في ردّها على التظاهرات المعترضة على نتائج الانتخابات الايرانية، حرصت المؤسسة الحاكمة على تأكيد أن قلة من المتظاهرين «المنافقين» ترتبط ب «عملاء الغرب» هي التي استمرت في الاحتشاد في الشوارع، رغم دعوة المرشد علي خامنئي الى انهاء التظاهرات. وبلغت هذه المؤسسة حد القول ان الرسائل التي يوجهها مير حسين موسوي على موقعه الالكتروني الى مناصريه بالمضي في الاعتراض على النتائج هي رسائل «مدسوسة» من اولئك العملاء، وليست موجهة من المرشح الذي اعلنت الحكومة خسارته، وذلك بهدف ضرب الثورة الاسلامية من الداخل. مستقبل النظام الاسلامي والتأكيد على شرعيته الشعبية هما الاساس في نظر المؤسسة الحاكمة. يعلو ذلك على الانتقادات الموجهة للعملية الانتخابية. لهذا تؤكد هذه المؤسسة ان المشاركة الكثيفة في الانتخابات هي تصويت على ثقة الايرانيين بالنظام الاسلامي بصرف النظر عن الاعتراضات التي رافقت الاعلان عن نتائج الانتخابات. فلا شيء يقلق القائمين على امور الجمهورية الاسلامية في ايران اكثر من اظهار الاعتراضات على الانتخابات وكأنها اعتراضات على النظام نفسه وعلى ولاية الفقيه التي تعتبر رمز قوة هذا النظام والاساس وراء قدرته على فض النزاعات الداخلية من خلال قرار المرشد باعتبار كلمته هي الكلمة الفصل. فلم يسبق في تاريخ هذه الجمهورية ان ظهر قرار المرشد وكأنه موضع تشكيك مثلما هو الآن. والتشكيك ليس فقط من جانب المرشحين الخاسرين بل الاخطر انه من جانب وجوه بارزة في المؤسسة الدينية. مخاطر هذا التشكيك انه يبدو وللمرة الاولى في تاريخ الثورة وكأن موقف المرشد الاعلى يقف ضد الخيار الديموقراطي للناس. وليس مهماً هنا اذا كان تزوير نتائج الانتخابات قد حصل ام لا. فمجرد طرح التساؤلات حول النتيجة في نظام يُفترض ان ممارساته هي فوق الشبهات هو ما يقلق حكام طهران. يقوم النظام الايراني على قاعدتين: القاعدة الدينية، اي الالتزام بالحدود التي رسمتها الثورة الاسلامية ويرعاها المرشد باعتباره الولي الفقيه. والقاعدة الديموقراطية، اذ ان النظام يستمد شرعيته مباشرة من الشعب، وهو ما اعتبره الامام الخميني المصدر الحقيقي للقوة التي اسقطت حكم الشاه. وما يخشاه النظام الآن ان هاتين القاعدتين تتعرضان للاهتزاز. ليس لأن الاسس الدينية للنظام باتت موضع تساؤل. فالخلاف بين الجهتين المتنافستين لا يزال داخل جدران الثورة الاسلامية. بل لأن قرار الرمز الاول للمؤسسة الدينية الحاكمة، اي المرشد، يطرح تساؤلات حول ملاءمته لمصلحة الثورة ومستقبلها، اذ بات هذا القرار يبدو في نظر جمهور واسع من الايرانيين، عن حق او خطأ، وكأنه يتعارض مع اتجاه التصويت الشعبي. لذلك بات كثيرون من معارضي دعم نجاد من قبل المرشد يسألون اذا كان الرئيس الايراني يستحق التضحية بمستقبل الثورة والالتفاف الشعبي حولها في سبيل اعادته الى الرئاسة، رغم كل الاعتراضات. لم تعد مخاوف المؤسسة الحاكمة في ايران من مير حسين موسوي ومن معارضته لنتيجة الانتخابات. مخاوفها هي من ظهور قوة شعبية واسعة باتت مستعدة للنزول الى الشارع ومواجهة قرار الحاكم ولو كلفها ذلك حياتها. فقادة ايران يتذكرون ان هذه القوة نفسها هي التي اتت بهم الى السلطة، على رغم بطش الشاه وأجهزة أمنه واستخباراته. لسنا بالتأكيد امام ثورة مخملية او وردية او برتقالية. مير حسين موسوي رجل من داخل النظام ومن ابناء الثورة. لكن النظام الايراني، المولع بقوته وبقدرته على الحسم الداخلي، يخاطر بإبعاد ابنائه والمحسوبين عليه الى موقع معارضة الاسس التي يقوم عليها النظام، بدل أن تبقى معارضتهم لأسلوب الحكم وطريقة عمل المؤسسات، كما هي حالياً. وعندما يتم دفع المعارضين الى هذا الطريق يكون التهديد الحقيقي للنظام الاسلامي قد بدأ. عندها لن يعود هذا التهديد بحاجة الى المؤامرات الخارجية المزعومة.