في شكل بدا وكأن لا مناسبة له، روى الحلاق العجوز لضيفه الجار، تفاصيل اعلان تلفزيوني شاهده منذ زمن بعيد، وفيه زوجان يدخلان متجراً لبيع الأدوات الكهربائية راغبين في شراء جهاز تلفزيون. على الفور يبدأ موظف البيع النشيط باستعراض «الماركات» التي يبيعها، مادحاً هذه «الماركة» أو تلك، ناصحاً بهذا الجهاز أو ذاك... وفجأة نظرت اليه السيدة بقوة وعزم وسألته: «وأنت أيها السيد، أي جهاز تستخدم في منزلك؟». عندما أنهى الحلاق هذه الحكاية، تابع وكأنه أدرك ان سؤال جاره له سيكون: «لماذا تروي لنا هذه الدعاية وقد باتت قديمة جداً كما تقول؟»... «هذه الدعاية، قال الحلاق، أتذكرها في كل مرة أجلس فيها أمام جهاز التلفزيون في بيتي، ولكن لأسباب أخرى تماماً. ما هي هذه الأسباب؟ سأله الجار. فابتسم وتابع: «أنا منذ زمن لم أعد أتابع البرامج السياسية التي تحولت، والعياذ بالله، الى مجرد شتائم وكلمات نابية. ولقد فتح هذا أمامي آفاق مشاهدة برامج اجتماعية وتحقيقات وما شابهها. وهكذا بت ألاحظ، وفي معظم المحطات من دون استثناء، كيف ان هذه البرامج تستضيف طباخين يحدثونك عن الطعام الصحي. وإذ ننظر اليهم ملياً نفاجأ بأن الصحة ليست من شيمهم، إذ فيما يبدو بعضهم سيئ التغذية، يبدو البعض الآخر موفورها... فقل لي، بربك، كيف يمكننا ان نصدقهم؟». هنا وقبل أن يفتح الجار فمه ليتكلم، تابع الحلاق: «... والأدهى من هذا خبيرات الجمال، حيث ما ان يؤتى بواحدة منهن محمّلة بكتاب «ألّفته» - ودائماً ما تكون كلمة «جمالك» جزءاً من عنوانه المغري المتواكب مع صورة لحسناء لست أدري من أين يأتون بها -، حتى تبدأ بالحديث عن الجمال وضرورته، بخاصة بالنسبة الى النساء، وتقدم النصيحة تلو النصيحة حول «التجاعيد» و «رشاقة الجسم» و «صفاء البشرة» و «الحفاظ على الشعر» و «إزاله الزائد منه» والبثور... وما الى ذلك. وتقول ان هذا كله وارد في كتابها المزين بالصور. وإذ يقول الحلاق هذا، يسارع الى التوضيح: «في الحقيقة، أنا لست ضد الجمال، ولست ضد ان تعتني المرأة، والرجل، بجمالها أو جماله... ولا تنسَ أنني حلاق. لكن المشكلة هي ان من يستمع الى كل هذا الكلام الجميل، يدهش إذ ينظر الى السيدة قائلته. ويتساءل: ترى، إذا كانت هذه السيدة تعتقد ان نصائحها مفيدة وكتابها فعّال... فلم لا تجرب ذلك على نفسها. فسبحان الله، كل واحدة من هاته المؤلفات الخبيرات، تكاد تقول للراحلة ماري منيب: انهضي لأجلس مكانك!!». ويقهقه الحلاق وهو يتمتم: أولم يسمعن بالشعر الذي يقول: «طبيب يداوي الناس وهو عليل».