صدر عن «دار الساقي» في بيروت كتاب للروائي والصحافي اللبناني محمد أبي سمرا بعنوان «طرابلس: ساحة الله وميناء الحداثة». يروي الكتاب الحروب التي شهدتها العاصمة الثانية للبنان خلال النصف الثاني من القرن العشرين، بدءاً من اليسارية وصولاً إلى السلفية، مروراً بالحالة الفلسطينية التي خيمت على المدينة في مطلع الثمانينات. ويقدّم لوحة بانورامية عما آل إليه المجتمع الطرابلسي اليوم، استناداً إلى رواة طرابلسيين عاصروا أحوال مدينتهم في تقلباتها المختلفة خلال العقود الأخيرة، فكانوا «أبطال مسارحها الحربية»، من «منظمة الغضب» إلى «حركة التوحيد الإسلامي»... إلى «جماعة الضنّية». يسرد أبي سمرا في كتابه فصول رحلة متشعبة في عوالم طرابلس المتباينة مجتمعاً وأحياء وحياة يومية وحوادث حربية معاصرة. تعاقب على رواية فصول هذه الرحلة المتقطعة والمتشابكة الحلقات، كثيرون من أهل المدينة اللبنانية الشمالية الذين سجلت سيرهم وشهاداتهم في أوقات ومناسبات متباعدة بين عام 2000 وعام 2010، ونشر بعضها في صحيفة «النهار» اللبنانية وملحقها الأسبوعي. وبعد توسع مادة السير والشهادات والاستقصاءات الميدانية وأفقها وتنوع أبوابها، بدأ العمل على تنسيقها وإنشائها كتاباً بدا أن خيوطه الجامعة تتمحور حول رمزية المدينة في سياق حوادث متناسلة ومتداخلة مع نشوء حركات «اجتماعية – سياسية» محلية، وقيام انتفاضات ومجابهات حربية داخلية وإقليمية، عرفتها طرابلس في النصف الثاني من القرن العشرين. ويقول أبي سمرا في مقدمة كتابه الذي يقع في 432 صفحة من القطع الوسط: «إذا كان هذا الكتاب كتاباً عن الحرب والاجتماع الحربي في طرابلس في كثير من فصوله، فإن الحروب في لبنان حاضرة في ظلال الحوادث الطرابلسية ومشاهدها، بقدر ما هي طرابلس مسرح من مسارح الحروب الملبننة، وتجلٍّ من تجلياتها، ومتصلة بها اتصال السوائل في الأوعية المتصلة. لكنه أيضاً كتاب للخروج من الحرب التي لا مخرج منها إلا بروايتها وتكثير رواتها في العلانية العامة، طلباً للمعرفة بأحوال المجتمعات وحوادثها، والتأريخ لها، وإعمال التفكير فيها وفي أشكال روايتها». وفي الكتاب الذي استخدم المؤلف فيه اسلوب الروائي وعين الباحث الاجتماعي، وصف لحياة الفئات الاجتماعية المتوسّطة والميسورة، الحائرة بين إسلامها وحداثتها المحافظة. وحسب المؤلف، فإن الكتاب «تمرين على رواية نتفٍ من سيرة حروبنا وجماعاتها ومجتمعاتها، علّ هذه البلاد المنهكة بالحروب والمترنحة على شفيرها، تلجم بالسياسة والتأريخ والرواية سقوطها في الحرب».