أكّدت دراسة اقتصادية حديثة أن شهور ربيع هذا العام اتسمت بأنها فترة اضطراب استثنائي للأسواق المالية في منطقة الخليج العربي. وبصرف النظر عن المخاطر البادية للعيان في الاقتصاد العالمي، فإن الاضطراب الإقليمي الذي أصبح يعرف باسم «الربيع العربي» أدى إلى حركات تصحيحية حادة في أسواق الأسهم، وندرة في نشاطات الإصدارات الجديدة في أسواق الأسهم والسندات والصكوك، بيد أن هناك بادرة مشجعة، تتمثل في نهوض سريع نسبياً في أواخر الربع الأول من العام، إذ عادت مؤشرات الأسهم إلى مستويات ما قبل الأزمة، وارتفعت أحجام التداول إلى أكثر من ذلك، وعادت إلى المستويات التي شهدناها في الربع الأول من عام 2010. وأوضحت الدراسة التي أعدها البنك الأهلي أنه عقب هذا الانتعاش، انطوى ربع العام الثاني على صورة أكثر اهتزازاً. وفي حين أن هناك تطورات إيجابية واضحة، خصوصاً في سوق الصكوك؛ إلا أن الزخم الإيجابي تعرض تكراراً لضغوط، مفسحاً مجالاً لوضع يتسم بقدر أكبر من الركود وعدم الثبات. وبرصد التوجهات في القطاع المصرفي، فقد نتبيّن بوضوح أن الأمور ليست على ما يرام تماماً في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. وأوضح كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري الدكتور يارمو كوتيليني أنه «في حين ظهرت توجهات إيجابية في بعض أجزاء من المنطقة، إلا أن الائتمان المصرفي في دول أخرى لا يزال ينافح الغرق في بيئة تتسم بازدواجية غريبة، إذ هناك زخم إيجابي جلي في الإقراض المصرفي في كلٍ من عُمان والسعودية وقطر. يذكر أن المملكة هي الاقتصاد الإقليمي الوحيد الذي يشهد اتجاهاً إيجابياً في الائتمان للقطاع الخاص، إذ ارتفع بمعدل سنوي بلغ 7.8 في المئة في شهر حزيران (يونيو)، ونما الائتمان المصرفي الكلي في المملكة بمعدل 7.2 في المئة على أساس سنوي، ما يشير إلى تضاؤل دور الائتمان للقطاع العام الذي كان في ما سبق وخلال الأزمة المجال الرئيسي لنشاط الإقراض. وفي حين تشهد قطر نمواً سريعاً في الائتمان المصرفي، إلا أن وتيرة هذا النمو تباطأت باستمرار خلال الشهور القليلة الأخيرة ليصل إلى 10.1 في المئة على أساس سنوي في شهر أيار (مايو) الماضي. ويتميز نمو الائتمان العماني بأنه الأعلى في المنطقة، إذ بلغ 10.2 في المئة في شهر مايو، بيد أن الزخم الإيجابي يرتبط في الأساس بائتمان القطاع العام، في حين نمت القروض للقطاع الخاص بمعدل أكثر تواضعاً بلغ 6.1 في المئة. وعلى النقيض من ذلك، لا يزال نمو الائتمان المصرفي في الإمارات يتسم بالتروي، مسجلاً معدل 1.9 في المئة على أساس سنوي في شهر نيسان (أبريل) الماضي، اذ تواجه البنوك الإماراتية ضغوط ضوابط تنظيمية متواصلة. أما نمو الائتمان المصرفي في الكويت، فإنه أبطأ بمعدل 1.1 في المئة على أساس سنوي في شهر يونيو، في حين تراجع الائتمان المصرفي البحريني بمعدل سالب بلغ 1.2 في المئة على أساس سنوي في شهر مايو من عام 2011. وعلى رغم الانتعاش الموقت في أسواق الأسهم الإقليمية بالمنطقة خلال فصل الربيع من هذا العام، إلا أن الإصدارات الجديدة من الأسهم لا تزال محدودة. وعلى رغم أن نشاط إصدارات الأسهم الأولية استرد بعض عافيته من المستويات الدنيا المتمثلة في إصدار واحد بقيمة 66 مليون دينار إماراتي (17.9 بليون دولار) خلال الربع الأول من العام، إلا أن المنطقة لم تشهد سوى ثلاثة إصدارات فقط خلال الفترة من شهر أبريل إلى شهر يونيو من هذا العام من جانب شركتين من الإمارات وشركة سعودية واحدة. وبلغت القيمة الإجمالية للإصدارات الأولية بالمنطقة في الربع الثاني من العام 346 مليون دولار، مقارنة مع 409.2 مليون دولار في الربع الثاني من العام الماضي. ومن الواضح أن تدفق إصدارات الأسهم الأولية بالمنطقة بعيد عن العودة إلى مستويات ما قبل الأزمة أو حتى للمستويات التي شهدناها العام الماضي. وتعود الآفاق الغامضة جزئياً إلى فقد متجدد للزخم في أسواق الأسهم بالمنطقة في الربع الثاني من العام. وتراجعت كل أسواق الأسهم بدول مجلس التعاون الخليجي خلال النصف الأول من هذا العام، وتراوح الهبوط ما بين 0.6 في المئة في أبوظبي و0.7 في المئة في السعودية و10.7 في المئة في الكويت و12.4في المئة في عمان. أيضاً عكست التوجهات الموجبة لأحجام التداول مسارها في شهر يونيو، ونتيجة لذلك فقدت أسواق الأسهم بدول المجلس ما مجمله 33.4 بليون دولار من إجمالي رسملتها خلال النصف الأول من عام 2011. وكان لسوق الأسهم الكويتي نصيب الأسد في هذه الخسارة – 17.7 بليون دولار – كنتيجة لهبوط بمعدل 13.4 في المئة. ويتميز سوقا الأسهم في السعودية وقطر بأنهما الأكثر مرونة بين أسواق المنطقة، اذ تراجعا بنسبة 0.1 في المئة و1.3 في المئة على التوالي. وفقدت بورصتا دولة الإمارات والبحرين 7.1 في المئة من رسملتيهما، في حين هبطت بورصة الأسهم العمانية بمعدل 10.2 في المئة. ويعلق د. كوتيليني قائلاً: «على رغم أن أسواق السندات والصكوك نشطت بعد جمود، إلا أن زخم الربع الرابع من عام 2010 لم تتم مضاهاته بعد، على رغم المتطلبات التمويلية الكبيرة. وتميل أوضاع السوق إلى الاعتدال، مع مردودات منخفضة بمستوى قياسي وتقارب بين السندات والصكوك».