تقف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اليوم أمام امتحان جدي لاختبار مدى قدرتها على تجاوز الاختلاف في شأن مشروع الكهرباء الرامي الى إنتاج 700 ميغاواط لتوفير تغذية المناطق اللبنانية بالتيار الكهربائي بلا انقطاع. يضاف اليه اختبار آخر يتعلق بتسديد حصة الدولة اللبنانية الخاصة بلبنان لجلاء الحقيقة في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري على رغم ان ميقاتي كان أكد ل«الحياة» أن الحكومة عازمة على تمويلها، لكنه في الوقت عينه لا يختزل رأي مجلس الوزراء باعتباره صاحب القرار في هذا الخصوص. وفي هذا السياق، قالت مصادر وزارية ل «الحياة» إن الموقف من خطة الكهرباء سيحسم في الاجتماع الوزاري الموسع الذي يرأسه ميقاتي اليوم على أن تناقش في جلسة مجلس الوزراء بعد ظهر غد الأربعاء برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. وأكدت المصادر أن الاجتماع الذي عقد أخيراً بين رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط والمعاونين السياسيين لرئيس المجلس النيابي الوزير علي حسن خليل والأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل في حضور الوزيرين غازي العريضي ووائل أبو فاعور، أدى الى تقليص نقاط الاختلاف حول خطة الكهرباء، عبر التوافق على الإجازة للحكومة بصرف مبلغ بليون و200 مليون دولار لتغطية كلفة المشروع على أن يتولى وزير الطاقة جبران باسيل عقد النفقات بعد العودة الى مجلس الوزراء. ولفتت المصادر عينها الى التوافق أيضاً على تعديل القانون 462 بما يسمح بالإسراع في تشكيل الهيئة الناظمة في وزارة الطاقة وصولاً الى تأمين إشراك القطاع الخاص في مرحلة لاحقة في خطة الكهرباء، مشيرة الى التفاهم على استبعاد تشكيل لجنة وزارية - تقنية مشتركة تتولى الإشراف على إدارة المشروع ومراقبته لمصلحة إيكال هذه المهمة الى مجلس إدارة شركة كهرباء لبنان بالتعاون مع شركة كهرباء فرنسا انما بعد إعادة تشكيل مجلس الإدارة وتفعيله ليكون قادراً على القيام بهذه المهمة. وأضافت المصادر نفسها أن جبهة النضال الوطني وممثلي حركة «أمل» و «حزب الله» لا يمانعون في تشكيل لجنة وزارية برئاسة نائب رئيس الحكومة سمير مقبل تتولى وضع التعديلات المقترحة على القانون 462، خصوصاً أن تشكيل لجنة وزارية لإدارة المشروع يشكل مخالفة دستورية للصلاحيات المناطة بوزير الطاقة. وإذ أكدت المصادر أن تثبيت الاتفاق على هذه النقاط الهادفة الى تحصين المشروع وحمايته وتنقيته من الشوائب تنتظر موافقة وزير الطاقة ومن خلاله رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وهذا ما يقوم به «الخليلان» لدى قيادة «التيار الوطني الحر» لدفعها الى تأييدها وسحب ما لديها من اعتراضات عليها، قالت في المقابل ان تمويل الخطة لم يحسم بعد وهو ينتظر حسمها في الاجتماع الوزاري الموسع اليوم. وفي هذا الخصوص أوضحت المصادر الوزارية أن وزير المالية محمد الصفدي كان أكد في الاجتماع الوزاري الأخير الذي لم يشارك فيه الوزير باسيل، أن الوزارة قادرة على تأمين مبلغ 414 بليون ليرة من الخزينة ليصار الى المباشرة بتنفيذ المشروع على أن يصار الى البحث في تأمين المبلغ المتبقي لإنجازه عبر الصناديق العربية والإسلامية أو شركات خاصة عرضت صيغاً لتمويله بفوائد متدنية وآجال طويلة للتسديد مقرونة بفترة سماح. وأكدت المصادر أن الصفدي عزا عدم قدرة الخزينة على تأمين الكلفة الكاملة لتنفيذ المشروع الى عدم ملاءة الخزينة لتوفير المال دفعة واحدة، إضافة الى أن الفوائد التي يدفعها لبنان من جراء الاقتراض من المؤسسات الدولية والعربية والإسلامية تبقى أقل من الفوائد في حال تولت الخزينة عملية الاقتراض. وكشفت المصادر أن لدى لبنان مبلغ 500 مليون دولار هو عبارة عن قروض من الصناديق العربية والدولية موجودة في حساب مجلس الإنماء والإعمار ويمكن استخدامها في تمويل خطة الكهرباء على أن يصار لاحقاً الى إشراك القطاع الخاص في التمويل بعد ان تكون الحكومة اللبنانية أثبتت من خلال المال المتوافر في الخزينة وقيمته 414 بليون ليرة أنها عازمة على تنفيذ الخطة. لكن باسيل، وفق المصادر، لم يبد حماسة للاستعانة بالصناديق العربية والدولية بذريعة انها تشترط على الحكومة اختيار الشركات التي ستتولى تنفيذ المشروع، وهذا ما دفع ببعض الوزراء الى الطلب من رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر حضور الاجتماع الموسع اليوم للوقوف على رأيه من أجل تبيان الحقيقة. واعتبرت المصادر ان الفرصة لخروج الاجتماع الوزاري باتفاق ما زالت سانحة إلا إذا كانت للوزير باسيل اعتراضات أخرى لم يطرحها حتى الآن وهي تتعلق بأنه أعطى، كما يشاع، تعهدات لعدد من الشركات بتنفيذ المشروع، ما يعني أن لا صحة لما يقال من ان للاختلاف حول طبيعة المشروع خلفية سياسية. أما في شأن الاستحقاق الآخر الذي ينتظر الحكومة ويتعلق بتمويل المحكمة الدولية، فيشار الى أنه من السابق لأوانه التعاطي مع موقف مجلس الوزراء من باب الافتراض وصولاً الى القول إنه سيكون هناك أكثر من موقف على طاولة مجلس الوزراء من مسألة التمويل، غير أنه يبقى السؤال: كيف سيكون رد فعل رئيس الحكومة في حال قوبل التمويل باعتراض داخل المجلس يمنع صدور القرار بأكثرية أعضاء الحكومة؟ لذلك سألت مصادر وزارية عن موقف «حزب الله» من تمويل المحكمة، وهل يمكن ان يوافق على تمويل حصة لبنان من المساهمة في هذه المحكمة طالما ان قيادته تتعامل مع القرار الاتهامي الصادر عنها وكأن لا قيمة له لأنه «صادر عن محكمة مسيّسة وهي أميركية - إسرائيلية يراد منها ضرب المقاومة في لبنان؟». وأضافت المصادر ان الحزب انسجاماً مع موقفه من المحكمة لن يؤيد تمويلها، لكن هل يكف اعتراضه لإسقاط بند التمويل أم أن حلفاءه في الحكومة سيدعمون موقفه إلا في حال اكتفى بتسجيل اعتراضه من دون أن يلزمهم به؟ وأكدت هذه المصادر ان إسقاط بند التمويل في مجلس الوزراء سيكشف لبنان أمام المجتمع الدولي، فهل يتحمل ميقاتي تبعاته وتداعياته؟ وماذا سيكون رد فعله وهو لا يترك مناسبة إلا ويؤكد فيها عزمه على تمويلها؟ إلا أن هذه المصادر تساءلت في الوقت نفسه عن موقف الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية باعتبار ان جنبلاط يدعم تمويل المحكمة فيما ميقاتي والوزراء المقربون منه سيصوتون الى جانب التمويل. لذلك هل يتجنب ميقاتي بتأييده تمويل المحكمة الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي حتى لو قرر حلفاء «حزب الله» التضامن معه في معركته لإسقاط التمويل؟ أم أنه سيضطر الى التلويح بسلاح الموقف بذريعة ان لا بديل منه في رئاسة الحكومة، خصوصاً ان لا نية حتى الساعة لتحويلها الى حكومة تصريف أعمال إلا إذا كان الاختلاف على خطة الكهرباء سيبقى قائماً لاستخدامه مكمناً للإطاحة بالحكومة بدلاً من أن تأتي على خلفية رفض الأكثرية في مجلس الوزراء لمبدأ التمويل، وبالتالي فإن توليها تصريف الأعمال يعفيها من المساءلة الدولية؟