يشعر وزراء الحكومة الموريتانية "الجديدة" - "القديمة" ب "الكبت" منذ قيض الله لها الوزير الأول الجديد محمد الأمين ولد اكيك الذي عُيّن في 18 كانون الأول ديسمبر الماضي. فلا هاتف دولياً في البيت، لا سيارات عابرة للصحراء، ولقلوب العذارى... لا خدم... لا... افتتح الشاب القادم من بعيد عهده بسلسلة اجراءات "صارمة" وسريعة اعتبرها البعض مقدمة ل "جلد" من ينبتون اللحم بالمال الحرام. وقابلها البعض بالتحفظ في انتظار ان يتأكد من انها مستمرة وليست موجهة للاستهلاك الصحافي. لكن الموريتاني العادي الذي يضيق ذرعاً بهذه القوارض التي تزداد ثراء وإفساداً للاخلاق العامة بينما يزداد هو فقراً، يتفاءل خيراً بهذا الشاب الطري الذي لم تتلطخ يداه بعد بالمال العام ويعرف عنه قدر من الصرامة والثقة بالنفس. ويشكل الشاب الحقوقي الذي جاء به الرئيس معاوية ولد الطايع من احدى ادارات التعليم مثار ازعاج في الاوساط الفاسدة من وزراء ومديرين. وهو يتعرض لحملة تشكيك في هذه الاوساط تعطي انطباعاً بأنه ربما كان جاداً في محاربة الفساد. ومن أهم اجراءات الوزير الأول الجديد حظر استخدام الوزراء ومن هم على شاكلتهم السيارات العابرة للصحراء في العاصمة نواكشوط، والاكتفاء ب "المرسيدس" السوداء لتنقلات الوزير داخل المدينة. اما خروج "رباعيات الدفع" فيخضع لاذن رسمي، ووجود مهمة رسمية... والأسرة؟ أسرة الوزير... لم يعد مأذوناً لها الا بسيارة واحدة... واحدة فقط!... والخدم؟ لم تعد الدولة تدفع الا اجرة خادم واحد. فمن يغسل الصحون؟ ومن يتولى الطبخ؟ ومن يغسل الثياب؟ ومن يسقي الجنينة؟ ومن يربي الأولاد؟... هي كارثة وخراب بيوت... وحتى الهاتف، هذا الجهاز "المشاع" الذي هو حق من حقوق المدنية الحديثة، لم يعد في بيت الوزير يتحدث أي لغة اجنبية ولا لهجة عربية، فقد اجريت له عملية جراحية أزالت "الصفر" الذي يلقنه لغات العالم. وفي مكاتب الوزراء تعميمات من الوزير الرقم "واحد" تنبه الى ضرورة الاستغلال الامثل للهواتف "الناطقة بالاجنبي" في مكاتبهم. وكأنه تحذير من ان "المرتنة" من موريتانيا التي اصابت هواتف البيوت قد تعزل تليفونات المكاتب عن العالم. ولد اكيك يحضر لضربات اخرى. أو هكذا يشاع. فهو منذ عُيّن وزيراً أول يقضي معظم وقته في رئاسة الجمهورية لا في مكتبه. ويروج انه يجري اعداد طبخات قوية في "البيت الأمغر" بين الرئيس الطايع ووزيره الأول. "جعلها الله خيراً" يقول اصحاب الدخل المحدود. و"استرنا يا رب" تقول "القوارض". لا يستوي الوزراء في التأثر باجراءات التقشف الجديدة، فهناك الوزارات "السمينة" التي تملك أرتال السيارات الفارهة ما يجعل زوج الوزير وابن الوزير وابن عمه ومعارفه الغادين الرائحين من مدنهم وقراهم واليها في أزمة حقيقية بعد اعلان استعادة الدولة ملكية سياراتها. اما الوزارات الفقيرة مثل وزارة "الثقافة والتوجيه الاسلامي" أو "كتابة الدولة لمحاربة الأمية" فهذه في الأصل جافة. و"حرام" ان تطبق عليها الاجراءات الاخرى في الوقت نفسه مع تلك التي "تبيض" ملايين الاوقية الموريتانية. ربما كان الأحرى ان يمنح الوزراء الافقر فترة امهال حتى يصلوا الى ما وصل اليه نظراؤهم من المال أو "الاكتفاء النفسي". وعموماً قد يخفف على اعضاء الحكومة انهم في معظمهم كانوا في الحكومات "المرفهة" السابقة ولم يكن هناك عيب في ان يحول المسؤول أوراق ملكية سيارة حكومية باسمه "شراء"، بحجة انها قديمة أو تضررت في حادث سير الى درجة تجعل انفاق الدولة عليها "سفهاً". ولم يكن عيباً ان يرزق الله المسؤول من "مال الله". وليس هناك من يحق له ان يسأل عن مصدر هذا المال "الجديد"، فرزق الله كثير. والذين استفادوا من هذه الوضعية هم الآن أقل تضرراً من غيرهم. اما الجدد فربما كانوا من الذين "صبهم" الله قنوعين نزهاء ومن هم هكذا لن يتأثروا بالحملة الجديدة. ولن يصدمهم هذا "الكبت" عن "ملذات" السلطة التي كانت مشاعة. ولعل أخطر ما في اجراءات الوزير الأول هو هذا "الشلل" الذي أصاب "جمال" العصر رباعيات الدفع. فهي جمل الموريتاني الذي "تسكنه" البادية. ويفخر بها. فلم يعد في مقدور المسؤول ان "يركب" ال "VX" الفارهة في الوقت الذي يريد ليقضي ليلة في البادية بعيداً عن الاسمنت والحديد. أو يمضي أياماً يتفقد قطعان ابله، أو يزور الواحة. وحتى في العاصمة نواكشوط تعتبر ال "في. إكس" رمزاً للجاه والأبهة. وبها تهيم الصبايا الحالمات. اجراءات "العقاب" الجديدة اقترنت باجراء شعبي آخر تمثل في اعلان الرئيس الطايع زيادات في رواتب ذوي الدخول المحدودة من موظفي الدولة بمناسبة شهر رمضان الذي تصادف مع ارتفاع جديد في اسعار المواد الاستهلاكية. ويعتقد مراقبون موريتانيون انه سيكون على الرئيس الطايع ووزيره الأول اتخاذ المزيد من اجراءات ضبط التسيير الحكومي للمال العام الذي يقول الموريتانيون ان المسؤولين "يلتهمونه في شكل شبه علني". واذا ما استمر الوزير الأول في اجراءات الرقابة الحالية يعتقد ان النظام سيربح المواطنين ويقل هذا التدافع على المناصب الحكومية باعتبارها الوسيلة الأمثل للثراء السريع.