في مثل هذا اليوم من عام 1426ه، توافد السعوديون شيباً وشباناً إلى قصر الحكم، لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز لتولي مقاليد الحكم، بعد وفاة الملك فهد بن عبدالعزيز، الذي عايشه السعوديون لأكثر من عقدين هي فترة حكمه. اليوم يستعيد السعوديون ذكرى البيعة، وهم يعايشون واقعاً جديداً، خطط له الملك عبدالله بن عبدالعزيز. واقعاً حافلاً بالمشاريع الإصلاحية، بدءاً بالتركيز على إصلاح التعليم والقضاء، مروراً بالإصلاح الاقتصادي، وصولاً إلى بناء مجتمع متماسك، عماده الوحدة الوطنية. جميع فئات المجتمع السعودي اليوم تعيش واقعاً جديداً، جميع السعوديين ينسبون الفضل في تغيير الواقع السعودي المعاش إلى ما هو عليه الآن لخادم الحرمين الشريفين، ويقدرون للملك هذه الجرأة على تغيير المشهد الاجتماعي السعودي. التجار ورجال الأعمال يرون أن توجهات الملك عبدالله الاقتصادية فتحت أمامهم، آفاقاً واسعة على رغم الأزمة المالية العالمية، الطلاب يرون أن التوسع في برامج الابتعاث، منحهم فرصة شرف تمثيل بلادهم. النساء وهن شقائق الرجال يرين انهن أصبحن في عهد الملك عبدالله، جزءاً من مشروع التنمية الوطنية الشاملة، وانهن وصلن إلى منصب نائب وزير. اليوم «الحياة» تستعيد ذكرى البيعة من وجهة نظرها، بعيداً عن الكلام الإنشائي المكرر. ذهبنا ونحن نستعيد هذه الذكرى العزيزة علينا إلى الواقع، الذي استجاب لرغبة الملك عبدالله في تغييره، لا لنسبر أعمال الواقع السعودي المعاش في عهد خادم الحرمين، بل لنرصده كما هو ونترك للقارئ حرية الانحياز إلى المنجز الوطني، ومن ثم التوحد مع وطنه. نحن نستعيد ذكرى البيعة، لا لنضع بعض اللمسات الجمالية على الواقع، بل لنضع لوحة انطباعية عن واقعنا السعودي في براويز أرواحكم، ونترك لها حرية التأمل في المشهد الوطني السعودي، الذي أراده عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير سلطان بن عبدالعزيز وأخواته الميامين، كل في موقعه. جئنا ونحن نستعيد ذكرى البيعة، لنكتب أنفسنا على جدران الوطن. آمن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بمبدأ الحوار منهجاً في حياته وعمل به في محيط عائلته، إذ يلتقي أبناءه كل أسبوع للتحاور معهم ونقاشهم حول أمور الحياة، وهو ما جعله يعمم هذا المبدأ ليصبح واقعاً يعيشه المجتمع السعودي كافة بعد إعلانه إنشاء مركز للحوار الوطني لمناقشة القضايا المختلف عليها. وبدعوة صادقة من لدن الملك عبدالله بن عبدالعزيز - إبان ولايته للعهد - اجتمع من 30 مواطناً من أهل العلم الشرعي، والفكر الإسلامي من أطياف فكرية متعددة، وعقد اللقاء في رحاب مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض في 15-18/6/2003، وكانت محاور اللقاء تتضمن الوحدة الوطنية وأثر العلماء فيها، والعلاقات والمواثيق الدولية وأثرها على الوحدة الوطنية . وخرج اللقاء الأول ب 26 مقترحاً، كان من أبرزها ضرورة إدراك أن الاختلاف والتنوع الفكري سنة كونية وحقيقة تاريخية، لذا لا يمكن إلغاؤه وتجاوزه، وإن ما يخفف من آثاره الضاره اعتماد منهج القرآن الكريم في الحكم على الآراء والأشياء والأشخاص بتحري الحقيقة الموضوعية والعدل، والتعايش مع هذا الاختلاف وضبطه، والتفريق بين الثوابت الاجتهادات في مجال التنوع والاختلاف، وتحديد مرجعيته بالكتاب والسنة، وضرورة التمسك بالوحدة الوطنية بعيداً عن التعصبات أيا كانت، وتركيز العناية والتفكير في قضية الخطاب الإسلامي الداخلي والخارجي بما يؤكد تمسك المملكة بعقيدتها الإسلامية وصلاتها بعالمها الإسلامي ووحدتها الوطنية في إطار من الوسطية والاعتدال، والتأكيد أن من أقوى دعائم الوحدة الوطنية الاهتمام بمعالجة هموم الحياة اليومية للمواطن، والتوازن في توزيع برامج التنمية بين مناطق المملكة، والاهتمام بالمناطق الريفية بهدف استكمالها للخدمات الأساسية، ومعالجة ضعف الأداء في الأجهزة الحكومية وبخاصة ذات العلاقة بالشأن العام. ودعا المشاركون بتطوير فكرة هذا اللقاء، وتوسيع دائرة المشاركة فيه، ليشمل جميع المستويات، ويعالج مختلف الموضوعات، وذلك بإنشاء مركز للحوار الوطني يعنى بتنظيم اللقاءات، وإعداد البحوث والدراسات في هذا المجال. وبعد مرور أقل من شهر على ختام اللقاء ترجم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مخرجات اللقاء الأول إلى واقع ملموس بإنشاء مركز متخصص للحوارات الوطنية تحت مسمى مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، إذ صدرت الموافقة في 24 أيار (مايو) 2003 على إنشائه ويكون مقره الرياض. وقال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمة - إبان ولايته للعهد - وجهها للمواطنين بمناسبة إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني: «لقد شهدنا في الفترة الأخيرة تطوراً هاماً تمثل في انعقاد اللقاء الوطني للحوار الفكري، هذا اللقاء الذي ضم نخبة صالحة من أبناء الوطن العزيز من مختلف المشارب والتوجهات، اجتمعوا في ظل المحبة الإسلامية وتناقشوا في رحاب الإخوة الوطنية، وانتهوا إلى توصيات بناءة، تعزز التمسك بالعقيدة السمحة وتؤكد الوحدة الوطنية فلهم من جميع أبناء الوطن الشكر والتقدير. ولقد رأى هؤلاء الإخوة الكرام أن يستمر الحوار ويتسع نطاقه ليدخل فيه المزيد من المتحاورين وليبحث فيه المزيد من القضايا بهدف أن يتطور الحوار، حتى يكون أسلوباً بناءً من أساليب الحياة في المملكة العربية السعودية. ويسعدني أن أتحدث إليكم لأعلن عن موافقة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يحفظه الله على قيام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ليكون وسيلة عملية لتحقيق الهدف المذكور. وسيكون مقره في مدينة الرياض وسوف يستعين المركز بمرافق وخدمات مكتبة الملك عبدالعزيز العامة لتسهيل أعماله. ولا يراودني أدنى شك أن إنشاء المركز وتواصل الحوار تحت رعايته سيكون بإذن الله إنجازاً تاريخياً يسهم في إيجاد قناة للتعبير المسئول سيكون لها أثر فعال في محاربة التعصب والغلو والتطرف، ويوجد مناخاً نقياً تنطلق منه المواقف الحكيمة والآراء المستنيرة التي ترفض الإرهاب والفكر الإرهابي». وتضمنت كملة الملك عبدالله أيضاً جانب الأمن والمساواة، إذ جاء فيها «إننا في هذا الوطن الحبيب لم نحقق ما حققناه من أمن وأمان ورخاء ورفاه إلا بفضل العقيدة الإسلامية ثم بفضل تمسكنا بوحدة هذا الوطن، وإيماننا بالمساواة بين أبنائه وأن أي حوار مثمر لا بد أن ينطلق من هاتين الركيزتين ويعمل على تقوية التمسك بهما، فلا حياة لنا إلا بالإسلام ولا عزة لنا إلا بوحدة الوطن ولن نقبل من أحد كائناً من كان أن يمس مبادئ العقيدة، كما أننا نرفض أن يسعى أحد كائناً من كان للعبث بالوحدة الوطنية. إن آداب الحوار يجب أن تنطلق من منهج السلف الصالح الذي يعتنقه شعب المملكة... وقد كان السلف الصالح عليهم رضوان الله لا يجادلون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة، ويعملون بتوجيه سيدنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، كما كانوا يعتبرون سب المسلم فسوقاً وقتاله كفراً. هذا هو الطريق السليم للحوار، وإنني على ثقة أن علماء هذا الوطن ومفكريه ومثقفيه هم من يسلك هذا الطريق المستقيم، وأنهم يدركون كما أدرك أن المملكة قيادة وشعباً لن ترضى أن تتحول حرية الحوار إلى مهاترة بذيئة أو تنابز بالألقاب أو تهجم على رموز الأمة المضيئة وعلمائنا الأفاضل». ويسعى المركز إلى تحقيق 8 أهداف رئيسية، تشمل تكريس الوحدة الوطنية في إطار العقيدة الإسلامية وتعميقها عن طريق الحوار الفكري الهادف، والإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية والاعتدال داخل المملكة وخارجها من خلال الحوار البناء، ومعالجة القضايا الوطنية من اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية وتربوية وغيرها، وطرحها من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته، وترسيخ مفهوم الحوار وسلوكياته في المجتمع ليصبح أسلوباً للحياة ومنهجاً للتعامل مع مختلف القضايا، وتوسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية، إضافة إلى تفعيل الحوار الوطني بالتنسيق مع المؤسسات ذات العلاقة، وتعزيز قنوات الاتصال والحوار الفكري مع المؤسسات والأفراد في الخارج، وبلورة رؤى استراتيجية للحوار الوطني وضمان تفعيل مخرجاته. وعلى رغم تنظيم 7 لقاءات وطنية شارك فيها نخبة من المثقفين ورجال الدين والأدب والإعلام، وناقشوا خلالها آلاف الأفكار والقضايا، لم تخفت حماسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بل يرى أن الطريق ما زال طويلاً حتى يصبح الحوار منهج حياة لأبناء بلاده، إذ يطمح إلى دخول ثقافة الحوار في كل منزل ومسجد ومدرسة، بهدف نشر ثقافة التسامح والحوار وقبول الآخر، ومحاربة الفكر المتشدد في أشكاله كافة، ومحاربة الغلو والتطرف الذي يسيء إلى بلد الإسلام. ويعد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مركز الملك عبدالعزيز همزة وصل بين القيادة والشعب، ولذلك يرى ضرورة نقل نبض المجتمع السعودي، ومناقشة قضاياه المختلفة بجوانبها كافة، ومحاولة تقريب وجهات النظر والخروج برؤية وطنية لمعالجة هذه القضايا، إضافة إلى الدور الرئيسي والكبير في حماية الأمن الفكري من خلال نشر الوسطية والاعتدال في المجتمع السعودي ومحاربة التطرف والغلو بأشكاله كافة. ويصف الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، وفق تصريحات سابقة، الأمانة والمسؤولية التي حمّلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للمسؤولين في المركز ب«الأمانة الكبيرة، والمسؤولية التاريخية لتطوير المجتمع نحو الأفضل»، مشدداً على أن مركز الحوار الوطني قطع شوطاً كبيراً من الحوارات في مجالات مختلفة تكللت بالنجاح على مستوى نشر ثقافة الحوار، وكذلك تحقيق إصلاح فكري وتقبل وجهات النظر المختلفة في النسيج السعودي، مؤكداً في الوقت ذاته أن التنمية الاقتصادية التي تشهدها السعودية تحتاج إلى تنمية فكرية. وأشار إلى أن المركز يسعى إلى تأصيل ثقافة الحوار في المجتمع السعودي، موضحاً أن مشروع الحوار الوطني الذي يقوده الملك عبدالله يعد أكبر مشروع للحوار الوطني على مستوى العالم الإسلامي، وأن هذا المشروع نجح في حماية الأمن الفكري إلى جانب نجاحات العمل الميداني الأمني في السعودية، ولجان المناصحة التي أطلقتها وزارة الداخلية للقضاء على الفكر المتطرف. ويعمل مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني حالياً على صياغة خطة استراتيجية للمركز لعشر سنوات مقبلة، وذلك عقب دراسة تقويم المركز التي تجريها جهة محايدة وستنتهي في غضون شهرين من الآن، كما سيتم توسيع قاعدة الحوار من خلال إقامة حوارات في المناطق بصفة مستمرة طوال العام بالتعاون مع المؤسسات الثقافية في المناطق، إضافة إلى تدريب طلاب المدارس عبر دورات قصيرة على الحوار ومهارة الاتصال، فيما بدأ المركز بتوقيع اتفاقات مع جهات حكومية تشمل الوزارات والجامعات بهدف توسيع قاعدة الحوار الوطني.