصر المملوكي، فهي لا تزال محفوظة في مكتبات أصحابها وفي أدراج الجامعات، فلا يمكن والحالة هذه أن تعم فائدتها القراء. 4- عالجت في دراستي الجانب السياسي من تاريخ المماليك، فبينت الخلفيات السياسية التي حركت أطراف النزاع في الداخل والخارج، والمعروف أنه من صفات الدراسات السياسية، أنها تتضمن سرداً للحادثة السياسية للوقوف على دوافعها وخلفياتها ومن ثم استخلاص نتائجها. 5- حصرت دراستي في عصرين هما مصر وبلاد الشام، لأن هذين القطرين كانا المسرحين الرئيسيين لاحداث التاريخ المملوكي، مع الملاحظة بأني لم أُغفل تاريخ بعض الأسر الاسلامية، والدول المسيحية، المجاورة والبعيدة، التي عاصرت المماليك وأقامت معهم علاقات سلمية أو عدائية. 6- استندت دراستي على أمهات الكتب التي أرخت المماليك على كثرتها وثقة مؤلفيها، واخترت منها ما عاصر مؤلفوها الأحداث أو اشتركوا في الحياة العامة، وتقلدوا المناصب الكبرى. أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: المنصوري، ابن عبدالظاهر، المقريزي شيخ مؤرخي العصر المملوكي، ابن تغري بردي، الصيرفي، ابن حبيب، ابن الفرات، القلقشندي، النويري، العيني، وان لم اعتمد على المصادر الأخرى فإن ذلك ليس غفلة مني إذ أن هذه المصادر بمجموعها يأخذ غالباً عن بعضها، فاللاحق يأخذ عن السابق، وإذا صادف وجود مصدرين أو أكثر لكاتب واحد فإن الأحداث، ترد بمضمون واحد مع بعض الزيادة أو النقصان التي لا تؤثر على جوهر الأحداث. بقي علي أن أشير الى أن الأستاذ الياس القطار تجاوز حدود النقد العلمي بقوله: "ان المؤلف لم يستند في تحرير معلوماته إلا الى نصف المصادر المملوكية ونسي الكثير من الكتب والدراسات الأجنبية فهو أسقط عن عدم معرفة العديد من المؤرخين أو استعمل من مؤلفاتهم هذا الكتاب دون ذاك". فأما قوله عن عدم معرفة فجعلني أتساءل كيف عرف ذلك أو أنه يحب التطاول على غيره. وأما أن يعتمد المؤلف كتاباً دون آخر فهل مهمته غير ذلك، ولأسباب ذكرتها قبل أسطر. مع ذلك فانني أشكر الكاتب الكريم الذي نبهني الى بعض الأمور، وجل من لا يسهو ولا يخطئ، فالكمال لله وحده.