لاحظت يوم كنت في سن بين الثالثة عشرة والرابعة عشرة شوائب الحكومة التيبيتية. فالسلطة كانت قصراً على مجموعة صغيرة من الناس. وإثر سلوك طريق المنفى في 1959 الى الهند، بدأت عملية «دمقرطة» المؤسسات. وفي 2001 انتخب أول رئيس حكومة تيبيتية. ومذ ذاك انسحبتُ جزئياً من الحياة السياسية. وفي مطلع العام الحالي، نظمتُ حملة لانتخاب رئيس وزراء جديد. ولاحظتُ أن التيبيتيين في الدول الحرة يشعرون بالسعادة للمشاركة في انتخاب ممثليهم الكفوئين. وبعد عقد من الانسحاب الجزئي من الحياة السياسية، قررت التقاعد سياسياً. وقراري يزعزع مؤسسة الدلاي لاما. فقرار الفصل بين سلطة الدالاي لاما الدينية وبين السلطة السياسية يقطع مع تراث يعود الى 400 عام. فالدالاي لاما هو صاحب السلطة السياسية. ولكن احتكار السلطة يتعارض مع قناعاتي. وأفلت مرحلة قيادة ملك أو زعيم ديني رئاسة شعب ما. وخير سبيل لإدارة شؤون شعب هو انتخاب ممثلين له. ومنذ طفولتي، تعجبني المؤسسات الديموقراطية. ومؤسسة الدالاي لاما هي مؤسسة دينية تاريخية مكانتها راسخة في قلوب التيبيتيين. والظروف اقتضت فصلها عن السلطة السياسية لتفادي الطعن فيها. واقترح نواب تيبيتيون في المنفى أن أشغل منصباً رمزياً رسمياً. ولكني لا استسيغ مثل هذا الاقتراح. وعلى رغم احترامي ملكة بريطانيا والأمير تشارلز، لا أرغب في تولي منصب رمزي مخافة تحولي الى دمية في يد رئيس الوزراء. والنظام الديموقراطي الجمهوري هو الأمثل للتيبيتيين. وليس مستبعداً أن يكون الدالاي لاما المقبل امرأة، إذا تبين أن شغل امرأة المنصب هذا يعود بالفائدة على البوذية. فالنساء يشعرن بآلام الآخرين أكثر من الرجل. والأوضاع في التيبيت سيئة. فقبضة الحزب الشيوعي الصيني حديدية. وبحسب تقرير رسمي صدر أخيراً، تفوق موازنة الأمن الداخلي الصينية الموازنة الدفاعية الخارجية الصينية. وهذا مؤشر الى أن الداخل هو مصدر الخطر. وفي التيبيت يسود الخوف والحذر. والحال هذه لن تستمر الى الأبد، وهي تفضي الى عملية دمار ذاتي. لا أدعو الى إرساء الديموقراطية في الصين. ولا فائدة ترتجى من انهيار السلطة المركزية والانزلاق الى الفوضى. والحل الأمثل هو التغيير التدريجي. وأكثر ما تحتاجه الصين اليوم هو إعلام حر منفلت من عقال القيود والرقابة. ويحق لبليون و300 ألف صيني اختيار ما يعود عليهم بالخير أو بالسوء. * عن «لوموند» الفرنسية، 2/8/2011، إعداد منال نحاس