لا. لن. لا بد. مرفوض. يسقط. فاسد. عميل. أحتج. أعترض. أطالب. لصوص. يحاكم. إعدام... الخ. قائمة المصطلحات التذمرية والهجومية لا تنتهي في «فايسبوك» و»تويتر» وسواهما من مواقع ومنتديات في عالم الإنترنت بعد عاصفة الثورات والاحتجاجات التي تجتاح العالم العربي. فهؤلاء المعترضون على كل شيء أخيراً – وهذا من أبسط حقوقهم - حولوا هذه المواقع إلى «أرامل سود» تأكل بعضها بعضاً، بمجرد أن تعاني جوعاً حقيقياً أو خطراً يحدق بألسنتها وأقلامها ولوحات مفاتيحها. من حق الجميع الاعتراض، لكن المنطق يحتم على المعترض طرح البديل، سواء كان مبتكراً أم مستنسخاً على الأقل. ما يلاحظ بسهولة في «فايسبوك» مثلاً وسواه من ساحات حرية يستخدمها الشباب المحتقن سواء كان من أتباع الثورات الناجحة أم التي لا تزال تسبح في مخاضات الدم، فقدان الصوت البناء والخلاق أو ذوبانه في محيط ليس أطلسياً أو هادئاً، بل هادراً بالعدوانية الفكرية واللفظية، التي لا تحتاج إلى إرهاق العقل. الأمر في غاية السهولة. كل ما عليك فعله هو أن تطلق مجموعة «لاءات»، أو تعلن رفضك لكل ما يحوم حولك أو تطلق مجموعة شتائم في حق الضحايا الجدد. بات جلياً غياب العقلية المفكرة والبناءة أو المبادرة على جدران «فايسبوك» وتغريدات «تويتر». فثقافة الببغائية سائدة، في ظل ضعف الخلفية الثقافية لدى الأجيال التي ثارت «قهراً» لا «وعياً». كلٌّ ينقل. كلٌّ يبدي إعجابه بنقرة، والغالبية تتعلم جملاً اعتراضية جديدة، تلتقطها من هنا وهناك. من منا طرح فكرة جديدة أو اقترح رؤية سديدة؟ ليسوا قلة من فعلوا ذلك، لكن من الذي حاول تنفيذ الفكرة وبذل جهداً حقيقياً لتحقيقها بعيداً من العالم الافتراضي؟ قليل من «الفايسبوكيين» من قام بنشاط عملي خارج إطار الشعارات اللفظية، إلا أن تلك النشاطات اقتصرت في جلها على نشاطات خيرية لا حظ للتخطيط في إنجازها، فضلاً عن محدودية أثرها ومعالجتها – فيما لو نجحت – لحالات خاصة، وليس لواقع عام، في أمس الحاجة لأفكار الشباب وعقولهم، لا لأصواتهم وهتافاتهم. لا شك في أن للأمر علاقة بجرعات القهر التي عاشها الشباب وآباؤهم من قبلهم على مدى عقود، لكن ذلك لا يعني تفويت فرصة التعلم من أخطاء الآخرين. ويظهر جلياً لمن يراقب الأمر برويّة على حيطان «فايسبوك» التي تبدو أقوى في ظل الثورات من أسوار عكا والقسطنطينية، أن الوعي الجماهيري لم يتطور بعد، ربما بدأ بإدراك الواقع والماضي معلوماتياً، لكن ملامسة الواقع والتفكير بناء عليه من اجل مستقبل أفضل لا يزال مقعداً، ولم يخط خطوة واحدة في رحلة الألف ميل. يكتب أحدهم عبارة جميلة أو عاطفية، فيعلق أحدهم، ثم يأتي آخر فيبدي إعجابه، وهكذا... حتى يبدأ التهافت للنقر والإعجاب لتدور عجلة الثقافة «الببغائية» بوتيرة سريعة كعادتها. بصدق، لا أعلم حلاً لما يحدث، وأتمنى ألا يكون المفكر الفرنسي غوستاف لوبون واضع أسس علم سيكولوجيا الجماهير، مصيباً عندما قال: «الثورة عمل عشوائي يقوم به حشد قطيعي لا عقل فردياً له، أو تحركه غرائزه، أو هي أبعد ما تكون عن التفكير العقلاني المنطقي»، أو على الأقل أن تخرج ثوراتنا عن تعريفه.